مسلسلات السير الشخصية..معارك المنتجين والورثة

سولاف فواخرجي تراهن على «أسمهان» من أجل نقلة فنية جديدة.  روتانا خليجية

 

 يعتزم فيصل الأطرش رفع قضية مستعجلة، أمام  محكمة دبي الابتدائية، ضد قناة روتانا خليجية، بسبب العرض الأول لمسلسل «أسمهان»، الذي يبث على القناة، التي تمتلك تواجداً رسميًاَ في مدينة دبي للإعلام، وكذلك  منتج العمل إسماعيل كتكت الذي يرفض أي تسوية مالية للخلاف، مشدداً على أن الفنان بشكل عام وأسمهان بشكل خاص ملك للتاريخ والتراث الغنائي والفني العربي.

 

وتأتي قضية الأطرش لتستكمل مسلسلاً من الخلافات، التي دارت في الآونة الأخيرة، بين من يعتبرون أنفسهم الورثة الشرعيين لتركات أدبية وفنية يخلفها أقرباؤهم بما فيهم سيرهم الذاتية، وبين منتجين أقبلوا على هذا النوع من الأعمال بشكل خاص في رمضان، بعد نجاح مسلسل كوكب الشرق «أم كلثوم» الذي جسدت بطولته الفنانة صابرين، قبل أن تعلن ارتداءها للحجاب.

 

وكانت محكمة دبي الابتدائية أيضاً قد رفضت قبل ثلاثة أعوام قبول دعوة مرفوعة من نجلي الشاعر الراحل نزار قباني يطالبان فيها بوقف عرض المسلسل «فوراً» الذي كان يعرض حينها حصرياً على شاشة قناة دبي الفضائية، طالبين احتفاظ المحكمة لهما بحقوق مادية وأدبية، محتجين ايضاً على التطرق لخصوصيات اسرية وتشويه سيرة الأب الراحل، وهو طلب رفضته المحكة حينها، قبل أن يأتي أيضاً بعض ورثة الفنان الراحل عبدالحليم حافظ ليتحفظوا قانونياً  على معلومات رأوها مغلوطة في مسلسل «العندليب من يكون»، فيما لاحقت سيرة الفنانة الراحلة سعاد حسني في مسلسل «السيندريلا» مشكلات عديدة بسبب فضح أسـرار لشخصيـات ما زالت على قيد الحياة وتقديمها بصورة سلبية، في قضايا أضحت متكررة خلال الموسم الرمضاني مثيرة الكثير من الجدل القانوني إلى الحد الذي حولها لصداع موسمي للمحاكم بسبب اهتمام الرأي العام بالاطلاع على تفاصيلها.

 

كل هذه المعطيات السلبية لم تشكل رادعاً لوقف تعطش المنتجين لإنجاز مسلسلات ترصد سير عدد من الفنانين الذين يمثلون علامات بارزة في تاريخ الفن العربي، في الوقت الذي شكلت فيه أيضاً أموال التسويات المالية التي تدفع من فوق وتحت الطاولة للورثة مقابل السماح بصناعة عمل يسهم في تخليد الراحل فنياً إغراء للكثيرين الذين اعتبروا أنفسهم «ورثة شرعيين» لفقيد.. قد يكون في الحقيقة فقيد ثقافة ووطن وأمة أكثر من كونه فقيد أسرة وحيدة أو بضعة أشخاص هم أقرباؤه وأقارب أقربائه.

 

هذه المزالق والتحديات التي تواجه مسلسلات سير الأعلام، خصوصاً الفنانين منهم، شكلت في الوقت نفسه أحد العوامل التي أعادت رواج إنتاج مسلسلات سير عظماء ليس لهم ورثة مباشرون مثل الخليفة العباسي «أبو جعفر المنصور»، وغيرها من الأعمال التي تخلد سير رجال رحلوا من دون أن يخلفوا «ورثة شرعيين» يتربحون من الاحتفاء الفني بإبداعهم .

 

«الوريث الشرعي»

ويقول كتكت الذي نجح في تسويق مسلسل «أسمهان» لعدد من الفضائيات، في حين فازت روتانا بالعرض الأول منه إن «الخلاف يتمحور في أن فيصل الأطرش سعى بشتى الطرق إلى وقف تصوير العمل واصفاً نفسه «الوريث الشرعي لأسمهان» إلا بعد التفاهم معه، وبالفعل تفاوضت مع محاميه لكني رفضت إلزامي بالحصول على موافقته للعرض، لأن هناك 295 شخصية يتناولها العمل الذي لا يتحدث عن أسمهان بالتحديد، بل عن تاريخ منطقة ارتبطت في فترة زمنية بالاستعمار الأجنبي ولا يتناول العمل حياة الفنانة بالدرجة الأولى، وفي حال منحت الأطرش أي مقابل مادي فهذا سيلزمني أيضاً أن أقوم بالشيء نفسه مع  العشرات غيره من الورثة الذين يأتي العمل على ذكر أسلافهم». ويستطرد كتكت «ذكرت للأطرش أن مبدعين كأسمهان ليسوا ملكاً لورثتهم، بل هم ملك للناس الذين صنعوهم، ومن ثم فيجب ألا نقف نحن من جانبنا أمام حق الناس في التعرف إليهم بمزيد من الوضوح في عمل فني يجسد عطاءهم ومشوارهم الطويل، ولو غنى عبدالحليم وأم كلثوم وأسمهان في بيوت أهاليهم لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه».

 

تعاون فني

ويمثل مسلسل «اسمهان» تعاوناً فنياً قل نظيره حالياً بعد دعاوى التنافس بين الدراما المصرية والسورية، فضلاً عن المشاركة اللبنانية، حيث تضم أسرة العمل من سورية: سلاف فواخرجي وفراس ابراهيم وعابد فهد وعبدالحكيم قطيفان، ومن مصر: يوسف شعبان وأحمد شاكر وبهاء ثروت، ومن لبنان: ورد الخال وفادي ابراهيم، فيما يتطرق المسلسل بشكل مفصل لملامح شخصية أسمهان، الأميرة البائسة والعاشقة واللاعبة بالقلوب والمصائر، والثرية وشهيرة عصرها، ذات الصوت المعجزة والحضور المبهر، لينقلنا العمل إلى أجواء الحرب العالمية الأولى التي كانت مشتعلة آنذاك وأجواء الثورة التي اندلعت في بلاد الشام قبيل تقسيمها لطرد العثمانيين من الأراضي العربية. ويلقي العمل أيضاً اضواء على رحلة العذاب التي ألمت بعائلة أسمهان وانتقالها من حياة الأمراء في سورية إلى الحياة العادية في حي شعبي فقير بمصر التي دخلتها بمساعدة الزعيم سعد زغلول، إلى أن يبدأ فريد الأطرش بالغناء في ملهى ماري منصور لتلحقه شقيقته آمال التي يطلق عليها الملحن داود حسني اسم أسمهان، بعد أن  أطلقت أول أعمالها الغنائية في سن الـ14 وهو ما أثار غضب عائلتها  في سورية.

 

لغز النهاية

ويسرد العمل حكاية زواجها من ابن عمها الأمير حسن الأطرش الذي أثمر عن ابنتها الوحيدة كاميليا لتنتهي تلك الحياة الزوجية بعد ثلاث سنوات بالطلاق، بعد أن لعبت أسمهان دوراً سياسياً بالغ الأهمية في هذه الفترة، لتعود بعدها إلى القاهرة المكان الملائم للعودة للغناء.

وتستمر أحداث العمل لترافق حياة أسمهان وتصويرها لفيلمين سينمائيين إلى أن تنتهي حياتها بحادثة غامضة ليبقى السؤال الغامض «هل ماتت أسمهان فعلاً أم قتلت؟»، وهو السؤال الذي لم يحسم حتى الآن سواء رسمياً أو حتى شعبياً في القصص التي يتداولها الناس من دون يقين.

 

فزّاعة وقف العرض

 رفع «الورثة الشرعيون» لـلفنانة «أسمهان» خمس قضايا أمام المحاكم المصرية لوقف تصوير المسلسل وتم رفضها جميعاً، قبل أن يقوم أحدهم بالتجهيز للمحاولة الأخيرة أمام محكمة دبي الابتدائية التي يتمثل اختصاصها في وجود مكاتب رسمية لقناة روتانا خليجية التي حازت حق العرض الأول للعمل في مدينة دبي للإعلام.

 

فزاعة «الوريث الشرعي» وأدت الكثير من أعمال تخلد سير العظام الذين يحتمل أن يظهر لهم ورثة شرعيون، وجعلت الأفضلية في مجال إنتاج السير لشخصيات وريثها الحقيقي هو التاريخ وذاكرة الأمم والشعوب أمثال «ابو جعفر المنصور» و«نمر العدوان» و«عودة أبو تايه» الذين تحولت سيرهم لأعمال درامية تُعرض حالياً على شاشات الفضائيات من دون مشكلات قانونية أو إعمال فزاعة وقف العرض التي تلاحق مسلسل «أسمهان» حالياً.

الأكثر مشاركة