كاتب سوداني لا يعرف سبب منع روايته

 

استطاع الروائي السوداني، خالد عويس ان يحشر السودان كله في روايته «وطن خلف القضبان»، فقد لامس فيها كل القضايا والمشكلات، وصرخ بصوت مبحوح وخافت، على الرغم من البرد في ارض تبدأ الشمس منها النشاط والحيوية المفرطة.

 

ومن خلال لوحة تشكيلية مليئة بالخطوط والالوان ونقاط التحول يجسد عويس عمله الروائي مستندا الى اوجاع الناس، وآلام المثقفين، وسوط الجلاد بكل تجلياته، وحضور علماء الدين، والعسكر، والسياسة، الأمر الذي كانت نتيجته الطبيعية منع تداول الرواية في السودان، فالخطاب الذي اعتمده الكاتب في عمله كان يلامس قضايا الحريات بسقف عال وجريء.

الرواية الصادرة عن «دار الساقي» عام 2000 شكلت «المونولوجات» التي ضمتها شهادات تتناول صوت كل سوداني بلا أي تفرقة  او تمييز، وحافظت في بوحها على نسيج المجتمع بالكامل، واعطت صورة لواقع تراجع المجتمع والدولة ومكانتها، وانحسار الدور الداخلي لصالح ثالوث «علماء الدين، والسياسة، والعسكر».

 

ويرسم خالد عويس لوحته نصاً يحكي قصة شعب هُجر وتُرك وهُمش وبات لقمة سائغة لن تهضم في نهاية الامر، «هل تدرك ان المصباح لا ينير؟ احمل مصباحاً كيلا يصطدم بك الآخرون او تعثر قدماك في قبر كروان. باعوا مخالب النسور وريش النورس لمستثمر اجنبي. خرجت حيوانات حديقة الحيوانات في مظاهرة صامتة ولم تعد حتى الان»!، هذا المقطع من صفحة 32، قد يعبر بكثافة عن المشهد وصعوبته.

 

وفي رد عويس حول قضية منع «وطن خلف القضبان»، قال: «دار الساقي» هي التي تتولى النشر والتوزيع، ومسؤولو الدار هم الذين أخبروني بمنعها في السودان، من دون ابداء أيّ أسباب، مشيراً إلى أن هذا هو الأمر الدارج منذ ما يقارب العشرين سنة. فالمنع طال روايات كثيرة، ويكفي أن «موسم الهجرة إلى الشمال» للطيب صالح كانت تدرّس في بعض الجامعات وتمّ منعها، الأمر ذاته جرى مع روايات أخرى ودواوين شعر وحتى أغنيات، فالمناخ العام ضد الابداع وضد حرية التعبير»، حسب وصفه.

 

وحول ما وصفته الرواية عن الوضع في السودان، وهل هو سيئ الى هذا الحد، يقول عويس «في تقديري هناك تحولات عميقة يمرّ بها المجتمع السوداني، وهناك علاقات مختلة قائمة بين السلطات الأربع والمجتمع. وهناك تحولات أخرى باتجاه العنف والإعلاء من شأن النزعات التي تزيد من التوترات الاجتماعية والمناطقية. ولسنوات ظلّ الواقع أسوأ بكثير مما عرضت له الرواية»، والآن هناك بعض التحسن نتيجة ما وصفه عويس  ببعض «التغييرات السياسية، خصوصاً اتفاق السلام في الجنوب، لكن المشكلة تظل قائمة بسبب (الذهنية) التي تستبطن نزعة توليتارية لا تؤمن بالتعدد ولا تؤمن بالرأي الآخر».

 

ويرى كاتب «وطن خلف القضبان» أن التغيير يحتاج إلى وقت طويل  «فالسودان بحاجة إلى نخب جديدة تؤسس لواقع جديد قائم على تعددية حقيقية، واعتراف شفاف يسنده الدستور والقوانين بحقوق الإنسان وبرفع التهميش الديني والثقافي والاقتصادي والسياسي عن فئات كثيرة في المجتمع».

 

الرواية التي جاءت تناهض فكرة التهميش اعتمد فيها الكاتب على اللوحة التشكيلية لتكون قماشة العمل، ويستطيع من خلالها ان يرسم نصاً روائياً مشهدياً، ويقول في هذا الصدد «أظن ذلك.وهي على كل حال فكرة جديدة، على الأقل في الأدب السوداني، وربما في المنطقة، أن يتم اعتماد اللوحة كمرآة صادقة للحالة السيكولوجية والمناخات المختلفة التي تمر بها (فنانة) في مجتمع يمارس بحقها قمعا وإقصاء مستمرين».

 

ولم تستثن الرواية كل الذين تعرضوا للظلم والقهر، كما يقول كاتبها، ففي احد المقاطع «هل تحبني؟ بأية لغة؟ لغة العاهرات اللائي استولين على المدينة ام لغة المذياع الطاهر، اتعشق عاهرة؟». ويقول عن القهر والظلم «في رأيي لا استثناء، فالظالم نفسه هو نتاج ظلم وقهر اجتماعيين. والعلاقات كلها مشوّهة، فالقمع لا يقوم على الديني والسياسي فحسب، بل يتعداه، وربما بشكل أعمق، إلى الاجتماعي والمجتمعي. يعني هناك ما يمكن وصفه بـ(سيكولوجية الإنسان المقهور)، لذا فالسجان ذاته مقهور، والسجين مقهور، باختلاف المستويات».

 

 

تويتر