لا يختلف «الشحات» كثيراً عن النصاب أو الدجال والمشعوذ، فكل هذه الفئات تسعى إلى هدف واحد بأساليب متعددة، هذا الهدف هو أخذ ـ أو بالأحرى «الاستيلاء» ـ على أموال الناس بالباطل، من دون وجه حق، عن طريق «الكذب والتدليس والخداع».
لا يختلف النصاب أبداً عن «الشحات»، فكلاهما يتعمّد «إيهام» ضحاياه بكثير من المظاهر الاحتيالية التي تدفع بهذه «الضحية» إلى إخراج ما في جيبها من مال، وحتى إن تمت عملية تسليم المال بالرضا، إلا أن وجود هذه المظاهر الاحتيالية، ونية الخداع، ومعرفة «الجاني» تماماً و«عزّ» المعرفة، أنه يجمع المال من غير وجه حق بغرض الاستيلاء عليه، كل هذه الأمور هي بالعرف القانوني مكوّنات للجريمة الكاملة! النصاب يوهم الضحايا «شكلياً وكلامياً»، ويخدع الناس من خلال مظهره، وشكله الراقي، واستخدام «المؤثرات» الخارجية التي تدعم موقفه، مثل المكاتب الفاخرة، والسيارات الفارهة، ومثله يتصرّف «الشحات» تماماً، لكنه على النقيض يوهم «الضحايا» من خلال مظهره البائس، ولباسه «المبهدل»، وهيئته التي تدرّ عليه العطف والرحمة، فيدفع الناس أموالهم للمحتال بعد «التغرير بهم»، على أمل الحصول على عوائد مجزية، ويدفعون لـ«الشحات» على أمل الحصول على «أجر وثواب» مجزيين! وعلى الناس أيضاً تقع مسؤولية مكافحة هاتين الفئتين، كما تقع عليهم، بكل تأكيد، مسؤولية انتشار وجودهما، ومهما حمّلنا الجهات المختصة مسؤولية المكافحة، تبقى المهمة الأكبر والأصعب في يد أفراد المجتمع، فبسبب القلوب الرحيمة و«الطامعة» أحياناً زادت أعداد النصابين و«الشحاتين» معاً، وبسبب عدم الالتفات إلى التحذيرات، وعدم الاستفادة من دروس الماضي، يقع الكثيرون ضحايا في أحضان النصابين والمحتالين والمتسولين. ورغم وجود قناعة تامة لدى معظم «المتصدقين» بأن هؤلاء «الشحاتين» ما هم إلا «كاذبون»، ولا توجد ذرة صدق في مختلف الروايات و«الخرافات» التي «يشحتون» بها، إلا أنهم في كل مرة يخرجون محافظهم، ويعطونهم مالاً لا يستحقونه، وبالتالي؛ فهم يسهمون في تكريس هذه الظاهرة، وزيادة عدد المتسولين والإضرار بالبلد، وشتان بين الصدقة التي ترضي الرب، والإضرار بمصلحة الوطن والمجتمع! لا أعتقد أبداً أن من يساعد «كذاباً»، يُؤجر على ذلك، ولا أعتقد أيضاً أن هذه الفئة هي من المساكين أو الفقراء، الواجب مساعدتهم شرعاً، فهم، في الغالب، عصابات منظمة تجلبهم شركات خارجية، أو مجموعة من المتسللين دخلوا «تهريباً» من بلدان عربية وأجنبية قريبة، كما ثبت لدى الجهات الأمنية بعدما ألقت القبض على عدد كبير منهم، فهل تجوز الصدقة على محترفي «الشحاتة»؟! إحدى الأخوات علّقت على مقال «الشحاتين» السابق قائلة: «أعرف تماماً أن هؤلاء ليسوا من الفئات المحتاجة، بل إني أدرك أن الرواية التي يرويها علي أي منهم «كاذبة» لأني سمعتها عشرات المرات، من أشخاص مختلفين، لكني في كل مرة أسمع فيها كذب المتسولين، أتعاطف معهم لدرجة البكاء، ثم أعطيهم المال «لا شعورياً»، وأنا متأكدة انهم لكاذبون»! وهنا تكمن المشكلة الكبرى، والتي تضيع معها كل جهود وزارة الداخلية، وإدارات الجنسية والإقامة، وجهود العاملين في منافذ البلد كافة، والعاملين في بلديات الدولة، والشرطة والمفتشين، وربما مجلس الوزراء ومجلس الأمن أيضاً، لأنه لا فائدة من المكافحة مع وجود «قلوب» من هذا النوع!
reyami@emaratalyoum.com |