«مكاسرة» في الأسعار.. حتى أقسام الشرطة
|
|
المساومة على الأسعار تؤثر سلباً في سمعة أسواق الدولة. تصوير: تشاندرا بالان قال تجار إن «المكاسرة» في الأسعار، أو ما يعرف بـ «الفصال» أو «المساومة»، أصبحت أحد المظاهر السلبية التي يعاني منها سوق التجزئة في مدن الدولة كافة، خصوصاً بعد انتشارها في مراكز تجارية راقية ظلت بعيدة عن مثل هذه الظواهر طوال العقود الماضية، محذرين من أن «هذه الظاهرة من شأنها القضاء على شفافية عملية البيع والشراء، وتالياً التأثير سلباً في المكانة التجارية للسوق الداخلي».
وفي المقابل، رأى مستهلكون أن «المكاسرة» في الأسعار هي «نتيجة طبيعية لممارسات تجار أثبتت التجربة أنهم يبيعون منتجاتهم بأسعار مختلفة بحسب جنسية المشتري».
وأوضحوا أن هناك ثلاث قوائم للأسعار، تتحدد وفقاً للجنسيات، الأولى فئة المواطنين، والثانية العرب، والثالثة الآسيويون.
ومن جانبها، حذرت جمعية حماية المستهلك من الآثار السلبية لهذه الظاهرة خصوصاً في القطاع السياحي الذي تسعى الدولة الى جعله أحد مصادر الدخل الرئيسة خلال السنوات المقبلة. ورأى رئيس مجلس إدارة الجمعية محمد موسى جاسم أن «تلاعب تجار بالأسعار الحقيقية يدفع المشتري للمساومة على الأسعار، وهو ما ينذر بتكون فكرة ذهنية سلبية عن أسواق الدولة قد تؤثر في حركة البيع والشراء مستقبلاً».
وحددّ الخبير الاقتصادي رضا درويش القطاعات التي تنتشر فيها هذه الظاهرة عادة، وأبرزها أسواق تجارة المستعمل وأسواق الملابس والأقمشة والإكسسوارات، إضافة الى الشركات والمحلات الشعبية، ومحلات تجارة الذهب والمجوهرات.
وعزا ذلك الى أن «هذه القطاعات تنتمي الى الأسواق التي يسمح نظام التجارة فيها بمساحة أكبر للتلاعب بالأسعار».
وتابع أن «هناك تجاراً يفرقون بين جنسيات عملائهم، فيفرضون سعراً أعلى على المواطن الذي يعتقدون أنه صاحب الدخل الأعلى، في حين نجد أن السعر الأقل للعملاء من الجنسيات الآسيوية، خصوصاً الهندية والباكستانية».
وقدر درويش حجم تجارة الأسواق الشعبية بأكثر من 30% من إجمالي حجم تجارة التجزئة داخل الدولة.
أما المدير التنفيذي لمركز لندن للتدريب وأستاذ إدارة الأعمال والمحاسبة عمر ريان، فنفى وجود ظاهرة «المكاسرة» في المراكز التجارية الكبرى «التي تعتمد على ماركات عالمية ذات أسعار معروفة». وقال إن هذه الظاهرة لاتزال حبيسة الأسواق الشعبية والأسواق المفتوحة وأسواق الخضار والفاكهة.
واعتبر أن أهم أسباب المكاسرة في الأسعار، وجود فئة كبيرة من محدودي الدخل سواء من المواطنين أو الوافدين الذين يحاولون تلبية احتياجاتهم بأقل الأسعار للتغلب على الغلاء وارتفاع الأسعار.
وبحسب ما قاله، فإن هذا السلوك تحدده عوامل عدة، منها مكان المحل وطبيعة السلعة وثقافة المشتري وقدرته المالية.
مهارة وخبرة وأكّدت الباحثة الاجتماعية في وزارة التربية والتعليم أمل مصطفى، أن هذه الظاهرة غريبة عن المجتمع الإماراتي، «جلبها وافدون عاملون في الدولة، خصوصاً من بلدان عربية مثل مصر وبلاد الشام»، مضيفة أن «هذه الظاهرة جعلت أغلب التجار يضعون هامش ربح أكبر، تحسباً لفصال الزبائن، فإذا ساوم الزبون أوهموه بأنهم خفضوا له السعر نزولاً على رغبته. لكنهم لا يخفضون السعر عن حدود معينة بأي حال. وإذا لم يساوم فإنهم يحققون هامش ربح أكبر. واعتبرت مصطفى أن الفصال «مهارة سلوكية خاصة، يتمتع بها بعض المشترين تبعاً لخبرتهم وثقافتهم».
وقالت الباحثة الاجتماعية إن هناك وسائل متعددة يلجأ إليها المشتري لتخفيض السعر، منها إبراز أحد عيوب السلعة بعدسة مكبرة، وإظهار عدم رغبته الشديدة بها أو المقارنة بينها وبين مثيلتها في مكان آخر، ورفع السعر بنسبة قليلة في حال إظهار البائع نوعاً من الرفض، وغيرها من الأساليب المعتادة.
وتلاحظ مصطفى أن «البعض يجعلون من الفصال مجرد هواية تمارس عند الشراء، ويشعرون براحة نفسية كبيرة بعد نجاحهم في تخفيض السعر حتى إذا لم يكن لذلك علاقة بمستواهم المالي». وأفاد المواطن محمد الظاهري بأن كثيراً من التجار والبائعين مقتنعون بأن «مال المواطن سهل ومتاح» فيحاولون استنزافه بكل الطرق.
وتابع «أثبتت التجربة أن كثيراً من التجار يستغلون المواطن ويبيعونه ما يحتاج اليه بأسعار أعلى مما يبيعون به السلع ذاتها لغيره من جنسيات أخرى».
وأضاف أنه يستطيع في بعض المحلات في أبوظبي أن يخفّض السعر لأكثر من 50% أو 60% لكن غيره لا يستطيع ذلك ويستسهل الأمور معتمداً على مصداقية الباعة.
أما عبير عبده كمال، مدرسة (ICDL) فقد حررت محضراً في أحد أقسام الشرطة ضد صاحب شركة لتجارة الشيلة والعبايات في مركز زايد التجاري، بعدما اشترت عباءة بـ 500 درهم، وتبين أن البائع كان قد حدد لها ثمناً أعلى بكثير من ثمنها الحقيقي، لمجرد أنها عربية.
وبدأت الحادثة عندما لاحظت زبونة أخرى تتحدث الأوردية أن البائع يبالغ في السعر. وعندما أخبرته بذلك صراحة، قال لها بالأوردية أيضا إن ثمنها الحقيقي هو 300 درهم، طالباً منها أن تتريث حتى يبيع زبونته العربية التي سماها «الجوي» أي البقرة. ولم يخطر له في بال أن هذه الفتاة كانت تعرف الأوردية بحكم عشرتها الطويلة مع المتحدثين بها من بني جلدته. ففوجئ بثورتها، وحاول الاعتذار لها، لكنها أصرت على مقاضاته.
وقالت إن هذا الموقف أكّد لها أن بعض التجار يستغلون جهل الزبائن وعدم خبرتهم لرفع الأسعار بشكل مبالغ به.
كذلك شهد سوق زايد في أبوظبي منتصف يوليو الماضي مشادة كبيرة بين زبون عربي الجنسية وبائع، بسبب إصرار زبون على الحصول على لعب أطفال من محل تجاري بأقل من 50% من سعرها الذي يريده البائع، مما دعا البائع لسبه وقذفه.
فيما أكّد صاحب شركة الحميدية للتجارة محمد أبو وليد أن أكثر من 90% من الزبائن يفاصلون في أسعار البضائع بمختلف أنواعها حتى البضائع الرخيصة.
وقال إن الشركات تتعرض لخسائر كبيرة نتيجة هذه السلوكيات لكنها مضطرة للتعامل معها، وإقناع الزبون بجودة السلعة وسعرها حتى إن اضطرت إلى تخفيض هامش الربح قليلاً.
دور غائب للبلديات وقال رئيس مجلس إدارة جمعية حماية المستهلك إن الجمعية سبق أن طالبت البلديات المحلية في الإمارات كافة بوضع آلية لضمان عدم تلاعب التجار بأسعار السلع والخدمات، عن طريق فرض حد أقصى للأسعار على التجار. كما طالب وزارة الاقتصاد بالاضطلاع بدورها «باعتبارها الجهة الوحيدة التي تملك قاعدة بيانات تمكنها من معرفة الهامش الربحي لكل سلعة» ورأى أن عليها أن تحدد هامش الربح المناسب لكل سلعة. |