"رمضان" محرقة الأعمال الدرامية
|
|
سارت الدراما السورية الحديثة في طريق مختلف عن طريق الدراما المصرية، فهي انطلقت، بعيداً عن اسر الاستوديو، إلى تصوير حكايات الناس في الأحياء والبيوت والشوارع، وحققت نجاحها عند جمهور التلفزيون، لكنها مازالت تعاني من مشكلة النص المناسب ومن تأثير الرقابة الرسمية، إضافة إلى رقابة الفضائيات، دون أن ننسى رقابة عين المجتمع، التي تجعلها بعيدة عن معالجة الموضوعات الاجتماعية، التي نقرأ ونسمع عنها، والجديرة بالمعالجة الدرامية.
يجد الكاتب الدرامي أسامة أنور عكاشة صاحب «ليالي الحلمية» و«ارابيسك» أن سبب سقوط الدراما المصرية،عموماً، أنها وقعت في فخ المنتج التاجر، الذي استطاع أن يبعدها عن تناول مشكلات المواطن المصري الحقيقية، كما أن «وحش المعلن استولى على شاشات التلفزيون، المغرية بالنسبة للجميع والمشاهدة من قبلهم. وأصبح المهم، بالنسبة له، أن يجيب النجم ويدفع له الملايين لتتفصل عليه أي حدوتة، كنوع من التوليف أو التلفيق، بهدف اللحاق بقمة موسم الإعلان في رمضان الذي تحول إلى سوق للأعمال الدرامية»! ومع أن المعلن، كما يؤكد الكاتب الدرامي محفوظ عبدالرحمن، هو من يحدد ماذا يظهر من أعمال درامية، في التلفزيون، إلا انه لا يعرف الدراما ولا يعرف الناس، إنما يسعى لإنتاج عمل براق ليسوّق سلعته في «سوق عكاظ الرمضاني»!، حيث يجلس كل الناس أمام التلفزيون وينتظرون مشاهدة مسلسلاته الثلاثينية، التي تخطط الفضائيات العربية لإنتاجها أو دعم إنتاجها قبل عام! لكن لماذا أصبحت الدراما التلفزيونية أسيرة الثلاثين حلقة؟
يبين الكاتب السوري فؤاد حميره «إن المسألة عائدة لشركات الإنتاج وعائدة إلى سوق عكاظ الدرامي، لدرجة إنه لم تعد توجد شركة إنتاج تأخذ مسلسل 20 حلقة أو شركة إنتاج تأخذ مسلسل 13 حلقة. الكل يريد عرض 30 حلقة على عدد أيام شهر رمضان، على هذا يجب على الكاتب أن يلتزم بكتابة مسلسله في 30 حلقة».
إن «قضية الثلاثين حلقة، يعقب الكاتب الدرامي محفوظ عبدالرحمن، ظاهرة سلبية غير ذكية، فهي من أسوأ العقبات التي تواجه تطور الدراما التلفزيونية، لان مثل هذا التفصيل الثلاثيني يطلب من كاتب النص المبدع أن يكون ترزيا أو خياطا»! أما الكاتب هاني السعدي فيجد في رمضان «محرقة للأعمال الدرامية، لان الناس لا تشاهد فيه من نحو الستين مسلسلا سوريا سنويا، سوى عشرة أو اثني عشر عملاً والباقي يضيع»! يبدو وكأن قدر الناس الذين سيشاهدون المسلسلات الثلاثينية في رمضان، أن يذهبوا بعيدا عن ما يهم عامة الناس وأن يرجعوا إلى حقب التاريخ القديم والحديث، أو يذهبوا إلى البداوة وعراك العشائر، التي انقرضت في حياتنا المعاصرة، والتي تعود الدراما إلى تحويل حياة الناس الأصيلة فيها إلى استديو؟ هل يكفي أن تخرج الدراما إلى الشارع لتعيد هندسته شعبيا أو بدويا أو طبقيا، هل يكفي أن تقول الدراما فقط ما يجب أن يقال، وأن تسكت ليس فقط عن ما يجب أن يقال، إنما تتجاهل كل ذلك الركام من المشكلات، الذي لم يتعرض، من عقود طويلة، إلى التغيير.
|