خبراء ومسؤولون يطالبون بـ «هيـئـة للحوكمة»
ظاهرة الفساد غريبة على المجتمع وتحتاج لدراستها ومعرفة أسبابها.
طالب خبراء ومسؤولون في جهات وهيئات اقتصادية بهيئة اتحادية لمكافحة الفساد بحيث تكون «هيئة مستقلة» ذات صلاحيات وسلطات تنفيذية قادرة على محاسبة الجميع بلا استثناء بما في ذلك الجهات الحكومية بحيث لا تضم ممثلين عن الدوائر والجهات الحكومية الحالية لضمان الحيادية وعدم المجاملة، مؤكدين أهمية الإعلان عن قضايا الفساد كخطوة أولى للقضاء على جرائم الفساد التي تعد غريبة على المجتمع، مشيرين إلى أن الوقوف بحزم ضد الفساد أمر ايجابي لتحسين صورة الاستثمار في الدولة وزيادة صدقيتها خصوصاً للشركات الأجنبية.
وقالو إن الإسراع بإعلان اكتشاف حالات الفساد يقي كثيراً من الأضرار التي قد تترتب عن تجاهل الإعلان خصوصاً وأن الدول المتقدمة تجرّم السكوت عن الفساد وتضع أي مسؤول حكومي يخفي معلومات عن فساد أو يتقاعس في إبلاغ السلطات المختصة تحت طائلة القانون، مؤكدين أن أكثر الدول تقدماً هي الأكثر إعلاناً عن حالات الفساد.
وكانت تحركات حكومية ضد تجاوزات موظفين في القطاعين العام والخاص بدأت الأسبوع الماضي، انطلاقا من مبدأ «عدم وجود حصانة لأي مسؤول يحقق مكاسب غير مشتركة.
«الشفافية الاقتصادية»
في البداية أكد المدير العام لتمويل المستهلكين وإدارة الثروات في مجموعة «الإمارات دبي الوطني» جمال بن غليطة أن «الإعلان عن وجود قضايا فساد في أي دولة يعد أمراً ايجابياً ولا يمكن أن يسيء لاقتصاد الدولة أو مناخ الاستثمار فيها».
وقال إن «الولايات المتحدة الأميركية تعد أكثر الدول تقدماً وشفافية من الناحية الاقتصادية وتعلن بصفة مستمرة عن قضايا الفساد، وخلال ال20 عاماً الماضية أعلنت بمعدل سنوي عن قضايا كبيرة لاستغلال النفوذ والفساد المالي والإداري وشدد بن غليطة على ضرورة الاسراع بتشكيل لجنة لدراسة أسباب ظهور عدد من قضايا الفساد أخيراً خصوصاً أن هذه الظاهرة تعد غريبة تماماً على المجتمع الإماراتي في ظل الدخول المرتفعة والعادلة لطبقات المجتمع كافة وتدرس هذه اللجنة الاسباب التي أدت إلى هذه الظاهرة وتضع الحلول لمنع تكرارها مستقبلاً».
وأيد وجود جهة أو هيئة اتحادية تكون مسؤولة عن مكافحة الفساد على غرار الهيئات التي توجد في دول متقدمة عدة وتطبق مفهوم محاسبة المسؤول الذي تتضخم ثروته بشكل غير منطقي وفقاً للمبدأ المعروف «من أين لك هذا».
تجريم السكوت
وتابع أن «الإعلان عن كشف حالات فساد يجب أن يكون بناءً على بيانات ووثائق وحقائق مجردة لعدم تشويه سمعة الأشخاص بمجرد شكوك أو استخدام مثل هذا الأمر للكيد أو الإضرار بأشخاص شرفاء». وطالب الحليان بمنع من يثبت فساده أو اختلاسه على سبيل المثال من شغل أي منصب قيادي مستقبلاً. وأكد «أهمية وجود هذا الجهاز في صورة «هيئة مستقلة» لا تضم ممثلين عن الجهات والهيئات والدوائر الحكومية القائمة لضمان الحيادية وعدم محاباة الدوائر الحكومية التي يوجد ممثل لها في هيئة مكافحة الفساد».
وأشار الحليان إلى أهمية مكافحة الفساد من خلال هيئة مستقلة قادرة على محاسبة الهيئات الحكومية وأن يتم تغيير الهيئات التي يتولى المسؤول مراقبتها بصفة دورية لضمان عدم التواطؤ أو أن يكون الرقيب عرضة للإغواء خصوصاً أن استمرار مدققي الحسابات في مراقبة أداء عدد من الدوائر والشركات لمدد زمنية طويلة أوجد نوعاً من مخالفة القانون وتجاهل القواعد المنظمة لعدد من الأمور مثل المناقصات وغيرها». ضخ الاستثمارات ويرى رئيس مجلس أصحاب العلامات التجارية والمستشار الإقليمي لشؤون الملكية الفكرية لمنطقة الشرق الأوسط في شركة «نستلة الشرق الأوسط» عمر شتيوي أنه على عكس ما يدعي البعض من أن الإعلان عن قضايا فساد يدفع الشركات الأجنبية للهروب أو يسيء لمناخ الاستثمار في الدولة مؤكداً أن الإعلان عن مثل هذه القضايا يشجع الاستثمار ويمنح الثقة للشركات الأجنبية ويجعلها تضخ مزيداً من الاستثمارات في الدولة لتيقّنها من حرص الجهات الرقابية على الشفافية والتصدي للمخالفات بغض النظر عن جنسية مرتكبيها».
وقال إن «مجلس أصحاب العلامات التجارية الذي يضم أكثر من 20 شركة عالمية حالياً يرى أن الكشف عن قضايا الفساد والتصدي للمفسدين يمنح ثقة في التقارير والإجراءات الحكومية فعندما يتم الكشف عن حالات الفساد يكون ذلك رادعاً لمن يفكر في ارتكاب مخالفة وتتأكد المؤسسات من أنه لا توجد شبهات طالما هناك من يعاقب».
مكافحة اتحادية
وأضاف أن «وجود هيئة اتحادية لمكافحة الفساد ضرورة في ظل وجود بعض مجالات الفساد التي لا توجد جهة رقابية متخصصة تتابعها مثل الاختلاسات واستغلال النفوذ والأموال في الشركات بصورة مخالفة للقانون لاسيما وأن التطور الاقتصادي أدى الى استحداث جهات رقابية لبعض الأمور التي لم تكن تخضع في الماضي للرقابة ومنها مكافحة غسيل الأموال والتلاعب في أسواق الأسهم».
ونبه المطوع إلى أن الإعلان عن قضايا الفساد لا يقل أهمية عن وضع القوانين لمكافحة الفساد حيث إن كشف مثل هذه القضايا يؤكد سيادة القانون ويقضي على الفساد من خلال إشعار الجميع بحتمية الالتزام بالقانون وتطبيق مبادئ المنافسة العادلة بعيداً عن الرشاوى والتحايل لما لذلك من عواقب وخيمة».
وأشار إلى أنه «نظراً لخطورة الفساد وأثره السلبي في اقتصاديات الدول خصص «البنك الدولي» إدارة متخصصة لإعداد الأبحاث عن الفساد خصوصاً وأن الواقع الفعلي أثبت أن الاقتصاديات المتميزة والمتقدمة تتمتع بالمنافسة والشفافية وهما عاملان يدفعان نحو التقدم والنمو».
واعتبر العميمي أن «النجاح في مهمة من هذا النوع مرتبط بمدى تعاون الجهات المعنية مع ديوان المحاسبة». أما عضو المجلس الوطني رئيس اللجنة القانونية والتشريعية أحمد الخاطري، فدعا إلى إنشاء أجهزة تنفيذية متخصصة لرصد مظاهر الفساد الإداري والمالي في الدوائر الحكومية المختلفة، وضبط عناصر الفساد وتقديمهم للعدالة، واعتماد الشفافية في العمل الوظيفي الحكومي بوجه عام.
وحذر من أن «هذه الظاهرة تشكل مرضاً متفشياً في كثير من الدول» مشدداً على ضرورة العمل على استئصال هذه الظاهرة من جذورها. ورأى الخاطري أن الفساد يعكس خللاً في النظام الإداري في بعض مؤسساتنا، ويتعارض في الوقت ذاته مع توجهات واستراتيجية الحكومة الاتحادية نحو تطوير العمل الحكومي وتحقيق التنمية المستدامة، محذراً من أن «الجميع سيكونون خاسرين مع الفساد».
ولفت الى أن مكافحة الفساد تقع في صميم عمل المجلس الوطني، بسبب دوره الرقابي على أداء الحكومة وموظفيها، كبارهم أو صغارهم، وتقديم الدعم إلى الحكومة من خلال العمل على كشف عناصر الفساد في الوظيفة الحكومية واستغلال الصلاحيات الممنوحة لبعض المسؤولين والموظفين في مواقعهم المختلفة، مشيراً الى أن المجلس الوطني يدعم التحركات المحلية وتوجهها نحو استئصال جذور الفساد، معرباً عن أمله في أن تتوسع هذه الجهود نحو العمل الاتحادي بحيث تكون هناك أجهزة رقابية واعية تكشف عن رموز الفساد وتقديمهم للعدالة بما يمكن من القضاء على هذه الظاهرة والوصول إلى مجتمع خالٍ من الفساد.
وبدوره، أكد المحامي عبدالحميد الكميتي أنه لا مجال للحديث عن الشفافية ومكافحة الفساد الإداري والمالي في مؤسساتنا العامة، في ظل غياب قوانين مهمة، مثل قانون إقرار الذمة المالية والكسب غير المشروع، فضلاً عن عدم وجود نيابات اتحادية ومحلية للأموال العامة لتكون هيئة رقابية على جميع موظفي الدوائر الحكومية معتبراً أن «الحاجة ملحة في الوقت الراهن لتفعيل هذه الإجراءات في ظل مؤشرات الفساد المرصودة».
وقال الكميتي إنه في ظل تعدد مناصب المسؤولين في الدوائر الحكومية واختلاط مالهم العام والخاص فإنه بات من الأهمية تفعيل مواد الدستور التي تحرم على الوزراء وكبار موظفي الدولة والمسؤولين في الوظائف العامة إقامة أو إدارة مشروعات خاصة، وأعمال تجارية واستثمارية من شأنها أن تتداخل مع عملهم الوظيفي.
وقال رئيس ديوان المحاسبة إن ظاهرة الفساد إحدى الظواهر التي لا يخلو منها أي مجتمع، وهي تمثل تهديداً خطيراً للمجتمعات، ومفسدة لنظم الإدارة العامة، وما يتبع ذلك من عراقيل لخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مضيفاً أن الباحث في مسبباتها وظروف ازدهارها يجد أنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمستوى الثقافي والاقتصادي والاجتماعي والديني للشعوب، يضاف إلى ذلك مستوى اكتمال التشريعات والتنظيمات في بيئة الأعمال العامة منها والخاصة.
شدد رئيس الشؤون الاقتصادية في «مركز دبي المالي العالمي» المدير التنفيذي لمعهد «حوكمة» الدكتور ناصر السعيدي على أهمية الكشف عن قضايا الفساد وإعلانها وتفعيل وتطبيق المحاسبة، مستبعداً أن يمثل إعلان مثل هذه القضايا إساءة لمناخ الاستثمار في الدولة، أو يؤثر سلباً في ثقة المستثمرين فيه. ووصف السعيدي ما أعلن أخيراً في دبي حول ملاحقات قانونية لمتهمين في قضايا فساد بأنه أمر إيجابي يؤكد للمستثمرين حرص الجهات الرقابية على مواجهة الفساد باعتبار أن وجوده يؤثر سلباً في نزاهة العملية الاستثمارية.
وقال إن تطبيق المفاهيم السليمة لحوكمة الشركات هو إحدى الوسائل المهمة داخل الشركات للتأكد من عدم دخول الفساد اليها، لكنها ليست الوسيلة الوحيدة لمكافحة الفساد. وأضاف أن آخر تقويم صدر عن «معهد حوكمة» التابع لمركز دبي المالي العالمي أظهر أن دول مجلس التعاون الخليجي مازال أمامها شوط طويل للوصول بـ«الحوكمة» المطبقة فيها الى مستويات دولية.
وأوضح: «أنه على الرغم من التطور الحادث في التزام الإمارات بالقواعد الدولية للحوكمة إلا أن سلطنة عمان مازالت في مقدمة الدول الخليجية الأكثر التزاماً بتطبيق قواعد الحوكمة وتليها كل من السعودية والإمارات والكويت بمستويات متقاربة». |
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news