مجرد فكرة
يبدو أن الهرب من الواقع لا يتم تماماً إلا عبر فكرة مثالية يضعها مفكر ما، ثم يمنحها اسماً أو كنية يجري ترتيب الأنســـاق عليها، ومن ثم ممارسة سلطة تمنح المفكر الحق في حكم المخلوقات ما دام حلمه بالسيادة السياسية قد ظل داخلياً، ولم يخرج الى ما هو أبعد من أجفانه المتعبة.
أفلاطون مثلاً لم يجد سوى فكرة «الجمهورية»، أما أرسطو فلاذ بكنية «الوسط الذهبي» في ما اقترب اوغسطين اكثر حين لقبها بـ«مدينة الله» أما الفارابي فاطلق على مدينته اسم «المدينة الفاضلة» وراح يلعب في جنباتها الى أن مات.
نحن إذن أمام اسماء مدنألا ظلت محض خيال، رغم انها انتمت لرؤوس احتكرت العقل الإنساني في طرحها الرؤيوي ورسمت معظم نشاطاته، ولكنها وبحسب خطة الهرب من الواقع لم يدر في محاورها أن الواقع سيظل قائماً.
ربما كان الخطأ في هذه المدن أنها صيغت لتكون ملاذا جمعيا على اعتبار أن حلم افلاطون هو حلم جاره الساقي أو التاجر وربما غاب عن مبدعي هذه المدن أننا قد نجد عائلة مكونة من خمسة أشخاص فيها خمسة أحلام بمعنى خمس مدن لن تجتمع تحت سقف واحد.
غير انها قد تجتمع على خمسة أسئلة هي كيف نلتقي؟ ولماذا نلتقي؟ وهل ثمة ضرورة لأن نلتقي على صحن واحد ونشرب من نهر واحد ونخضع لقوانين واحدة؟ وماذا يعني الاختلاف؟ وما لون المنطقة التي تقع بين الرأي والرأي الآخر؟.
حين تهيأ لهتلر غزو جيرانه كون جيشاً يتحرك حركة واحدة ويلتفت التفاته واحدة ويأخذ أمراً واحداً حتى إنه وقبل أن تبدأ المعركة صعد بفرقة كاملة فوق سطح عمارة واعطاها الأمر «الى الأمام سر»، فتوقفت حين اقتربت من الحافة، فأعلن أن الجاهزية ناقصة وبعد مدة جرب الأمر نفسه فتقاطرت الفرقة حتى سقطت عن سطح العمارة فابتهج، وأعلن أن الوقت حان وأن الجاهزية كاملة.
نسوق هذه القصة لكي نقول إننا سواء كنا في مدينة افلاطون أو في ألمانيا الهتلرية سوف نلمس أن الانسان مجرد فكرة أي أنه ليس المقصود بالجمهورية، كما انه ليس المقصود بالدم الأزرق وأن الأمر برمته لا يؤكد إلا حقيقة بينة هي أن الســـلطة بوصفها ظاهرة، أو مغمورة تنتج فيضها بمعنى أن كل فكرة تنطلق هي سعي صريح من أجل السلطة.
قد يكون هذا الكلام صادماً ولكن متاع الدنيا يحصر احياناً ما بين المال والنفوذ، فلا عـــجب أن تتـــورم نفـــس وتتقوى الى الحد الذي يعني انها يمكن ان ترسم الطريق لكل المشاة، اضـــافة الى رسم مقاصدهم. ألاخلاصة القول إن الإنســـان الذي كان فـــطرياً ضـــاع تماما، ولم يصل الى حريته في هذه الغثاثة أو المرارة المتصلة التي جعلت الفرق بين افلاطون وهتلر هو أن الاول سعى الى تكريس ســـلطته من خـــلال جماليات القـــيم، أما الثاني فـــكان يكـــرسها من خلال اللعب بالدم والجماجم البشري
zeyad_alanani@yahoo.com |
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news