خالد الراشد: لا أريد أن أقول سوى شعري
الشاعر الإماراتي خالد الراشد: لم أعد أحب المدن الثرية الإقامة سبع سنوات على قمم جبال الهملايا كانت مثمرة روحياً وحسياً وإبداعياً بالنسبة للشاعر الإماراتي خالد الراشد «سبع سنوات حملت إلى الهملايا جسدي فقط، وصقلت عواصفها روحي، كتبت «منمنمات، وراما روز، والياسمين الأبيض»، وهذه مجموعاتي الجديدة التي ستطبع لاحقاً هنا في الإمارات، قبل ذلك لم افعل أي شيء طيلة 20 عاما».
وفكرة ذهاب الراشد إلى الهملايا لم تكن في البال، وهنا يقول لـ«الإمارات اليوم» في حوار خلال زيارته إلى دبي، أخيراً، عن حريته «لماذا تريدونني أن أغرد في قفص وقد خلقت بجناحين ولسان وقدمين، أنا أخذت جسدي إلى الهملايا، لكن روحي كانت هناك منذ آلاف السنين».
ومثلت الإقامة على أعلى قمة في العالم، تحدياً جديداً للشاعر الإماراتي، فهو العربي الوحيد الذي ذهب وأقام هناك، «كنت ابحث عن كيفية التخلص من وحدتي في الهملايا، التي حملتها على كاهلي في أيام الشباب حتى بلغت الأربعين، ثم تنفستها وكأنها هواء «منالي» المدينة الجميلة في قلب الهملايا، لكنني تعلمت في الهند توازني الداخلي بين الذكر والأنثى في علم يسمونه «التيانترا» وأنا معلم فيه ولي تلاميذ، فأنا داخلياً متوازن».
في ديوانه الأول، الذي جمع فيه تجربته على مدى 20 سنة، حمل رموزاً ومفردات خاصة به، فالطريق إلى البيت، والبيت نفسه، كان مقبرة كما يقول الشاعر الراشد «كاد البيت يكون مقبرة لي، الآن لاتزال تصقلني جبال الهملايا، فالهملايا هي صحرائي، وأنا رجل من الصحراء».
ترك الشاعر الراشد كل شيء خلفه ومضى إلى الهملايا في رحلة بحث عن حياة جديدة، يختارها هو، ويقررها كما يريد، «لم أذهب إلى الهملايا هارباً من مشكلة أو وضع ما، فأنا بوسعي التعامل في أي مكان ومع كل البشر»، وأضاف «كنت غريباً عن امرأتي في الإمارات، وتحولت إلى كائن بسيط تحتضنه امرأة في الهملايا، وباسمها كتبت مجموعتي التي ستصدر قريباً «راما روز» وباسمها ستصدر أيضاً مجموعتي الأخرى «الياسمين الأبيض» وقبل ذلك مجموعة سميتها «منمنمات»، المجموعات الثلاث من شعري هي كل ما قالته لي تلك المرأة، لم أزد عليها شيئاً، ولم أحرفها، فأنا ممسوس بهذا الحب المقدس، هذه الفلسفات التي يأتي الناس إليها على قمة الهملايا هي الطحين للمطحونين، تعلمهم كيف يشعرون بحواسهم الخمس التي لا يمكن أن تستعملها في المدن المطحونة مع الناس المطحونين الذين يتحولون إلى ديكورات».
الماضي بالنسبة للشاعر الإماراتي الراشد كان محل إعادة نظر، بل سعى إلى الخروج منه إلى عالم جديد، وأصدقاء جدد، وحياة بعيدة كل البعد عن الخلافات انطلاقاً من بحثه عن طريق وبيت جديدين «أصدقائي القدامى كلهم انتهوا من حياتي، لأنهم قابلون للنهاية، وحكموا على أنفسهم بذلك»، ورداً على سؤال عما يريده الشاعر الراشد من خلال إقامته على قمة الهملايا «أنا ابحث عن سر الوردة الذهبية، أريد أن ألقح هذه الوردة، وأشرب من مائها العذب، وربما من خلال التأمل، حياتي في الهملايا مطمئنة، وراضية مرضية، يبتسم ويضيف: في الهملايا أصحو في الخامسة صباحاً يومياً، لأقول شكرا للظلام الذي أراه، ثم أقول أهلا للنور الذي أراه، وأشكر نفسي لأني موجود، أكتب شعري وسط الطبيعة، بعيداً عن أي غضب أو أي حسد أو حقد علمتني إياه المدينة السابقة، الطبيعة معلمتي الكبيرة ، الأنثى علمتني كيف أنظر إلى نفسي وأفكر فيها في الهملايا».
الحياة على أعلى قمة في العالم أعادت للراشد الكثير مما فقده في صخب المدن، واللهاث خلف إيقاع الحياة السريع «لم اعد أحب المدن الثرية، ولا أريد أن أكون من المساكين الذين يتضورون من أي شيء، أما الصحراء فهي موجودة في طريقي، أنا لا أعرف المشي إلا في الصحراء بالمفهوم الكوني، ولم تكن الصحراء هماً حتى اكتب عنها، أنا رجل من صحراء عطشى، وأبحث عن وردة، وجدت في الهملايا صحراء حسية، فيها ناس يعلمونني وأعلمهم، فأنا رجل بلا ماض يذكر، وعندما تركت الإمارات تركت كل شيء، الوظيفة والعائلة والأصدقاء، فقط أردت تحريك جسدي الذي قادني إلى الروح، لم أكن عاتباً، كلهم كانوا بلا جدوى».
الإقامة في مكان جديد ومختلف بالنسبة للشاعر الراشد، هي بمثابة بحث جديد واكتشاف للغة والشعر من وجهة نظر مختلفة، فقد قادته مغامرته «أنا في حالة بحث، أسير في طريق ليست فيها محطات، والراحة بالنسبة لي أن أقرأ لامرأتي شعري، وأقول لها هذا ما قلته لي أيتها الشاعرة والموسيقية، المرأة التي اعرفها هي أمي، والمرأة التي سأعرفها أريد شالها في قبري، أنا تخليت عن كل شيء لأن لا شيء لي، أطفالي يعيشون في سلام، وهم مسلحون بي».
وعبر الراشد عن حزنه لفقد الشاعر محمود درويش بقوله «درويش شاعر مقتدر ومقدر، ومعلم، ليس في غيابه شيء ناقص، قال شيئاً لم يقل، قال ما لا يقال ثم مات».