غواية الرواية
|
|
ظلت الكتابة الإبداعية بقنواتها الكتابية كافة، من شعر ورواية وقصة قصيرة، تتألق في حضورها الجاذب للقراء والكتاب، في كل عقد أو مفصل زمني بحسب معطيات اجتماعية وربما سياسية واقتصادية، تحمل سمة الغموض في دوافع تسيد هذا النوع الكتابي على النوع الآخر. وعربياً يمكن القول أن الشعر ظلّ هو سيد القنوات الابداعية العربية لقرون طويلة، وظل الشعر هو الديوان الوحيد للعرب.
واذا كانت الرواية العربية الكلاسيكية كانت قد ظلت محافظة على موقعها المحايد، تجاه كل الاعتراكات التي عاشها الشعر العربي من تقلبات بين قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، ولم تدخل في أي اعتراك، يمكن أن يؤثر في حضورها المتواضع عربياً. فإن القصة القصيرة بدأت في مطلع ستينيات القرن الفائت، تتحول الى منطقة جاذبة، ذات اغوائية خاصة. ولا نبالغ ان قلنا إن القصة القصيرة عربياً عاشت مجدها التأسيسي والتنويري المتألق في تلك الفترة. الى الدرجة التي استطاعت فيها القصة القصيرة، أن تستدرج العديد من عمالقة الكتابة الروائية وعلى رأسهم صاحب نوبل نجيب محفوظ. لكن المفارقة العجيبة تكمن في حالة الإقصاء التي عاشتها القصة القصيرة منذ مطلع الألفية الجديدة ، أو فبل ذلك بقليل.
وقد وصل هذا التهميش والإقصاء درجة ماحقة وهارسة، جعلت أحد النقاد العراقيين، يقدم ورقة في المؤتمر الذي عقدته جمعية النقاد الاردنيين في عمان قبل اسبوعين، تحت عنوان «القصة القصيرة في الوقت الراهن»، طالب من خلالها بتكفين القصة القصيرة، والكف عن كتابتها لأنها استكملت حضورها التاريخي، داعياً القصة القصيرة الى الالتحاق بالرواية. وهذا الطرح يحيلنا الى التفكير جديا في السر الذي جعل الرواية تمتلك كل هذا التسيد في الجذب الكتابي والقرائي العربي، الى الدرجة التي صرنا نسمع مقولات تشير الى ان الرواية حلت محل الشعر عربياً وصارت هي ديوان العرب. وكي نؤكد حالة تفشي كتابة الرواية عربيا بما يُشبه «الفزعة» نقول إن العديد من الشعراء العرب غادروا مناخاتهم الشعرية منذ أمد بعيد، وأخذوا يهرولون باتجاه الرواية وكتابتها، وباتو يتعاملون مع إرثهم الشعري بنوع من الصبيانية التي غادروها بعد أن اكتملت رجولتهم الابداعية بكتابة الرواية.
وأعرف العديد من كُتاب القصة القصيرة العرب الذين ارتحلوا من منطقة الكتابة القصصية، الى منطقة الرواية، قد تعاملوا مع هذا الارتحال على اعتبار أن القصة القصيرة كانت بالنسبة لهم مجرد تدريب على كتابة الرواية، لا بل أعرف واحدا منهم قال لي بعد أن صدرت روايته الأولى : «الحمد لله الآن صرت روائياً».
والغريب أن دور النشر العالمية أخذت تعمل بجدية عالية على تشجيع كتابة الرواية كصنف إبداعي وحيد، وصار العالم يحتفي بالرواية من خلال المهرجانات ورصد الجوائز العديدة للرواية، والأغرب من هذا كله هو اهتمام بعض دور النشر العالمية بترجمة العديد من النصوص الروائية، وخصوصاً تلك الأعمال الروائية العربية التي يسعى كتابها من خلال نصهم الروائي الى فضح البنية الاجتماعية العربية، وأخص بالذكر هنا بعض الروايات النسوية العربية. وجلّ ما نخشاه من كل هذا التزاحم في الغواية الروائية العربية هو تحول بعض كُتاب الرواية العربية الى القيام بالدور الذي قام به المستشرق الغربي حينما حطّ في المنطقة العربية منذ أكثر من قرن، كي يمهد لاحتلالات أكلت الأخضر وأبقت على اليابس الذي ظل يقيم في رؤوسنا حتى هذه اللحظة.
khaleilq@yahoo.com |