في الوقت الذي تعاني فيه دول الجنوب من شح الغذاء ونقص المياه فإنه يتم هدر نحو 30% من الغذاء في أميركا أو ما قيمته 48 مليار دولار كل عام، وهي حالة تتضاد مع تزايد الطلب العالمي على الغذاء، وذلك في سياق المحافظة على الأسعار كي لا يزداد المعروض ويقل الطلب. تصر دول عدة على استمرار مسلسل الجوع في دول العالم الفقيرة، وعلى الرغم من ازدياد الأصوات المطالبة بتوفير الغذاء وإيقاف هذا الهدر، إلا أن لا أذن تُصغي ولا قلب يعي.
تشير تقارير منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «الفاو» إلى أن عدداً ليس بالقليل من دول أوروبا تنتهج نهجاً مفرطاً في هدر الغذاء، فكثير من الأسر تتخلص من الغذاء وهو في حالة عدم الاستخدام، حيث وصلت نسبة الهدر في بريطانيا إلى أكثر من 30% وفي السويد إلى نحو 25% من الغذاء الذي تم شراؤه وجلبه إلى المنزل. وفي منطقتنا العربية ليست هناك دراسات إحصائية للقضايا الاستهلاكية حتى تقيس نسبة الهدر في مجتمعاتنا، ولكن ليس من المستبعد أننا نشكو من ذات الأزمة، فالكثير من الغذاء المبتاع يكون مصيره حاويات النفايات جراء ثقافة استهلاكية غير واعية وأسلوب حياة يفتقر إلى العقلانية التي تستدعي حتمية إعادة النظر في ثقافتنا المرتبطة بالهدر إلى حد خطير، فهناك هدر غذائي، وهدر في استهلاك الطاقة، وهدر في استهلاك المياه، وعلى الرغم من الارتفاع المتنامي في كلفة الغذاء وتسعيرة الطاقة فإن الهدر مازال مستمراً. القضية هنا ذات أبعاد عدة، فهي أخلاقية بالدرجة الأولى لأنها تعكس سلوك الفرد واحترامه لنفسه ولمجتمعه، كما تسلّط الضوء على وجود موارد شحيحة يجب أن نحافظ عليها من النضوب أو الاستنزاف، وهي كذلك قضية بيئية تعنى بالمحافظة على بيئة الأرض وعدم إرهاق كوكبنا بمزيد من النفايات، علاوةً على أنها مسألة دينية تنبع من عقد أصيل لدور الإنسان على الأرض ورسالته في إعمارها على النحو الذي ينبغي أن يكون دون ظلم للعباد أو الطبيعة ومواردها.
الحل هنا يكمن في سلوك مجتمعي وثقافة تتبناها المجتمعات وتتناقلها الأجيال، بحيث لا ننزلق جميعاً إلى استهلاك مفرط وهدر غير مبرر سيؤدي بنا، بالضرورة، إلى مهالك نحن في غنى عنها.
hkshaer@dm.gov.ae
|