ديكتاتوريات ضد التاريخ

فوكوياما:الديكتاتوريات القديمة كانت تملك أيديولوجيات قوية  أرشيفية

 

يحق لنا ونحن نتابع تفاصيل النزاع الأخير بين روسيا وجورجيا إقليمياً ودولياً التساؤل عما إذا كان العالم يدخل حالياً عصر الحكم  الفردي المطلق «الأوتوقراطي»، لكن في الوقت نفسه من الخطأ الاعتقاد بأن المستقبل هو لصالح رجل روسيا القوي فلاديمير بوتين، ومن هم على شاكلته من القادة والحكام المستبدين.

 

وقد أبديت شخصياً اهتماماً بتبيّن ملامح اللحظة الحالية على الصعيد العالمي لأنني كتبت مقالا عام 1989 بعنوان «نهاية التاريخ» قلت فيه إن الأفكار والقيم الليبرالية هي التي انتصرت في نهاية الحرب الباردة، لكن حاليا يتضح أن سيطرة الولايات المتحدة على النظام الدولي ليست مطلقة وتشهد انزلاقات، فالصين وروسيا تقدمان نفسيهما للعالم كنموذجين يعرضان توليفة ثنائية من السلطوية «الحكم القائم على قوة السلطة»، والمعاصرة والتحديث في تحد حقيقي للديمقراطية والليبرالية،  ولهما مقلدون كثر في العالم على ما يبدو.

 

وعلى الرغم من استقالة الرئيس الباكستاني الجنرال برويز مشرف الأسبوع الماضي بعد تحالف وثيق مع الولايات المتحدة، إلا أن حكم باكستان ظل يمضي بشكل ديكتاتوري منذ عام 1999، وفي زيمبابوي مازال روبرت موغابي يرفض التنحي عن الحكم لفتح الطريق أمام غيره على الرغم من خسارته في الانتخابات.

 

 وقد  رأى كتاب عديدون أننا نشهد الآن عودة الحرب الباردة  وعودة للتاريخ - الى القرن الـ19 على الأقل، حيث صراعات القوى الكبرى. ويمكن القول: بالتأكيد إننا نتحرك نحو ما وصفه فريد زكريا في مجلة نيوزويك بأنه «عالم ما بعد أميركا»، وعلى الرغم من أن الحكام الطغاة والقادة المستبدين يمكنهم الالقاء بثقلهم في مناطق كثيرة، إلا أنه ليس هناك وجود  حقيقي لمنافسين حقيقيين للديمقراطية والرأسمالية.

 

وحتى يمكننا فهم ما يجري أمامنا في هذا العالم لابد لنا من التمييز بين نماذج وأنماط من أنظمة الحكم الأتوقراطية، فهناك انظمة تقوم على مفهوم القوة المطلقة  والحزم للنظام بكل مؤسساته وتفاصيله، وهناك انظمة تقوم على وجود رئيس او حاكم قوي على رأس حكومة ضعيفة وفاسدة،  فقد حكم الجنرال مشرف باكستان قرابة عقد بسبب مساندة الجيش، بينما يتمسك موغابي بكرسي الرئاسة في بلد  يعاني اقتصاده من مشكلات خطيرة تجعله يترنح على حافة الانهيار.

 

 وإذا كان الاتحاد السوفييتي السابق وألمانيا النازية والصين بقيادة ماوتسي تونغ كانت تتملك قوى حقيقية على مستوى الأفكار والايديولوجيا، وتمثل خطورة لما لقيته من صدى وقبول عالمي، إلا أن الأنظمة الاتوقراطية الحديثة ضعيفة في مواجهة القيم الديمقراطية والليبرالية.

 وحتى الرئيس الصيني هو جنتاو وجد أنه لابد له من الحديث عن الديمقراطية في افتتاح دورة الألعاب الاولمبية في بكين، كما لا يغيب عن بال أحد أن الجنرال مشرف نفسه اختار الاستقالة والتنحي لتجنب خطر المساءلة والمحاسبة.

 

ويمكن القول إن الراديكالية الأصولية الإسلامية تمثل التحدي الوحيد أمام  الليبرالية. لكن في نهاية الأمر فإنّا نحتاج الى إطار فكري لفهم الدول غير الديمقراطية في العالم، وتصرفاتها إذا ما أردنا تفادي البقاء أسرى للماضي ويجب ألا نخشى قوة أفكارنا حتى في «عالم ما بعد أميركا».

 * فرانسييس فوكوياما

* مفكر أميركي معروف بأطروحته  «نهاية التاريخ» 
تويتر