حتى أنت يا إسماعيل!
|
|
توقفت الاثنين الماضي في العاصمة الهولندية أمستردام لنصف يوم فقط، وأنا في طريقي إلى الولايات المتحدة في مهمة رسمية تستغرق شهراً. صديقي الهولندي العجوز إسماعيل كان في غاية التلهف للالتقاء بي ولتبادل التهاني بمناسبة شهر رمضان. ثم طلبت منه فوراً أن يتوقف عن إرسال أصحابه من المستشرقين إليّ، الذين بسببه أزعجوني سواء بلقاءات التعارف أو الاتصالات أو حتى الايميلات. لا أنكر أن اسماعيل يرّوج لي أمام زملائه من باب الإعجاب نظراً لمحبتي للدراسات الإنسانية، ولكن هذا كثير يا اسماعيل.
اسماعيل لم يكتف بأن يكون أوروبياً مستشرقاً فقط، بل مستعرباً حتى في عادات العرب وأساليب معيشتهم وحديثهم، حيث يُكثر في شهر رمضان من استخدام جُمل مثل «الحمد لله» و«ما شاء الله» و«إن شاء الله» و«بارك الله فيك» و«اللهم صلِّ وسلم على سيدنا محمد»، حتى أنه إذا جلس أو رفع شيئاً يقول «بسم الله»، وعندما يكون متضايقاً يقول «أستغفر الله العظيم»! ولا يأكل أمام العامة في النهار احتراماً لمشاعر الجاليات المسلمة الموجودة في امستردام، ودائم التردد على المسجد بعد صلاة التراويح للاستماع إلى المواعظ الدينية والاشتراك في طرح الأسئلة الدينية أو تقديم مداخلة، ويستخدم المسبحة ليسبح بها في المسجد أثناء الموعظة، ويهز رأسه خشوعاً أثناء سماعه للقرآن أو قراءته له. كما يشارك العرب في مناسباتهم، ويسهم في جلب بعض الطعام من منزله لتقديمه للصائمين. ورغم أنه ليس بمسلم إلا أنه يشعر بالراحة النفسية التي تجعله أكثر قرباً من الجالية العربية التي تكن له المحبة والتقدير، فهو نموذج غربي ناجح استطاع كسر حاجز الرهبة والاجتناب الذي يعاني منه أغلب الغربيين أمام العرب والمسلمين في أي أمر يتعلق بالشؤون الدينية أو الاجتماعية.
نظر إليّ اسماعيل بعتاب وقال «لقد أمضيت عمري كله في الدراسات العربية، ورغم أنني لست بعربي إلا أن العروبة أشعر بها تتغلغل في عروقي، وبأني أعتب على العرب في البلدان العربية جميعها وكُلي ألم ومرارة، فقد بلغني أنكم تعاملون غير المسلمين بسوء»!، قلت لإسماعيل «هذا الكلام غير صحيح، من قال لك هذا؟ بل بالعكس، فالغربيون لدينا مثلاً يتبؤون مراكز ممتازة». قال اسماعيل «أنا لا أقصد هذا، في شهر رمضان يكثر بيع الكتب الدينية في الأسواق والمراكز التجارية في البلدان العربية، ولكنكم تضعون لافتات تحذيرية فوق تلك الكتب تحذرون فيها كل من هو غير مسلم من مجرد لمسها، نحن أيضاً لدينا كتب دينية لكننا لم نعامل من لا يتّبع ديانتنا على أنه نجس»، بصراحة أحرجني اسماعيل ولم أجد جواباً، فطلبت منه تغيير الموضوع، فكلمني عن مسلسلي «فريج» و«شعبية الكرتون»، فقلت له «حتى أنت يا اسماعيل»، نكمل الأسبوع المقبل مع اسماعيل salem.humaid@yahoo.com |