دواء يقود سعاد إلى الإدمان منذ 13 عاماً

سعاد خميس: مرضي حجر عثرة أمام مواصلتي الدراسة والعمل.   تصوير: أسامة أبو غانم 

لم تجد المواطنة سعاد خميس (32 عاماً) سبيلاً للتخلص من آلام مرض الأنيميا المنجلية الذي رافقها منذ الصغر، وتجنب التشنجات التي تولده، سوى تعاطي احد أنواع المسكنات، ويدعى «ديستالجسك» بمعدل 10 حبات في اليوم، الأمر الذي سبب إدماناً، كما أنه قد يؤدي إلى الوفاة، حسب مصدر طبي. بدأت سعاد رحلة الإدمان منذ 13 عاماً، بعدما وصف لها طبيب المسكن لتخفيف آلامها.

 

وفي هذا تقول سعاد «وصف لي الطبيب مسكن (ديستالجسك)، لتخفيف آلامي بمعدل ثماني حبات في اليوم، بواقع حبتين كل ست ساعات، وأنا في الـ19 من عمري، حين تفاقمت الآلام التي أعاني منها جراء إصابتي بالأنيميا المنجلية بعد إجرائي عملية للمرارة، لدرجةٍ يصعب علي تحمّلها».

 

وتكمل «على الرغم من أنني لم أستسغ الدواء في بادئ الأمر، وكنت ألقي به في سلة المهملات، لشعوري بالدوخة والرغبة الشديدة في النوم بعد تناوله، إلا أنني سرعان ما اعتادته لدرجة الإدمان». وكانت بريطانيا ودول أوربية  اخرى دعت الى منع استخدام «ديستالجسك» الذي يقود متعاطيه الى الإدمان.

 

 أسباب  
تعددت الأسباب التي اوقعت سعاد في الإدمان، منها آلام الأنيميا المنجلية التي غالباً ما تتطلب النوم في المستشفى لفترات طويلة، فضلاً عن التشنجات التي ترافقها، وتشكل لها هاجساً دائماً «اذ أشعر بالخوف من إصابتي بنوباتها بين الفينة والأخرى، من دون أن أجد من يسعفني، لاسيما أنني لا أحظى بالرعاية الكافية، فضلاً عن إصابتي بالتهاب العظام وهشاشتها»، موضحة انها أكبر أخوتها الثمانية (ثلاث بنات وخمسة أولاد)، وما زاد الأمر سوءاً وفاة والدها الذي «كنت أشعر بحنانه واهتمامه الدائم بي». 

 

البحث عن الدواء
تضيف سعاد انها بدأت تعتمد على نفسها في تدبير أمورها والاعتناء بصحتها «الأمر الذي يفوق قدرتي على التحمّل، فأنا مريضة، وبحاجة لمن يعينني ويوليني الاهتمام». وتعلّق «والدتي تقر بتقصيرها تجاهي، وتتصل بي للاطمئنان عليّ بين فترة وأخرى. وأعلم أن والدتي تحبني وتخاف علي». ولم تكن تعلم سعاد أنها ستواجه أموراً في غاية الصعوبة، حين أوقف الأطباء المشرفون على علاجها الدواء عنها، وتبديله بمسكّنٍ آخر، بعدما أدركوا أنها اعتادت تناوله إلى درجة الإدمان.

 

وعلى الرغم من نصحهم لها باستخدام البديل إلا أنها أبت استخدامه، موضحة «لا أشعر بتأثيره في تسكين وتخفيف الآلام التي أعاني منها». بعد ذلك، بدأت سعاد التي كانت تقيم في مدينة العين تبحث عن عيادات تستطيع أن تحصل من خلالها على المسكن «ديستالجسك» الذي قادها الى الإدمان، في محاولات مضنية، تنجح في بعضها، وتبوء في الأخرى بالفشل.

 

وعن طريق المصادفة اكتشفت إمكانية حصولها عليه من بعض العيادات الحكومية في دبي، «حين قصدت قسم الطوارئ في أحد المستشفيات، وصف لي طبيب المسكّن الذي بتّ لا أستطيع الاستغناء عنه». وحينها قررت الانتقال للعيش في دبي، في محاولة للتخفيف من التكاليف التي ترتبت عليها جراء الانتقال من العين إلى دبي للحصول على الدواء «والتي لا أستطيع توفير هذه التكاليف في بعض الأحيان»، مؤكدة «لكن في كلتا الحالتين سواء بقيت في مدينتي العين أو انتقلت إلى دبي، سأتحمّل مسؤولية الاعتناء بصحتي وحدي».

 

وتكمل «ساعدتني على اتخاذ قرار الانتقال الى دبي سيدة مطلقة تعيش مع طفليها، وتقوم بتعليم القرآن الكريم للأطفال في المساجد، وتعاني بعض المشكلات الأسرية، عرضت عليّ العيش معها»، لتصبحان مع مرور الوقت صديقتين تتشاطران الآلام والأحزان معاً. وتضيف «اتفقنا على دفع إيجار الغرفة التي نسكن فيها بالتساوي، حتى لا أشعر بأنني أشكل عبئاً ثقيلاً على أحد».

 

حجر عثرة 
عن مصادر دخلها، تقول سعاد «لقد شكل مرضي حجر عثرة امام مواصلتي الدراسة، وكذلك العمل، وقد تفهمت وزارة الشؤون الاجتماعية طبيعة وضعي الصحي، وصرفت راتباً شهرياً لي ابتداء من 1000 درهم، أخذت في الزيادة مع مرور السنوات لتصل إلى 4400 درهم، أصرف غالبيتها على علاجي الذي يتطلب المراجعة المستمرة». 

 

ومازالت سعاد تتنقل بين العيادات بوسائل المواصلات العامة، في محاولةٍ للحصول على الدواء،  «استخدم الطرق المشروعة وغير المشروعة، بتجاوز اللوائح والقوانين، لأستطيع الحصول على الدواء الذي اعتبره مسكّني الوحيد»، مستدركة «أؤمن بأنني بأفعالي هذه أتعدى على القوانين التي سنّت لحمايتي وحماية غيري، وأضرّ بصحتي، إلا أن شدة آلامي تتغلب علي في كثير من الأحيان.

 

 لكنني أعمل جاهدةً للتقليل من كمية الدواء، وأتمنى أن يمدّ لي أهل الاختصاص يدّ العون لمساعدتي على العلاج من الإدمان الذي لا أستطيع التوقف عنه وحدي، لأستطيع بعدها ترتيب نمط حياتي». وتؤكد «أتمنى أن أكون مثل نظيراتي من الفتيات، أتعلم، وأعمل، وأمارس ما يحلو لي من نشاطات وهوايات، لاسيما القراءة التي أعشقها، إلا أن وضعي الصحي يحول دون ذلك كله».

 

آثار جانبية
تقول نائب مدير مركز البدع الصحي اختصاصية طب الأسرة، الدكتورة مها حسن، التي أشرفت على حالة المريضة سعاد «يعد دواء ديستالجسك (كوبروكسامول)، من الأدوية المخففة للآلام المتراوحة بين الخفيفة والمتوسطة، ولكن الإفراط في استخدامه يؤدي إلى الإدمان. وهذا ما حدث مع المريضة سعاد». وتؤكد «لا تتوافر أبحاث تثبت فعالية هذا الدواء في علاج الآلام بشكل يفوق غيره من مسكنات الألم، وزيادة الجرعة في استخدامه بمعدل حبتين كما تفعل المريضة قد تؤدي إلى الوفاة، ولهذا دعت بعض الدول، ومنها بريطانيا، إلى منع استخدامه.

 

كما أنه قد يترك أضراراً جانبية عدة ومنها الدوخة والغثيان والقيء والإمساك والصداع والطفح الجلدي والهلوسة واختلال أنزيمات الكبد». وعن طريقة علاج إدمان دواء، تقول الدكتورة مها «يخضع مدمن (الديستالجسك) للعلاج تحت إشراف طبيب مختص، بصورة تدريجية، وتتفاوت مدة العلاج التي قد تستمر شهوراً، حسب تعاون المريض والدعم الذي يحظى به من أفراد أسرته».

 

وتضيف «لابد من تكاتف مختصين من مختلف المجالات الاجتماعية والنفسية والطبية لعلاج حالة سعاد، وتحسين المستوى المعيشي الذي سيسهم بشكل فعّال في تكيّفها مع المرض، وتقليلها من استخدام المسكنات، فالمصابون بالأنيميا المنجلية، كحالها، يجب أن يتجنبوا الالتهابات والجفاف، وهي تعتمد بشكل أساس في تنقلاتها على استخدام المواصلات العامة، ما يجعلها عرضة لحرارة الشمس بشكل مستمر، وبالتالي؛ فقدان الجسم للسوائل التي يحتاج إليها، ما يجعلها عرضة لنوبات تكسّر الدم الحادة». وتكمل «تظهر سوء حالتها النفسية جلياً في إهمال تغذيتها، وتعريض جسمها للإرهاق المستمر».

 

مرض وراثي
 تقول نائب مدير مركز البدع الصحي «تعد الأنيميا المنجلية من الأمراض الوراثية، التي تنتقل عن طريق الوالدين في حال إصابتهما وحملهما لجين الأنيميا المنجلية». وفي حالة سعاد لم يكن والداها مصابين بالأنيميا المنجلية، فقد كانا حاملين لجين المرض، الأمر الذي نجم عنه إصابتها بالمرض، الذي ينتشر بين أهلها وأقاربها، بين حاملين ومصابين.

 

وتكمل «تعد الأنيميا المنجلية أحد أنواع فقر الدم الوراثية التي تتميز باتخاذ كريات الدم الحمراء الشكل المنجلي أو الهلالي، وهي تعد من أشهر أنواع أمراض الدم الانحـلالية التي تنتشر في دول إفريقية وآسيوية عـدة». وتضيف «تكمن مشكلة المرض في إنتاج نخاع العظم لكريات دم حمراء غير طبيعية، وهي المسؤولة عن نقل الغذاء والأوكسجين إلى مختلف أجزاء الجسم، نتيجة لخلل في تكوين الهيموغلوبين، وتأخذ الخلايا غير الطبيعية شكل المنجل، وتكون قابلة للتكسّر والتحلل بعد فتره قصيرة من إنتاجها، وقد تعوق مرور الدم خلال الشعيرات الدموية بسبب صلابتها ولزوجتها، فتتسبب بسدّ ألاعروق الدم، ما يولد آلاماً مبرحة في مختلف أجزاء الجسم، لاسيما عظام الأطراف والظهر، وقدألا تسد أي عرق من العروق الدموية في الرئتين أو في البطن أو حتى فيألا المخ، و قد تسبب كذلك مضاعفات خطرة».

 

وتوضح الدكتورة مها أن «حامل المرض لا تظهر عليه أعراض معينة سوى نقص في كمية الدم فقط، أما المصاب فتظهر عليه بعد سنتين أعراض تختلف حسب عمره وصحته العامة، ومنها فقر الدم، وشحوب واصفرار البشرة والشفتين، وفقدان الشهية، وتضخم الكبد والطحال نتيجة عجز نخاع العظام عن إنتاج كريات الدم الحمراء، فتقوم تلك الأعضاء بإنتاج كريات دم بديلة، والتأخر في النمو، والخمول والشعور بالتعب والإرهاق لأقل جهد، وتغيّرات في شكل عظام الجسم، ومنها الجمجمة، وزيادة الالتهابات بشكل عام، وصداع مفاجئ شديد، أو تغيّر في مستوى الانتباه، وآلام مفاجئة شديدة في الجهاز التناسلي الذكري، وإسهال أو قيء، وضعف مفاجئ في الأطراف، وزغللة في العينين، أو ضعف مفاجئ في النظر».

 

وتوضح اختصاصية طب الأسرة أن مضاعفات الأنيميا المنجلية «تتفاوت حسب عُمر المصاب وصحته العامة، وقدرته على مقاومة المرض، ومن المضاعفات التي تنتج عنه لدى مختلف الأعمار نوبات الألم المتكررة، وتقرّح في الساقين يصعب شفاؤه، وحصوات في المرارة، والانتصاب المؤلم عند الذكور، والمعاناة النفسية بسبب الآلام المتكرر 


محاولات العلاج


مها حسن: الإفراط في تعاطي «ديستالجسك» قد يؤدي إلى الوفاة.
 

 تقول نائب مدير مركز البدع الصحي اختصاصية طب الأسرة، الدكتورة مها حسن، عن طريقة علاج الأنيميا المنجلية «لا يمكن الشفاء نهائياً من المرض في الوقت الحاضر، اذ يعتمد علاجه بصورة أساسية على تجنب الحالات المؤدية إلى نوبات التكسّر الحاد، ومنها الالتهابات والجفاف، بالإضافة إلى علاج الأعراض عند حدوثها بالمحاليل المعوّضة للسوائل، والمضادات الحيوية في حالات الالتهابات ومسكنات الآلام التي قد تصل إلى حد استخدام (المورفين) لتسكين حالات الألم الحاد». وتضيف «تسهم عملية استبدال نخاع العظام في علاج الأنيميا المنجلية، إلا أنها تعد باهظة التكاليف، ويصعب في الأغلب إيجاد متبرع مناسب للمريض».
تويتر