الثقافة المتوسطة

 

حينما تحدث الرئيس الفرنسي ساركوزي أخيراً عن مبدأ الشراكة السياسية والاقتصادية بين دول المتوسط لم يغفل الجانب الثقافي وتاريخه الممتد بين هذه الدول. هل ثمة روابط ثقافية حقيقية بيننا وبين فرنسا تحديداً؟ أم أن الرجل كان يمارس لعبة سياسية يستدعي فيها أشباح الماضي لتكون موجودة في حاضر لا تعني الثقافة فيه سوى العربة الأخيرة في القطار المتجه إلى محطة المصالح الاقتصادية فقط؟.

 

ما هو دور فرنسا في الثقافة العربية، وفي قضايا الحداثة خصوصا الأدبية منها؟ وماذا لو قال قائلألا منا إن حداثتنا الشعرية مثلاً تستمد مرجعياتها من الجمالية الرمزية الفرنسية بأقطابها: بودلير ومالا رميه ورامبو إضافة الى الفلسفة الوجودية؟

وماذا يحدث أيضاً لو قيل ـ وبصوت مرتفع وجهير ـ إن المتنبي وبشار بن برد وكذلك الأعشى قد ظلوا في كتب المحفوظات أو في رؤوس شعراء القرن الماضي والحالي مجرد كائنات متحفية يأتي الحديث بها مصادفة أو استذكاراً وتذهب ضمن الصيغة نفسها؟

 

هل نحن ومنذ بداية القرن الماضي سائرون باتجاه ثقافة «المتوسطي» من غير أن ندري أو نتوقف أو نسأل إلى أين ستؤدي بنا الطريق؟

 

أسئلة كثيرة يمكن ان تأخذنا ونحنألا في هذا السياق، ولكن ألم تسهم الثقافة الفرنسية عبر رموزها في جرّنا من الحماسة الشعرية الانفعالية الوصفية إلى كتابة شعرية أخرى، ونقد آخر استطاع أن ينّبش الأصول الفلسفية لفكرة التنبؤ والحدس والمعرفة في الشعر ومدى ارتباطها بالقيمة الجمالية؟

 

هل ننكر مثلاً ولمصلحة من غير عدم الإنصاف أن الحداثة الشعرية العربية قد انتقلت من خانة «الرؤية» الخاصة بما تراه العين إلى منطقة «الرؤيا» الخاصة بالحساسية الميتافيزيقية الانطلوجيةألا بفضل هذه التأثيرات التي جعلت من الشعر يحلّق في القضايا الوجودية الكبرى؟

 

نعرف سلفاً ما هي أسلحة المدافعين عن الثقافة العربيةألا بما فيها اعتزازهم بالتفوق العرقي، ونعرف ماذا سيقال في عدم تأثر الثقافة العربية بالثقافة الفرنسية على اعتبار أن الثقافة العربية مجرد حجر مصمت أو صنم جامد. ولكن هل يعرف المدافعون أن جهود طه حسين وأدونيس ويوسف الخال وأنطون سعادة وأنسي الحاج والماغوط وخليل حاوي قد بنيت أساساً على فكرة «المتوسطي» ونظرتها إلى المحيط الثقافي الأوسع.

 

لا نريد في هذه العجالة أن نقف ضد فكرة «المتوسطي» أو معها، وليس ببالنا الانخراط في لعبة ساركوزي وتطلعاته المعروفة سلفاً لاحتواء المنطقة، ولكننا نريد أن نعرف أكثر، وعبر مدونة نقدية شاملة، عن تعالق المحيط الشامي والمصري مع الثقافة الفرنسية في الحداثة الشعرية، إضافة إلى تعالق المحيط العراقي مع الرومانطيقية الإنجليزية،ألا ولماذا جاء التجديد مرتبطاً بهؤلاء الرموز عند السياب ونازك الملائكة والبياتي ولم يأت متكئاً على فحولة الشعر العربي القديم التي انقطعت أسبابها هنا من التأثير ودخلت إلى متحف الشمع راضية مرضية؟

 

وأخيراً هلألا يجب علينا أن نخاف من التأثر والتأثير؟ أم ان الخوف كله يأتي من اللجوء إلى الجمود والاكتهال الإبداعي الذي سيعرّض كل جهودها إلى التهميش وربما الدونية وا

 

 

 

zeyad_alanani@yahoo.com 

الأكثر مشاركة