الكاميرا الخفيّة.. كوميديا مشكوك في عفويّتها

محسن صالح تعرّض لاعتداء قاسٍ أثناء تصوير الكاميرا الخفيّة في صالة رياضية.أرشيفية


ربع قرن مضى على استيراد فكرة البرنامج الغربي الكاميرا الخفية عام 1983، لصالح التلفزيون المصري، وقدمها حينها الراحل فؤاد المهندس بينما كان أبطالها الميدانيون ممثلين مبتدئين ،صاروا نجوماً في ما بعد ومنهم إسماعيل يسري ومحمد جبر، ومع نجاح الفكرة الأولى التي هي في الأصل «مستوردة» تدفقت عشرات المحاولات الأخرى التي حاول أصحابها تعويض تكرار الفكرة بأساليب عديدة اختلفت درجة مشروعيتها بين النقل من أفكار غربية «جديدة» وتلفيق مواقف مع بعض المشاهير، بغرض إثارة المزيد من الضحك لدى - وليس على - المشاهد، فيما خرج جانب من تلك البرامج عن خطوط المسموح به ليتجاوز المواقف الطريفة إلى السخرية من فئة أو شريحة بعينها، لكن البعض ظل متشبّثاً بقدر الإمكان بالتجديد في أفكاره والابتعاد عن صفقات «الكاميرا الخفية» المشبوهة ليبني علاقة احترام متبادلة مع المشاهد.

 

حضور دائم

الممثل المصري إبراهيم نصر هو أكثر الفنانين استفادة مادية من برامج الكاميرا الخفية، فبينما كان المخرجون بالكاد يسندون إليه أدواراً ثانوية استطاع أن يصبح الفنان الأغلى أجراً في تلك النوعية من البرامج التي احترفها منذ العام 1996، مقدماً شخصية زكية زكريا ذات اللازمة المعروفة «أنفخ البلالين يا نجاتي» عبر ستة أعوام متتالية، وهو نجاح ساعدته عليه عوامل كثيرة مرتبطة بنصر نفسه الذي يعد بمظهره وضخامة بنيته وصوته الأجش وصلعته مناسباً جداً لتجسيد دور امرأة مريبة غريبة الأطوار، بعد ارتدائه باروكة وملابس نسائية، ليتحول إلى خطر داهم في نظر ضحيته في الكاميرا الخفية بعدما يقذف الباروكة ويكشف عن رجولته.

 

إبراهيم نصر الذي سعى إلى استغلال نجاح شخصية «زكية زكريا» في فيلم سينمائي بعنوان «زكية في البرلمان» فشل مرة أخرى في التمثيل على الرغم من نجاح برنامجه بشكل لافت، في مؤشر واضح على أن عوامل أصيلة في شخصية نجم الكاميرا الخفية التي يُفترض اتكاؤها على التلقائية هي المحك في نجاحه من عدمه، لذلك اقتنع نصر بأن لا مجال أمامه سوى «الكاميرا الخفية» التي يعود إليها بالفعل هذا العام للمرة الـ16 خلال مسيرته مع عالم الأضواء والشهرة بعنوان «هيما غاوي سيما».

 

وتدور فكرة «هيما غاوي سيما» الذي يعد البرنامج رقم 16 في مسيرة نصر مع الكاميرا الخفية حول استعراض لمواهب شباب وفتيات يستجيبون لإعلان وهمي قدمه «هيما» لإحدى الجرائد ليمده بنحو 300 منهم،  يتقدمون للتمثيل، وفي ما تتعلق المفارقات بقدرة كل منهم على تحمّل سخافات المخرجة «لي لي غزال» التي يجسد نصر شخصيتها وقت تصوير الفيلم وفي مرحلة لاحقة لاجتياز المرشح الاختبارات الوهمية.

 

يذكر أن (هيما غاوي سيما) من أفكار محمد كمال وإخراج أحمد حسن والبرنامج تنتجه الصدف للإنتاج الصوتي والمرئي.

 

غياب مفاجئ

على النقيض من إبراهيم نصر نجد الفنان بلال عبدالله يغيب هذا العام عن برنامج الكاميرا الخفية «حقك علينا» الذي اعتاد على تقديمه مع زميله الفنان محسن صالح، وهو أمر عزاه بلال إلى الرغبة في التغيير وإتاحة الفرصة لآخرين من أجل إثبات الذات في أحد أكثر البرامج متابعة والذي يخصص له ميقات سحري عقب الإفطار مباشرة.

 

اعتداء

محسن صالح الذي تعرّض لانتقادات قوية العام الماضي من بعض أفراد الجالية السودانية تطوّرت إلى صدور تصريح احتجاج رسمي من القنصلية السودانية في دبي بسبب تكراره تقديم الشخصية السودانية بشكل تم اعتباره سلبياً، تعرّض منذ أيام إلى اعتداء قاسٍ أدى إلى إصابته بكسور لزم تجبيرها أثناء تصويره داخل صالة مخصصة لممارسة الرياضة، ويبدو أنه لم يصرّح في الوقت المناسب لضحيته بأن ثمة كاميرا خفية ترصده وأن الأمر لا يعدو كونه مزحة «فضائية».

وفي البرنامج نفسه الذي تبثه «دبي الفضائية» خلال شهر رمضان بعنوان ربما سيكون عصياً على المشاهد العربي لإغراقه في اللهجة المحلية وهو «إندوك انت» يشارك للمرة الأولى في عالم الكاميرا الخفية الفنان ناجي خميس الذي دخل عالم التقديم التلفزيوني على شاشة سما دبي أول مرة أيضاً خلال شهر رمضان الماضي.

 

هناك ايضاً عدد كبير من برامج الكاميرا الخفية العربية التي نالت شهرة واسعة مثل «طيمشة ونمشة» التي يقدمها زياد سحتوت، فيما تذيع قناة إم بي سي الفضائية في رمضان المقبل برنامج «وسع صدرك» بطولة الفنان عماد اليوسف ومشاركة مجموعة من الشباب منهم  فاروق شعيبي واحمد باقحوم وممدوح العسلي بدور «سكونونو» وهو الاسم الذي اختاره له الفنان عماد اليوسف.

 

شكوك

ومن مصداقية البرنامج الأميركي الشهير «60 دقيقة» صاحب النسخة الأصلية للكاميرا الخفية العام 1968، إلى مئات النسخ الأخرى تبدّل حال ووظيفة الكاميرا الخفية من الانتقاد بغرض التوجيه ورصد الخلل بغية إصلاحه إلى السخرية من نماذج بشرية عادية تمثل في معظمها السواد الأعظم من الناس أو بمعنى أدق الجمهور، وبعد أن كانت كاميرا 1968 الأصلية تثبت في محال البقالة المشبوهة التي تدار لأغراض القمار غير المرخص وكذلك المستشفيات وبعض الأماكن العامة، قبل أن تتطور في أوائل الثمانينات لتحقق أهدافاً ترويحية للمواطنين في لقطات هم ابطالها من دون أن ينجم عنها أي اضرار مادية أو معنوية، لتلتقطها بعد ذلك عيون المنتجين المصريين وبعد أن نجح أول برنامج في هذا المجال عربياً، توالت التجارب المصرية أيضاً مثل «بهلول ولسان العصفـــور» التي قدمها المونولوجيست محمود عزب وحجاج عبدالعظيم، و«زكية زكريا» التي قدمها الفنان إبراهيم نصر، و«الحقونا» و«اديني عقلك» للثنائي حسين مدكور ومنير مكرم، وشاركهم فيها أيضاً طلعت زكريا، و«لا تفهمونا غلط» و «لخبوط» للفنان رضا حامد، وعلى الرغم من أن بعض البرامج سعى لفرض مصداقيته ومحــــاولة رسم الابتسامة على شفاه المـــشاهد إلا أن كثيراً منها أيضاً أخطأ الطريق ولجأ إلى اصطناع المواقف وترتيبها مع الضحية فيما لجأ بعضها إلى مواقف تقتحم الحياة الشخصية لأصحابها أو على الأقل تسخر من عفويتهم، فيما ظلت الكاميرا الخفية التي ضحاياها مشاهير وخصوصاً نجوم الفن محور أقاويل كثيرة حول خضوعها لسيناريوهات معدّة سلفاً ومتفق عليها مع الفـــنانين، لا سيما وأن معظمهم لا يشارك في برامج أصلاً إلا مقابل أجور مادية باهظة نظير اقتطاع جزء من وقته للبرنــــامج الذي يفترض أنه يعرّف نفسه له على أنه برنامج اجتماعي أو فني.

 

50 عاماً كاميرات خفية

مثّل لجوء معد برنامج «60 دقيقة» الأميركي إلى كاميرا خفية لرصد بعض المواقف التي لا يتوقع أطرافها تصويرهم عام  1968 ما يمكن أن يرقى إلى مرتبة «الكشف الإعلامي» الذي عكف المنتجون العرب على تكراره بدءاً من أوائل الثمانينات، بعد شيوعه في التلفزيونات الأميركية والأوروبية، خصوصاً خلال شهر رمضان الكريم، وحقق الممثل المصري إبراهيم نصر سبقاً في هذ التكرار بعد أن حافظ عليه على مدار 16 عاماً مقدماً 180 حلقة مختلفة معظمها جسّد فيها دور امرأة غريبة الأطوار أسماها «زكية زكريا».

 

وبعد تجربة سينمائية فاشلة حاول فيها نصر استثمار شهرة «زكية» هو فيلم «زكية في البرلمان» الذي جسّد فيه بطولته عاد نصر إلى كنز الكاميرا الخفية ليقدم أيضاً شخصية المرأة نفسها العام 2008 في رمضان المقبل ولكن تحت اسم «لي لي» هذه المرة، وربما استبدل صاحب دور زكريا سابقاً ولي لي حالياً لازمته الشهيرة «أنفخ البلالين يا نجاتي» إلى لازمة أخرى تناسب التطور التقني بعد أن أضحى نجاتي ليس بحاجة إلى هواء الزفير الخارج من فمه لنفخ «البلالين» لتحوّر مثلاً إلى «هات المنفاخ يا نجاتي» من أجل إيحاء التطوير بين الحلقة رقم واحد لإبراهيم نصر في مشواره مع الكاميرا الخفية والحلقة رقم 180 بعد 16 عاماً كاملة.

الأكثر مشاركة