الزمـن يفتـك بالجسد ببطء

 الشيخوخة تتفاوت من شخص لآخر. فوتوز دوت كوم

 

يُعتبر التقدم في العمر أمراً محتماً على جميع الكائنات، لا بل يعتبر من أكثر الامور التي تشغل بال الناس، وتثير لديهم القلق والهموم، وتحفزهم على بذل جهود كبيرة للتغلب على مظاهره التي تتفاوت من عضو لآخر ومن شخص لآخر، وعلى الرغم من أن تفاصيل التقدم في العمر لم تكن واضحة علمياً من قبل بصور تفصيلية، إلا أن علماء فرنسيين استطاعوا أخيراً الكشف عن مراحل وأزمنة تقدم أعضاء الجسم البشري الداخلية في العمر وصولاً الى مرحلة الشيخوخة. وقامت الخبيرة الفرنسية أنجيلا إبستين، بتحديد العمر الذي يبدأ عنده كل عضو بخسارة معركته أمام الزمن الذي يفتك بالجسد ببطء، والشيخوخة تدريجياً، وتضمنت الدراسة أعضاء الجسم ابتداءً من الدماغ، والأحشاء والأمعاء، والصدر، والمثانة، والرئة، والصوت، والعين، والقلب، والكبد، والكليتين، والبروستاتا، والعظام، والأسنان، والعضلات، والسمع، والتذوق والشم، والخصوبة، وانتهاء بالشعر.

 

وبيّنت إبستين أن الدماغ الذي يعتبر أهم أعضاء الجسم، يبدأ بالشيخوخة من سن الـ20، حيث تقل ابتداءً من هذه السن الخلايا العصبية في الدماغ، بالإضافة إلى الأعصاب، وتقول «نبدأ حياتنا بـ100 مليار خلية عصبية، ولكننا نبدأ بخسارتها تدريجياً ابتداءً من الـ20، وفي سن الـ40 يمكن أن نبدأ بخسارة نحو 10 آلاف خلية يومياً، ما يؤثر في الذاكرة، والتنظيم، والوظيفة الدماغية.

 

وعلى الرغم من أن ممارسة الحياة الزوجية  والقدرة على الانجاب أمر مستمر بالنسبة للرجل، إلا أن الأطباء الفرنسيين أوضحوا أن جودة الحيوانات المنوية لدى الرجال تبدأ في التضاؤل ابتداءً من سن الـ35، بينما ينخفض أعدادها ابتداءً من سن الـ45 بمعدل الثلث، حيث يبدأ الحمل حينها بمواجهة جملة من المتاعب منها سقوط الجنين.  وتعتبر الأمعاء الصحية هي التي تحظى بتوازن جيد بين البكـتيريا الحميدة والأخرى الضارة، إلا أن مستـويات البكتيريا الحميدة تبدأ بالتناقـص بعد سن الـ55، وتحديداً في منطقة الأمعاء الغليـظة.

 

وذلك بحسب الاستاذ في علم المناعة في جامعة بارت ولندن الدكتور توم ماكدونالد، الذي قال إن «نتيجة ذلك أن يبدأ الانسان في التعرض لعسر في الهضم، وارتفاع مخاطر الإصابة بأمراض الأمعاء. ويعتبر الإمساك من أبرز الأعراض التي يعاني منها الأفراد مع التقدم في العمر، حيث تبدأ السوائل المهضمة التي تتكون من المعدة، والكبد، والبنكرياس، والأمعاء الدقيقة في التباطؤ تدريجياً، إلا أن الصدر يبدأ بالشيخوخة ابتداء من عمر الـ 35، حيث يبدأ صدر المرأة في الثلاثينات من عمرها بخسارة الأنسجة والشحوم، ما يسبب انخفاضاً في الحجم والامتلاء، بينما يبدأ الصدر بالتهدل ابتداءً من سن الـ40، وتبدأ منطقة الهالة التي تحيط بالحلمة في الانكماش والتقلص بشكل واضح.

 

وبينت الدراسة أن غالبية الناس يعانون في الـ60 من العمر قلة السيطرة والتحكم بالمثانة، وتعتبر النساء أكثر عرضة لمشكلات المثانة، حيث يعانين بعد فترة سن اليأس، من تراجع مستويات الأستروجين، التي تسبب الضعف في أنسجة القناة التي يمر من خلالها البول، والتي تصبح أكثر ضعفاً ورقة، ما يقلل من دعم المثانة، وتصل سعة وقدرة المثانة عامة إلى نصف قدرة الأفراد الأكثر شباباً.

 

وكما هو الحال في الدماغ، تبدأ الرئة أيضاً بالشيخوخة عند سن الـ20، حيث تبدأ تدريجياً سعة الرئة بالانخفاض من هذه السن، بينما قد تصل ببعض الأفراد في سن الـ40 بأن يواجهوا قلة ونقص في القدرة على التنفس، الأمر الذي يعود سببه جزئياً إلى تصلب العضلات وأضلاع القفص الصدري التي تتحكم بالتنفس، إلى جانب الرئة، يأتي الصوت الذي يشيخ ابتداءً من سن الـ65، حيث يصبح خفيضاً وأجش تدريجياً مع تقدم العمر، وذلك بسبب ضعف الأنسجة الرقيقة الموجودة في الحنجرة، ما يؤثر في نبرة الصوت، وارتفاعه، وجودته، وفيما يخص المرأة فإن صوتها قد يصبح تدريجياً أجش أو أخفض في النبرة من السابق، بينما قد يصبح صوت الرجل أرفع وأعلى في النبرة مع التقدم في العمر.

 

العيون والقلب

يعد ارتداء النظارة الطبية مشهداً اعتياداً وطبيعياً لدى كبار السن ومتوسطي العمر، حيث تبدأ العين في الشيخوخة ابتداءً من سن الـ40، حين يبدأ النظر بالعجز، خصوصاً رؤية الأشياء القريبة، وبالإضافة إلى القلب الذي يبدأ بالشيخوخة في السن ذاتها، حيث يضعف ضخ القلب للدم حول الجسم مع مرور الزمن، وذلك بسبب قلة مرونة الأوردة، بينما تتصلب وتقوى الشرايين وتسد بسبب الشحوم التي تتشكل على زوايا الشرايين، الناتجة عن تناول أكلات تحتوي على الدهون المشبعة، ما يعني قلة تزويد القلب بالدم، بينما يواجه الرجال في سن الـ45، والنساء في سن الـ55 مخاطر أكبر للإصابة بالذبحات القلبية.

 

ويعتبر الكبد من آخر أعضاء الجسم إصابة بالشيخوخة التي تبدأ منذ سن الـ 70، وهو العضو الوحيد في الجسم الذي يعد قادراً على محاربة التقدم بالعمر، بينما تبدأ الكليتين بعملية التقدم بالعمر ابتداءً من سن الـ50، حيث تبدأ أعداد الوحدات المرشحة للسموم، التي تخرجها من مجرى الدم في الجسم، بالتناقص مع الوصول إلى منتصف العمر.

 

ويوضح مدير مركز البروستاتا في لندن، البروفيسور روجر كيربي، أنه عادة ما تبدأ البروستاتا بالتضخم مع التقدم بالعمر، حيث تبدأ شيخوختها عند سن الـ50، مسببة مشكلات مثل ازدياد الحاجة إلى التبول، التي تعرف بمرض تضخم البروستاتا الحميد، والذي يعاني منه نصف الرجال ممن تعدوا سن الـ50، لكن نادراً ما يعاني منها من هم دون الـ40 عاماً، وهو مرض يظهر عندما تبدأ البروستاتا بامتصاص كميات كبيرة من الهرمون الذكري «التستيستيرون» الذي يزيد من نمو الخلايا في البروستاتا، بينما يوازي حجم البروستاتا الطبيعية حجم الجوزة، إلا أن الظروف المختلفة يمكن أن تزيد من حجمها حتى تصل إلى حجم ثمرة اليوسفي.

 

عظام وأسنان

وأوضح الاستاذ في علم المفاصل والعظام في جامعة إينتري الطبية في مدينة ليفربول البريطانية، روبرت مووتس، أنه وبمرور الزمن تتلاشى وتتكسر العظام القديمة بسبب إنتاج خلايا جديدة تسمى «أستيوكلاست» التي تحتل مكانها الجديد بسبب خلايا بناء العظام المسماة «أوستيوبلاست»، وهي العملية التي تسمى بالتبديل العظمي، التي تحدث عند الأطفال بطريقة سريعة ومستمرة، بينما تأخذ وقتاً طويلاً جداً مع الراشدين وكبار السن، حيث تستمر هذه العملية حتى منتصف عشرينات العمر، إلا أنه وعند سن الـ35 عاماً، تبدأ العظام بفقدان كثافتها كجزء طبيعي من عملية التقدم في السن الطبيعية، وبعد العظام تأتي الأسنان، التي تبدأ شيخوختها عند سن الـ40، حيث يقل إنتاج اللعاب المسؤول عن تنظيف الفم من البكتيريا، وبالتالي تصبح الأسنان واللثة اكثر ضعفاً، بسبب مواجهتها نسبة أكبر من البكتيريا، كما يعتبر انخفاض كثافة أنسجة اللثة أمراً شائعاً بين الأفراد فوق سن الـ.40

ويضيف مووتس أن العضلات تُبنى وتهدم باستمرار، وهي عملية متوازنة بشكل كبير لدى الشباب والصغار، إلا أنها وبمرور الزمن والوصول إلى سن الـ30، تصبح عملية الهدم أكبر من البناء، ومع الوصول لسن الـ40 يبدأ الأفراد بفقدان بين 0.5 و0.2% من عضلاتهم سنوياً، إلا أن الممارسة المنتظمة للتمارين الرياضية يمكن أن تساعد على الوقاية من هذه الخسارة.

 

ويعتبر منتصف الخمسينات من العمر هو الفترة التي يبدأ فيها السمع بالشيخوخة، حيث يخسر أكثر من نصف الأفراد القدرة على السمع بسبب التقدم في العمر، وذلك بناء على بيانات من المعهد الوطني الملكية للصم، بينما تبدأ البشرة بشيخوختها عند سن الـ20، كما تشيخ حاستا التذوق والشم عند سن الـ20، حيث يبدأ المرء حياته بـ10 آلاف برعم على اللسان، بينما يقل العدد إلى النصف مع مرور الزمن، حيث تقل الحاستان عند الوصول إلى سن الـ.60

 

خصوبة

وفي ما يخص الخصوبة، فإنها تشيخ ابتداءً من سن الـ35 لدى النساء، حيث يبدأ عدد البويضات في المبايض بالتناقص مع مرور الزمن، كما أن حدود الرحم قد تبدأ بالترقق، ما يجعله أكثر ضعفاً من أن يحمل بويضة ملقحة على جداره، بالإضافة إلى أنها تعتبر بيئة معادية للحيوانات المنوية.

 

أما الشعر فإنه يبدأ بالشيخوخة عند سن الـ30، حين يبدأ الرجل عادة بفقدان شعره في ثلاثيناته، حيث يعد الشعر في أكياس صغيرة جداً، تحت سطح البشرة مباشرة،  التي تعرف بالبصيلات، لتنمو الشعرة عادة من كل بصيلة وتعيش لمدة ثلاث سنوات، لتسقط بعد ذلك وتنمو مكانها شعرة جديدة، كما يظهر لأغلب الأفراد بعض الشعر الأبيض عند سن الـ35، حيث يكون الشعر في سن أصغر ملوناً بصباغ ينتج من خلايا في بصيلة الشعر تعرف بالـ«ميلانوسيتس».
 
عن «ديلي تلغراف»
تويتر