«التجلي الأخير» يعرض سيرة للهزائم

 هيثم حقي: المجتمع يقسو أحياناً أكثر بكثير من العسكر.                                                أرشيفية

 
أراد المخرج السوري هيثم حقي ان يقدم صورة عن «جيلنا المكسور والخائف، الجيل المهزوم» في فيلمه الجديد «التجلي الاخير لغيلان الدمشقي» الذي اطلق في عرض خاص يوم الخميس الماضي. ويقول حقي «اردت ان ادين جيلنا المكسور والخائف المهزوم حتى في خياله والمتذبذب بين السلطة والمعارضة».

 

ويستعير المخرج السوري شخصية المفكر الاسلامي التنويري غيلان بن مسلم الدمشقي، الذي استعان به الخليفة الاموي عمر بن عبدالعزيز في اصلاحاته السياسية والاقتصادية، فباع ممتلكات بني امية في بيت المال. ولاحقا اثار سلوكه وافكاره حنق الخليفة هشام بن عبدالملك الذي صلبه على احد ابواب دمشق، بعد ان قطع رجليه ويديه ولسانه.

ويتعرض الفيلم الى الواقع الذي تعيش فيه شخصياته المعاصرة في شكل من الفضح والسخرية في آن. واذا كان يفضح العلاقات الاجتماعية التي تسودها المنفعة والمصالح، فهو يستخدمها ايضا كاشارة الى واقع سياسي اشمل.

 

وكان عرض «التجلي الاخير لغيلان الدمشقي» تأجل مرات لمشكلات مع صالة العرض التي كان مقررا اطلاقه فيها، ونفى مخرجه ان يكون تعرض لاي منع من الرقابة، ووجه في العرض الافتتاحي الخاص الشكر لمؤسسة السينما الحكومية التي قدمت صالتها «الكندي» لاطلاق الفيلم.

 

والى جانب فارس الحلو هناك مجموعة من الممثلين المعروفين مثل باسم ياخور وقيس الشيخ نجيب ورامي حنا وغيرهم، اضافة الى الممثلة الصاعدة كندا علوش.

 

وفي حديثه مع فرانس برس، يرى حقي المؤلف وكاتب سيناريو الفيلم ايضا انه لا يمكن اعتبار فيلمه مجرد قراءة مغايرة تقدم «التاريخ الدموي» في تاريخ الحكم الاسلامي الاموي، خصوصاً الجانب المتعلق بمحاربة الفكر والتنوير. ويقول انه اراد استخدام «احد الامثلة التاريخية عمن لم يكن مجرد منظر، بل رجل افعال ودفع ثمن افكاره وافعاله»، وذلك رغبة من المخرج في الحديث «عن جيلنا المكسور والخائف، الجيل المهزوم الذي لم يخلف لهذا الجيل الشاب سوى حمل ثقيل من الهزائم».

 

ويلعب البطولة المطلقة للفيلم الممثل السوري فارس الحلو الذي يقول «نحن بحاجة لهذا النوع من الافلام، والتأكيد على الشخصيات التنويرية» لمواجهة ما وصفه بالتطرف، اذ يستعرض الفيلم ايضا شخصيات مثل ابن رشد والحلاج وعبدالرحمن الكواكبي. ويجسد الممثل السوري في شكل بارع شخصية معقدة لمثقف معاصر يتخبط في حالة خوف مرضي من كل ما يحيط به، فيبدو عاجزا عن الاقدام على اي فعل والاكتفاء بالتخيل وتقمص شخصيات تاريخية متناقضة بين الجلاد والضحية لينتصر لقضاياه ورغباته في الوقت نفسه.

 

وشخصية غيلان الدمشقي هي الاكثر استحضارا، في مشاهد تصور مراحل من تجربته ومأساته مع قمع السلطة، ويلجأ اليها سامي «فراس الحلو»، طالب الدكتوراه الذي يعد رسالته عنها، متقمصا اياها تجسيدا لافكار «التنوير» التي يحملها ولا يجرؤ على طرحها او ممارستها فعليا في واقعه.

 

لكن الفيلم لا يكتفي بهذه الرؤية التي قد تبدو متعاطفة مع المثقف، بل يقدمه في صورة تطمح الى السلطة المتجبرة. فيظهر هذا المثقف وهو يتقمص شخصية هشام بن عبدالملك مع جواريه، عندما تتحرك غرائزه (المثقف) تجاه امرأة يعجز عن الاقدام على خطوة باتجاهها، او عندما يريد القصاص من شخصيات واقعية تجور عليه، او لمجرد ان طريقتها في العيش لا تتناسب مع مسار عواطفه واهوائه.

 

ويقول مخرج الفيلم ان «الخوف يحول الانسان الى صرصور»، وهو اراد نهاية هزلية لبطله الذي يموت بحادث عرضي، اذ يسقط ويصطدم رأسه بالسرير، بعد خوف واحتياط من كل صغيرة وكبيرة، ليؤكد ان الخوف وهم لا يحصن صاحبه. اما بطل الفيلم فيقول ان الشخصية التي يلعبها «عبارة عن نموذج، وربما يكون نموذجا داخليا لكثير من المثقفين الذين يبدون نشيطين»، ويلفت الى ان الخوف «ليس فقط من الحذاء العسكري الذي يمثل رمزا للاستبداد»، ويضيف ان «المجتمع يمارس احيانا قسوة اكثر بكثير من العسكر، عبر أحكامه واملاءاته من عادات وتقاليد وغيرها».

 

تويتر