زواج «الوناسة»

باسل رفايعة

 

هو زواج «يأنس» فيه الذكر في مرضه وعجزه وخرفه. يستعيد بفضله رجولة منقوصة وهو على حافة قبره، ويجد فتاة في عمر أصغر حفيداته تقوم على خدمته، والإصغاء لماضي أيامه، ومع ذلك سعاله وشخيره، لـ«يأنس» وحده، وتبتئس هي لا لشيء، وإنما لأن هناك من ظنّ أن من حقه وضع قانون ينتقص من حقوق الإنسان في أبسط مستوياتها.

 

زواج «الوناسة» جائز في بلاد العرب طبعاً، ويجد «فقهاء» يحللونه، ويدافعون عن ضرورته ومبرراته، ولا يجد إلا دولاً قليلة تحظره بقوة القانون والأخلاق والقيم الإنسانية، وترفض أن تسميه زواجاً من حيث المبدأ، لأنه يناقض شروط هذه العلاقة، ويضع المرأة في مرتبة الخادمة، ويمنح الرجل مزيداً من النفوذ والسلطات التي لا سبيل لإنهاء مفاعيلها سوى بالموت!

المضحك المبكي في هذا الشأن أن الفقهاء المحللين اشترطوا على المرأة التي تخدم رجلاً طاعناً في السن والمرض والضجر أن تتنازل عن حقها في المعاشرة الزوجية، لتضع نفسها في مرتبة دنيا تقل عن المحظيات في غابر الزمان، وتقبل بالعودة إلى عصر الرق الذي يمتعها بـ«حقوق» أخرى، مثل «المهر والإنفاق والسكن» و«المعاملة الحسنة»!

 

هكذا ببساطة، قرر فقهاء في كهولة عقلية مريبة أن يبتدعوا زواج «الوناسة» بعد «المسيار» و«المصياف»، وتركوا الأمور لسلطات الذكر التقديرية، فكل من بلغ الستين مثلاً، يستطيع أن يستفيد من هذا العرض، وكل من أصيب بمرض يستطيع أن «يؤنس» وحشته على حساب امرأة فقيرة.

 

وفي ظل جدل حول تحريم هذا «الزواج»، لأنه يخلو من ركن أساسي من أركان الزواج، يقول عضو هيئة كبار العلماء في السعودية صالح السدلان الذي أفتى بجواز «الوناسة» إن «العلماء ضربوا مثالاً للزواج المباح بزواج «التأنيس»، وهو أن تقدم المرأة على التزوج بهذا الشخص لمجرد «التأنيس» والخدمة فقط، وتوافق على أنها لا تطالب بالناحية الجنسية، وهذا مباح عند أهل العلم».

 

الفتوى واضحة، فهي تمنح الرجل وحده حق «الوناسة» وترى فيها متعته في كبره أو مرضه، في حين أن متعة المرأة متعلقة بوظيفتها الأساسية، أي الخدمة. وبالطبع فإن العلاقة الجنسية مسموحة إذا قرر الرجل أن على خادمته تلبية غرائزه، لكنّ بشرط ألا تطالبه هي بها!    

 

هكذا، ينفتح باب الاجتهاد في العالم العربي على هوامش ضئيلة وموجهة ببؤس معرفي بالغ، وينغلق الباب نفسه بإحكام على القضايا الكبيرة المتعلقة بالحياة المعاصرة وشؤونها، في سياق من التواطؤ بين المؤسسات الدينية والدول والقوانين والمجتمع أيضاً. فالدول التي تسكت عن الفتاوى أمام «وناسة» ذكورها تعرف جيدا أوضاع المرأة الاجتماعية والإنسانية، وتعرف أنها الضحية الأولى للفقر والفاقة، وأن نسب الأمية أكثر ارتفاعاً في صفوف النساء. وعوضاً عن توفير الأرضية الملائمة للمرأة لتستردّ كرامتها وحقوقها الأساسية تسمح للجهل أن يتسيّد عليها، ويسلبها كبرياءها ودورها وطاقتها البشرية، في حين أن دساتيرها وقوانينها تؤكد المساواة والعدل والتكافؤ في الحقوق والواجبات...!

 

baselraf@gmail.com

 

تويتر