أقول لكم
من يخض في التاريخ عليه أن يلتزم بتفاصيل ذلك التاريخ، ونحن نتابع الإنتاج الغربي لكثير من الحقب التاريخية، وفي كل حقبة هناك حياة لها مستلزماتها التي كانت متوافرة بحسب التطور الزماني والمكاني والصناعي، ولم نر مثلاً فيلماً عن «نابليون بونابرت» دون جميع تفاصيل حياة الفرنسيين في نهايات القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر، ولم نر «كولومبس» يكتشف أميركا وهو يقود سفينة حربية آلية لاختفاء السفن الشراعية المتطابقة مع ما ركب في زمانه، بل صنعت السفن بالرجوع إلى رسومات المبدعين في ذلك الزمان، والهدف هو أن يعيش المشاهد تفاصيل التفاصيل، حتى يقدر الجهد ويستوعب الظروف ويعايش الأحداث الحقيقية، وبصريح العبارة، الفن عند الغرب يحترم التاريخ ويحترم الحقيقة ويحترم المشاهد، ولا يعرف في قاموسه عبارة «ماعلش فوت اللقطة فلن ينتبه أحد». بل يعيد ويعيد اللقطات حتى يجيد العمل، عكسنا نحن، مَن ألبسنا صلاح الدين الأيوبي ساعة ذات يوم، ومازالت اللقطة تعرض على الملأ، وقد ظننا أننا قد تعلمنا مدى تأثير الاستهتار بالتاريخ أو التراث في صدقية الأعمال الفنية، سواء في الحوار أو المشاهد المحيطة، ولكن نظرة سريعة على المسلسلات الجديدة التي تعرض منذ بداية رمضان أعادتنا ثانية إلى «اسـتهبال» المخرجين ونقص معلومات المؤلفين وجهل المنتجين.
تصوروا حياة ما قبل النفط في مسلسل محلي تظهر أبراج خط الضغط العالي للكهرباء، وتكون العملة المحلية مرة بالروبية و«البيزه» و«الآنة»، ومرة بالفلس و«كله ماشي»، وفي مسلسل خليجي آخر يتحدث عن فترة التنقيب عن النفط، والبيوت ما زالت تضاء بواسطة «الفنـر» يتجول المصور داخل البيت القديم فتظهر في الخلفية بناية من طوابق عدة ولاقط تلفزيون «إيريال» على سطح البيت، و«كله ماشي»، أما عندما تستخدم سيارة قديمة تناسب منتصف القرن الماضي فإنها تمر على بيوت زراعية محمية، وهي التي لم تظهر في الخليج قبل بداية الثمانينات، أما الأوزان والأدوات المنزلية فهي خليط، رأى المخرج أن الناس لا يمكن أن تتذكر قديمها وجديدها، و«كله ماشي» ما دامت القضية «حشواً» وضحكاً على الناس. myousef_1@yahoo.com
|
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news