ورثة درويش

خليل قنديل

ما من قامة ابداعية عربية وافتها المنية وتخلّق لها بعد موتها مثل كل هؤلاء الورثة مثل قامة الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش. فالذاكرة العربية الثقافية مازالت تذكر الصدى الذي خلّفه موت العديد من القامات الشعرية العربية، مثل السياب والبياتي ومحمد مهدي الجواهري، وحتى نزار قباني، فقد كان الصدى عادياً، ولم يُنتج موتهم مثل كل هذا التزاحم في أعداد الورثة.

فالشاعر الراحل محمود درويش الذي كان يعيش في شقته في منطقة الصويفية في العاصمة الأردنية عمّان، كانت حياته تتسم بالعزلة، باستثناء مقابلته لبعض الأصدقاء الخلّص، وذهابه في فترات متباعدة إلى رام الله، أو إلى بعض العواصم.

والغريب أن أصدقاء درويش الخلّص لم يطلقوا كل هذه الضجة الاستذكارية المشبوهة في استحضار درويش، وأنا هنا أذكر منهم ـ على سبيل المثال ـ الناقد السوري صبحي الحديدي المقيم في باريس الذي اكتفى بكتابة مقالين: الأول، استذكر فيه اللقاء الأخير مع درويش قبل موته بأيام، والثاني، قدم فيه قراءة عامة لأعمال درويش. لكن الكارثة الحقيقية بدأت تنمو وتتورّم في أكثر من عاصمة عربية، وحتى عالمية، حين بدأ يظهر في المشهد الثقافي العربي كل هؤلاء الورثة للشاعر درويش.

فبعض الشعراء العرب الذين كان يشكل لهم درويش حالة ندية عصية على التجاوز، أو على المجاهرة بهذه الندية، وجدوا في موت درويش مناسبة للتعبير عن ضغائنهم التي كانت نائمة وأيقظها الموت المباغت لدرويش. وبدأنا نقرأ في بعض الصفحات الثقافية العربية سرديات خاصة لمثل هؤلاء الشعراء تدعو لإعادة قراءة درويش، أو تعمل على «مناددة» بعض القصائد الشعرية لدرويش ومحاولة تفكيكها من جديد، كي تخلع عن جلدها تلك المهابة التي كان يميزها الحضور الفيزيائي لدرويش مع نصّه. لا، بل ذهب بعضهم إلى المجاهرة بالقول إن قصائد درويش كانت تتسم بالميل للاستفادة من الموروث التوراتي.

وفي التقصي لظاهرة ورثة درويش، نلحظ أن بعض الشعراء أشاعوا أن المرتبة الشعرية التي وصل اليها درويش عربياً وعالمياً تعود إلى كونه ابن السلطة الفلسطينية المدلّل، وأن إعلام منظمة التحرير الفلسطينية هو الذي كرّس تجربة درويش وأعطاها كل هذه المساحة التي كانت على حساب مساحات مقتطعة من شعراء كُثر لفلسطين!

وبعض الورثة ذهبوا إلى استذكار عضوية درويش في حزب «ركاح» الإسرائيلي في تجربته السياسية المبكرة، ووظّفوا هذا الاستذكار في بعض الفضائيات العربية. وبعضهم آثر، وفي لحظة غياب الشاعر في ضريحه الطازج، أن يعلن أن درويش من أعزّ أصدقائه، وأخذ يسوق الحوادث والأمثلة الافتراضية كي يؤكد مثل هذه العلاقة، وهو يعلم تماماً أن درويش ظلّ أكبر من هذه العلاقات، وأن علاقة درويش معهم لا تتعدى المصافحة العابرة.

وقد كان على كل هؤلاء الورثة قبل أن يقدموا على مثل هذه المسلكيات، أن يتذكروا شارون الذي قال ذات مرة: «إنني أحسد الشعب الفلسطيني؛ كونه أنجب مثل هذا الشاعر». لكنها الضغينة هي ذاتها التي تعيدنا في كل مرة إلى مربع التخلف الأول.

khaleilq@yahoo.com

تويتر