لن أكيل المديح لمؤسسة الإمارات للاتصالات على جرأتها في الإعلان عن تعرضها لعملية اختلاس مبلغ 27 مليون درهم من قبل موظفة مسؤولة عن الرواتب، ولكن أريد أن ألفت النظر فقط إلى أهمية الشفافية والصراحة والوضوح، وفوائد المكاشفة والنشر الفوري في مجتمع مثل مجتمعنا، يعشق فيه الكثيرون ترويج الشائعات، والاصطياد في الماء العكر، واغتنام الفرص للزج بأسماء الأشخاص والمؤسسات،لأهداف كيدية وشخصية في بعض الأحيان، وبسذاجة وتفاهة في أحيان أخرى! هل يمكننا أن نتخيل السيناريو المتوقع حدوثه، لو لم تتحمل «اتصالات» المسؤولية، وتعلن بكل شفافية وجرأة، عن تعرضها لعملية الاختلاس التي نشرتها «الإمارات اليوم» الأحد الماضي؟ بالتأكيد ستبدأ «شلل الأنس»، و«هواة الشائعات»، وعناكب «الإنترنت»، بالتغريد والتأليف، وحياكة القصص «الهوليوودية» الخيالية، وستبدأ «المسجات» بالانتشار، وكل من يكره مؤسسة أو شركة أو مسؤولاً في هيئة، سيؤلف له «مسجاً» خاصاً من بنات أفكاره، ليؤكد أنه الشخص المقصود، وأن الحادثة وقعت في الشركة الفلانية أو المؤسسة العلانية، وبضغطة «إرسال» واحدة، يصبح الإنسان بين ليلة وضحاها مطعوناً في نزاهته وسمعته وأمانته!
«التكتيم الإعلامي» دائماً ما يدفع بأسهم سوق الشائعات إلى أعلى مستويات التداول، والسكوت في توقيت يتحتم فيه الكلام، يتيح الفرصة المواتية لهواة التأليف لوضع الجمل والكلمات التي تناسب أمزجتهم، ليشكلوا منها حكايات وروايات تجوب الهواتف النقالة والمواقع الإلكترونية، التي تنقل بدورها كل شائعة أو كذبة على أنها حقيقة مسلم بها، ومن ثم تنتقل الشائعة «الإلكترونية» من الشاشات الى الألسن، لتضرب عرض البلاد وطولها قبل أن يرتد طرف من يقرأها إليه. إنه بالفعل عصر السرعة! من جهتنا لم نشأ أن نذكر اسم الشركة في الخبر الأول، لأسباب تتعلق بسياستنا التي تحتم علينا إيجاد «رأي» أطراف الخبر كافة في الموضوع المنشور، وبما أننا لم نحصل على تأكيد أو نفي من «اتصالات» في حينها، فضلنا عدم ذكر الاسم، وهي مسألة مهنية تحتمها علينا تقاليد وأعراف الصحافة الموضوعية، ولكن هيهات أن يفهم كثير من هواة التصيد ذلك، وبالتالي فالمجال خصب لوضع أسباب وروايات وحكايات لا أصل لها، إلا أن موقف «اتصالات» في اليوم التالي مباشرة أغلق الباب على هؤلاء، وحرمهم فرصة التمتع بالزج بالأسماء، وممارسة هواية نقل «التخريفات» و«تبهيرها»! من جانب «اتصالات» أعتقد أن المؤسسة اتخذت القرار الصعب، لكنه كان صحيحاً دون شك، فالاعتراف بالخطأ، وتطمين المساهمين باستعادة المبلغ بالكامل، مع تأكيد التنسيق مع الجهات الأمنية وتحويل القضية الى ساحات القضاء بعد انتهاء التحقيقات الداخلية، كان أفضل بكثير من الخيار الأسهل وهو السكوت والتكتم، الذي لم يكن ليستمر طويلاً، وبالتالي ستكون نتائجه سلبية بالكامل على المؤسسة وموظفيها. «اتصالات» لن يضرهاً إطلاقاً، ولن يقلل من مكانتها وسمعتها ودورها الريادي وجود موظف أو أكثر مارسوا أعمالاً منافية للقانون، فهذه النماذج من الموظفين منتشرة في كل مكان، وفي كل المؤسسات هناك الصالح والطالح، وهناك المجتهد والفاسد، ولكن التعامل مع هذه النوعيات هو الفيصل الحقيقي في نجاح أو فشل أي إدارة أو شركة. فهل نعي الآن درس الشفافية والوضوح أم نستمر في سياسة التكتيم وفتح سوق سوداء للشائعات و«المسجات» المسيئة!
reyami@emaratalyoum.com
|