إرادة الشعب الأوروبي تكسر الحصار

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

  

لم أكن أشك منذ أن سمعت نبأ سفينة كسر الحصار الأوروبية، تبحر نحو شاطئ غزة الأسيرة؛ أنها ستصل نحو هدفها وتحقق بغيتها، لما هو معروف عن الجمعيات أو الشعوب الأوروبية من قوة الإرادة والجلد على تحقيق المبتغى للأفراد أو الجماعات، إنما كنت أستغرب كيف نما إليهم نبأ أولئك المضطهدين في وطنهم وديارهم المحاصرين في مدنهم وقراهم! كيف نما إليهم نبأ هؤلاء المحاصرين فتحركت فيهم نخوة الإنسانية، ونزعة الآدمية، فهبوا لنصرة الضعفاء بما يمتلكون من إرادة لا من قوة ولا من قرار سياسي، ولم تمنعهم حواجز السياسة ولا الجبروت العسكري، فضلاً عن بعد المسافات وتلاطم الأمواج في البحيرات والمحيطات، كل ذلك لأنهم استشعروا الواجب الإنساني ودفعهم الضمير الحي والأخلاق التي هي في الأصل إسلامية؛ من كرم ومروءة ونجدة وشجاعة وإيثار وتضحية لأن يقوموا بهذا الفعل الرمزي ليكون معذرة لهم عند إخوانهم، وإشعارهم بأنهم يعيشون همومهم وأحزانهم، وهذا جهد المقل منهم، استغربت كل ذلك لأن القوم لا يجمعنا بهم دين ولا سياسة ولا قارة أو هدف مشترك، فحققوا لأنفسهم ما أرادوا، وأعطوا لإخوانهم في الإنسانية في فلسطين الأبية بارقة أمل أنه يمكن لليلهم القاتم، وبلائهم الجاثم، وعدوهم الغاشم، وحصارهم الظالم، أن ينجلي يوماً من الأيام إذا توفرت إرادة شعبية ونخوة إنسانية إن لم توجد الروح الإسلامية، وايم الله لقد آلمني جداً عندما سمعت الأم الفلسطينية تقول: كنا نودّ أن تكون هذه النجدة عربية إسلامية، فما تمالكت عبرتي حتى سالت على وجنتي، فقلت: لم تقول هذه الأم هذا؟ أما تعلم أننا شعوب لا إرادة لنا؟ أما يجدر بها أن تعذرنا، غير أنني سرعان ما لمت نفسي على لومها، وقلت: لا بل لنا إرادة ولكن ليس لنا حيلة، فلو أن عصبة من بني جلدتنا في مؤسساتنا الشعبية من الجمعيات المختلفة ولو جمعية الرفق بالحيوان أو جمعية ما من الجمعيات، لو أنها جمعت شباناً وزاداً ومتاعاً وأثاثاً إلى حين وذهبت إلى معبر رفح أو معبر الجسر أو معبر قبرص الذي عبر منه الشعب الأوروبي، لو أن هذه المؤسسات حركت ضمائرها وقامت بما قام به أولئك الناس الأباعد بلدا ومعتقدا لأبرأت ذمة الشعوب عند ربها، وحركت همم ساساتها لنجدة أبنائهم وبناتهم وإخوانهم وأخواتهم في غزة الأليمة وفلسطين الجريحة، ولعلموا أن هناك شعوباً لها إرادة في إطعام الجائعين وتأمين الخائفين ونصرة المستضعفين، لكني لا أدري لماذا لا تفعل ذلك، أهو الخوف من بطش العدو؟ أم هو النسيان للواجب الشرعي والإنساني؟، فإن كان الأول فقد أرشد الحق سبحانه إلى أنه أولى بالخشية }أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقلا أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ{ ]التوبة/13[، وإن كان الثاني فهذه ذكرى لهم والذكرى تنفع المؤمنين. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

 

تويتر