خاصرة المقدَّس

خليل قنديل

 

منذ أن أغلق «فوكوياما» بوابة العضوية في دخول التاريخ وكتابته في كراسته «نهاية التاريخ». ومنذ أن باض «هنتيجتون» بيضته الفكرية الخاصة بـ«صراع الحضارات» التي جاءت تمهيداً حقيقياً لبداية قرن وبداية ألفية ثالثة، تُعاني من الفراغ العدائي العالمي التي عانت منها قوى التسلّح العالمية، بعد سقوط العالم أجمع في فخ القطب الواحد والمرجعية التربوية الواحدة، مقترحاً على أجندة التسلح «الإسلام» كعدو يستحق أن يمتلك صفة العدو الحضاري الوحيد لمجمل الحضارات الأرضية.
 
ومنذ أن جاءت حادثة تقويض البرجين في نيويورك كحالة قطاف أولى لمجمل هذه الطروحات. بدا الإسلام العريق بإحداثياته الحضارية وكأنه في حالة دفاع عن النفس أمام كل التفريخات التي أحدثها مصطلح الإرهاب وتداعياته وتشكيلاته الغامضة.
 
وصارت فكرة التحرش بالمقدس الإسلامي والإساءة إليه، فكرة يسعى الى تحقيقها العديد من الجهات الدولية بغض النظر عن المسمى الحضاري والمديني الذي تنضوي تحت لوائه. ولم يكن العالم الإسلامي يعي أن الخرق الأول للمقدس الإسلامي على مستوى العالم كان للكاتب الهندي سلمان رشدي في كتابه ذائع الصيت «آيات شيطانية»، أو بأطروحات الكاتبة البنغالية التي لم يعد يسمع بها العالم «تسليمة نسرين»، مثلما لم يعي العالم الإسلامي حين أهدر دم الكاتب رشدي ووضع مكافأة قيمتها مليون دولار أو أكثر لمن يقوم بقتله، أنه دلّ العالم الغربي على الخاصرة الموجعة للإسلام. وهي خاصرة المقدّس الإسلامي.

 

وقد كان من الطبيعي أن يعي العالم المدجج بالضغائن الدهرية تجاه الإسلام حجم فكرة المساس بالمقدس الإسلامي وإثارته. ولهذا صارت فكرة التركيز على حجاب المرأة الإسلامية في عواصم الغرب وفي جامعاته ومدارسه، ومعاداة هذا الحجاب بدعوى أنه يدعو الى فكرة التمايز وأحياناً العرقية. وفي الوقت الذي تتم فيها عسكرة هذا الكوكب بحجة القضاء على الإرهاب الإسلامي، صرنا نلحظ أن قائمة الاعتداء على خاصرة المقدس الإسلامي تطول وتكبر، لكن هذه المرة عن طريق الفنون والكتابة الأدبية. وقد كانت الرسوم الكاريكاتيرية الدنماركية المسيئة للرسول الكريم بداية هذا الضخ في النية العدوانية تجاه الإسلام وأتباعه، وتجاه المقدس الإسلامي عموماً.

 

وقد تبع ذلك فيلم «الفتنة» الهولندي الذي أنتجه غيرت فليدرز، قائد حزب الحرية الهولندي اليميني، الذي يقوم في مضمونه على ربط أحداث سبتمبر بالإسلام وبالقرآن الكريم. وهذه الأيام بدأت رواية الكاتبة والصحافية الأميركية شيري جونز والموسومة بـ«جوهرة المدينة المنورة»، التي تقصد فيها المسّ بحياة السيدة عائشة زوجة النبي، تثير جدلاً بعد قرار إحدى دور النشر الصربية بعدم توزيعها وسحبها من المكتبات، كما قامت دار النشر الأميركية «راندوم هاوس» بعدم نشر الكتاب في الولايات المتحدة؛ لأن نشر هذا الكتاب يمكن أن يعتبر إهانة لبعض المسلمين.
وإذا كان العالم قد بدأ يعي الآثار الاقتصادية الكارثية التي من الممكن أن يتعرض لها جراء المسّ بالمقدس الإسلامي، ويتحاشى خدش هذا المقدس، كما فعلت دار النشر الأميركية «راندوم هاوس»، فإن «الفانتازيا» الحقيقية تكمن في بعض الأقلام العربية التي تسعى وبشكل حثيث إلى الإقدام على خدش المقدس الإسلامي من خلال روايات تستدعي ضجة المنع والمصادرة، لتتحول وفي لمح البصر إلى أعمال قابلة للترجمة والانتشار، وربما إلى طلب صاحبها اللجوء السياسي.

 

إلى هذا الحدّ بدأت فكرة «هنتيجتون» بالتورم، وإلى هذا الحدّ استطاعت أفكاره أن تسوق العالم وتسوقنا بكل هذا العماء لطعن خاصرة المقدس الإسلامي.  من دون أن نعي حجم الكارثة المقبلة، كارثة إدارة الظهر لحضارة كاملة العافية.

 

khaleilq@yahoo.com
تويتر