ناجـي العلـي.. ريشــة للحقيقة

  21 عاماً على اغتيال ناجي العلي في لندن


من شظية تستحيل قمرا. من رغيف خبز أو مواقد لليالي البرد والجوع والحرمان. من زيتونات تقطر دماً. من بسمة لطفلة أطلت خلف أفق بوابات المخيم. من زند اسمر، ومنجل داعبت صفحته جنبات السنابل، يولد فنان كناجي العلي.

 

ريشة لا ترسم ألوانا، لا تجسد حبرا على الأوراق لكنها ريشة من جذر برعمت أطرافه، وأنبتت حقيقة.

 

حين كان ناجي بالدم يرسم المأساة، ويضع على اللوحة خطوط الأبيض والأسود، ويطلق لوحته في فضاء الثورة يصبح للفن معنى الفعل وقوة الموقف. يغدو الفنان ضحكة ساخرة لمن أصابهم العمى والصمم، ضحكة تتعالى وتصبح أيادي تمتد لتميط الحجاب عن أعين ترفض ان ترى، ولتصبح ضجيجاً يسمع من أصابهم صمم فما عادوا يسمعون آهات الأطفال في حفر الموت.

 

وناجي العلي الدم الفلسطيني، رائحته، ريشته ليست مأجورة لأسواق المواقف، وجهته هي المخيم، والمخيم عنده تشابك زنود العمال وسواعد المدافعين، وبذار الأرض. ولأن الكاريكاتير يحتل رقعة قيمة بين أوراق الصحيفة يكون ضرورياً أن يكون فارس هذه الرقعة اصيلاً كناجي العلي، فكان يخرج من تناقضات الحدث صورة الحقيقة يسخر بالممثلين، ويهزأ بالمسرح لكنه ما كان ليكذب على الجمهور.

 

ناجي كان يتنقل ما بين عين الحلوة ومخيم الدهيشة ليرسم للفلسطينيين وطناً في اللوحات، ويتجاوز الجرح الفلسطيني ليكون إنسانا وليكون ضمير الحدث فيكنس عن التاريخ زيفه وينفث الغبار عن ملفات الحقيقة، وحنظلة هذا الصمت الذي بشر بانفجار وكان الفأس التي تزنرها السواعد السمر حكى لنا الحكايات، علم أطفالنا التحايل على الأوقات، حنظلة فله حين تبتسم له طفلة الجنوب. يجب علينا ان نمعن النظر ونحن نقرأ ناجي العلي، فهو فقير تبعثرت أشياؤه فوق الأرصفة المنسية، وحين كان يصمت تصبح أعماقه يا للعجب.. ولكن حين كان يتحرك يبشر بتواصل النماء، حين كان ناجي يتحرك كانوا يحذروه، ستنفجر من جنبات الارض الألغام. وناجي هذا الجندي في جيش الحقيقة، علمنا أن قبالة الشرق ترقد أميركا وفراخها تفقس في جحورنا، يرسم اعمق الصور للأعداء، نعدهم واحدا واحدا.

 

ونعـرف حـجم بشاعـتهم، نـاجي الـعلي، هـذا الامـتداد الـذي يحـملنا وإياه حـتى مـشارف الـوطـن، ومـن جـحـور الأزقـة ومفـترقـات الصـحارى يـفـترش لـنا الـدرب لحلمـنا الآتي، مـن جـبال لـبنان نعـدو وإياه حـتى الجـليل مـن صنـعـاء حتى الضفة.

تويتر