المنتديات الأدبية الإلكترونية في قفص الاتهام
الإقبال على المنتديات الأدبية يكون في أحيان كثيرة لمصلحة أصحابها. تصوير: تشاندرا بالان ــ أرشيفية
انقسمت آراء شعراء ومثقفين حول المنتديات الأدبية والشعرية على شبكة الإنترنت، فبينما اعتبرها بعضهم وسيلة مهمة لنشر الأدب والثقافة والشعر، وتعريف الجمهور بأسماء ومواهب جديدة، اتهمها آخرون بالخضوع للشللية والقبلية، وافتقاد المنهجية والموضوعية في ما تقدمه من آراء نقدية للأعمال التي تحتويها.
من ناحية اخرى، ذهبت غالبية الآراء إلى انحسار مساحة الحرية التي تتمتع بها هذه المنتديات، إلا انها استطاعت في السنوات الأخيرة أن تفرض نفسها على الساحة الثقافية، بل إنها تشكل ساحة افتراضية تجمع مئات من الكتاب والشعراء والقراء، وتتجاوز حدود المكان، والساحات الثقافية الضيقة.
القبلية وخيانة الكلمة اعتبرت الشاعرة والإعلامية شيخة الجابري المنتديات الأدبية بمثابة بوابة جديدة على المستوى الفردي تفتح أمام الكاتب ليصبح أكثر انتشارا وأسرع حضورا على الساحة، فالشبكة العنكبوتية تجعل الكاتب حاضرا طوال الوقت على الساحة، على عكس الصحيفة التي ينتهي عمرها سريعا بمجرد قراءتها، بينما يعتبر الكتاب داعما لوجود صاحبه وأطول بقاء من الانترنت، مشيرة إلى أن المواقع الأدبية الإلكترونية تمنح الكاتب فرصة التعرف إلى الصوت الآخر ومعرفة الردود المختلفة على إنتاجه الأدبي، على الرغم من ان غالبية هذه الآراء غير نقدية، كما يتمكن من الاطلاع على تجارب الآخرين وكل ما يدور حوله بضغطة زر.
وترى الجابري أن المنتديات الأدبية تخدم الكاتب صاحب الموهبة، كما تخدم في الوقت نفسه أصحاب هذه المنتديات الذين يحرصون على اجتذاب اكبر عدد ممكن من الأسماء المشهورة، وهو ما يجذب بالتالي عددا كبيرا من الزوار لمنتداه وأيضا من الإعلانات، وفي بعض الأحيان يمكن ان تسهم بعض المنتديات في خدمة بلد والتعبير عنه اذا استطاعت إثبات وجودها وحضورها. وعن مدى سيطرة الشللية والقبلية على المنتديات الأدبية تقول: «الشللية موجودة في كل حال، فهي لا تقتصر على الثقافة والأدب فقط، بل توجد في مختلف مجالات المجتمع فهي منتج عربي، بالإضافة إلى القبلية التي تمثل خطورة كبيرة، وهي تتواجد بشكل اكبر لدى الشعراء الشعبيين، وهي تعد مشكلة في الشخص نفسه الذي يحصر نفسه في نطاق ضيق، أما عندما يكون الشاعر مؤمناً بالقومية وليس حكراً على قبيلته مما يمنحه أفقاً أكثر اتساعا في الكتابة ويتيح له المزيد من الحرية، كما إنني اعتبر تسخير الكاتب أو الشاعر كلمته لخدمة قبيلة أو سلوك ما خيانة للكلمة».
وتشير الجابري إلى ان مساحة الحرية في المنتديات الأدبية بدأت تضيق، وأصبحنا نسمع عن منتديات ومدونات يتم إغلاقها واعتقال أصحابها. موضحة ان معنى الحرية ومفهوم الكاتب عنها هو الذي يحدد مساحة حركته، موضحة: «الإساءة للوطن والتجاوز في الكتابة عنه لا يعد حرية، مهما كانت درجة السخط التي وصلت إليها داخل هذا الوطن، فالأخطاء التي تسبب هذا السخط هي أخطاء فردية، والأولى بنا ان نحب أوطاننا حتى تحبنا». لافتة إلى ان الحرية الحقيقية هي ان يقول الكاتب ما لديه من دون أن يثير الأطراف الأخرى، وأن يعبر عن الكثير في ما بين السطور، فالصوت العالي لا يأتي بنتيجة إطلاقاً.
مجاملات ومصالح ويرى الشاعر الشعبي عيضة بن مسعود المنهالي أن نحو 90% من المنتديات الأدبية، خصوصاً التي تختص بالشعر الشعبي تخدم أصحابها، وتهدف لتحقيق مصالح شخصية لهم مثل كسب مادي من خلال الإعلانات إلى جانب اجتذاب الزوار وتحقيق الشهرة، بينما لا تزيد نسبة المنتديات التي تهتم بالشعر على 10%، موضحاً ان القبلية مفروضة على منتديات الشعر الشعبي بحكم البيئة، فهي شر لابد منه، لكنها تصبح اقل حدة اذا كانت هناك إدارة جيدة للمنتدى.
ويوضح المنهالي أن غالبية المنتديات تعاني من المجاملات والشللية وتخريب الذوق والذائقة الشعرية، فبمجرد أن يكتب شخص بيتا او بيتين، يُطلق عليه شاعر ويتهافت عليه زوار المنتدى للتهنئة والثناء على ما كتب، على الرغم من انه يخلو من مقومات القصيدة في كثير من الأحيان، ولذا أصبحت هذه المجاملات سلاحاً قاتلاً للذائقة السليمة في منتديات الشعر الشعبي بشكل خاص، على عكس المنتديات التي تهتم بالشعر الفصيح، والتي تتسم في غالبيتها باحترام الذائقة وعدم التهافت على الثناء والمجاملات، وهذا الفرق يعود إلى ان القاعدة الجماهيرية للشعر الشعبي أقل ثقافة منها في الشعر الفصيح، باعتباره شعر بادية ولا تحكمه قوانين لغوية أو نحوية، ولا يحتاج الشاعر الذي يكتبه إلى دراسة، بعكس الشعر الفصيح الذي يحتاج شاعره للإلمام على الأقل بقواعد اللغة العربية، وبالتالي يمتلك قدرا معقولا من الثقافة، وهو ما ينعكس على منتديات الشعر الفصيح وما يرد فيها من ردود عقلانية، كما تمتلك هذه المنتديات امرا هاما تفتقده منتديات الشعر الشعبي وهو ثقافة النقد وتقبل الرأي الآخر، هذه الثقافة التي تكاد تكون مفتقدة في منتديات الشعر الشعبي سواء من حيث مدى حيادية النقد الموجة للقصيدة او درجة تقبل الشاعر للنقد.
كذلك يفرق المنهالي بين سقف الحريات في منتديات الشعر الشعبي ومثيلاتها التي تختص بالشعر الفصيح، فيرى أن سقف الحريات في الأولى اقل وهو ما يتفق مع طبيعة الشعر الشعبي المحصور ببيئة محددة، معتبرا ذلك امرا جيدا ويحافظ على الاحترام والتقدير للدين والقيم الأخلاقية السائدة في المجتمع، بينما يرتفع سقف الحريات في منتديات الشعر الفصيح بحكم تعدد ثقافات الشعراء المشاركين فيها، وانفتاح الكثيرين منهم على كتابات الشعراء والكتاب من مجتمعات وثقافات أخرى مختلفة والكتابات الغربية.
حرية ملغومة لا يذهب المحرر في أكاديمية الشعر في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث أحمد السعدي بعيدا عن هذه الآراء، حيث يعتبر غالبية المواقع الثقافية والمنتديات الأدبية شخصية، حتى أصبح وكأن لكل عائلة او شلة موقعاً، وهي مواقع موجهة بسياسة شبه قبلية، ما يؤثر في المادة الشعرية، بينما تقابل المواقع الجريئة بالرفض من المؤسسات والجهات والتجمعات الثقافية. ويرى السعدي أنه على الرغم من وجود بعض المنتديات المهمة، فأن الصدقية في غالبية المنتديات الأدبية لا تزيد على 50%، خصوصاً مع استخدام عدد كبير من مرتاديها والمشاركين فيها لأسماء وهمية حتى انه يصعب معرفة إذا كان صاحبها ذكرا أم أنثى، ولكن بشكل عام يجب على الشاعر أو القارئ ألا يثق بأي معلومة إلا بعد التأكد منها من خلال مصادر موثوق بها، لافتا إلى انه يظل للمنتديات الأدبية جانب إيجابي يتمثل في منح فرصة للتعبير الحر أمام الشعراء، وإثارة حركة في الساحة الأدبية، ولكنها حرية ملغومة ولا يمكن الثقة بها، فالحرية لا تعني الاختفاء خلف شاشة الكمبيوتر، ولكن ان نتعامل بصدق مع الحياة من دون ان نشوه أنفسنا أو الآخرين.
أقلام شتى وتقول الشاعرة هنادي المنصوري «بنت السيف» مسؤولة ملف الشاعرات بجريدة «هماليل» الثقافية: «المنتديات الشعرية الالكترونية تجمع أقلاماً شتى من شعراء الوطن العربي وكثيراً من محبي ومتذوقي الشعر في الوقت نفسه، وكثير من المنتديات تضع قسماً خاصاً للشعر من دون إشراف من له الخبرة في هذا الجانب، ما يجعل مرور المختصين عليها في حالة من الاستياء والعزوف عن متابعتها، بينما قد لا يتأثر غيرهم بتلك الفوضى الرقابية، وقد يشكل تجمع أقلام شتى مختلفة المستوى في مثل هذه المنتديات إلى اتفاق أو اختلاف في الرأي، ما يجعلها بعيدة عن المستوى المرغوب فيه للشعراء والمهتمين وذوي الاختصاص، ولكن ليست كل المنتديات الشعرية غير منظمة، فكثير منها نجدها ناجحة ونجد مسؤوليها دقيقين في انتقائهم للمشرفين على أقسامها، بحيث لا يُسلَّم أي قسم إلا إلى عضو مختص في موضوعه، فيرتقي مستوى المنتدى وينجح وينجذب إليه الجادون وجمهور الشعراء والمختصون به، فممكن جداً أن تخدم كثير من المواقع الشعرية الالكترونية أهدافا جميلة للشعر، وعلى النقيض الآخر قد تشوهه مواقع أخرى مابين سرقة حقوق نشر وتسيب، ولا أعتقد أن هنالك شللية في المواقع الشعرية الناجحة، لأنها تفسح مساحات خضراء رحبة لكل كلمة جميلة في قالبها الأدبي الصحيح.وتضيف: «أعتقد أن إفساح المجال للمبدعين من أساسيات نجاح أي موقع شعري كان، فكيف لو كان الإبداع لاسمٍ معروف لابد من احترامه ونشر مادته لينهل منها المبتدئون والهاوون، ولا أجد في النشر لتلك الأسماء المعروفة التي خدمت الساحة حرجا أو معنى لشللية ما، فكل قلم ناجح مصيره أن يصبح معروفاً». |
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news