تبييت النية شرط لصحة الصوم

يعرف الصوم شرعاً بأنه إمساك عن الطعام والشراب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية، ومعنى ذلك أن المرء إذا أمسك عن المفطرات بغير نية لم يكن إمساكه صوماً في الشرع، فدل ذلك على أن تبييت النية من الليل شرط لصحة صوم رمضان، والصوم الواجب من قضاء أو نذر أو كفارة، عند جمهور أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة لعموم قوله صلى الله عليه وسلم «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» كما أخرجه البخاري ومسلم من حديث عمر رضي الله تعالى عنه، وخصوص قوله صلى الله عليه وسلم «من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له» كما أخرجه النسائي وغيره من حديث حفصة بنت عمر رضي الله تعالى عنهما، وعلى هذا فمن لم ينو من الليل لم يصح صومه، ويجب عليه أن يمسك، ويقضي. غير أن السادة الأحناف أجازوا النية إلى الزوال إذا لم يكن قد تناول مفطراً لما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً من أسلم أن أَذّن في الناس أن من كان أكل فليصم بقية يومه ـ يعني يمسك عن الطعام والشراب ـ ومن لم يكن أكل فليصم فإن اليوم عاشوراء»

كما أخرجه البخاري ومسلم من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه، وقد كان صوم عاشوراء واجباً في أول الأمر. وتوسع السادة المالكية في صحة النية من أول الشهر للشهر كله، ورأوا أنه يسن تجديد النية لكل ليلة، وذلك نظراً لأن الشهر كله فريضة واحدة، فإذا نوى صومه في أوله أجزأه عن بقيته، ما لم يتخلل ذلك فطر،فإن تخلله فطر بعذر أو بغيره، وجب الاستئناف لما بقي من الأيام، وفي هذا المذهب فسحة في الدين نافعة لمن قد ينسى تبييت النية لكل ليلة، فلو أنه كان قد نوى صوم الشهر كله انسحبت هذه النية لذلك اليوم الذي نسي تبييت نيته على مذهب إمام دار الهجرة رضي الله تعالى عنه. أما صيام النفل، فإن النية فيه تجوز ما لم تزل الشمس، إن لم يكن قد أكل قبل ذلك عند جمهور أهل العلم لحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها ذات يوم «يا عائشة هل عندكم شيء؟

قالت: ما عندنا شيء، قال: فإني صائم، قالت: فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم أهديت لنا هدية، أو جاءنا زور ـ يعني ضيف ـ فلمَّا رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول الله أهديت لنا هدية، وقد خبأت لك شيئاً، قال:ما هو؟ قلت: حيس، قال: هاتيه، فجئت به فأكل ثم قال: قد كنت أصبحت صائماً، كما أخرجه مسلم فدل الحديث على جواز النية من النهار؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لما لم يجد ما يأكل نوى الصوم، وكان ذلك نهاراً، كما دل على جواز أن يفطر المتنفل إذا احتاج إلى ذلك، فإنه صلى الله عليه وسلم لما وجد الطعام وبه حاجة إليه أفطر، فالصائم المتطوع أمير نفسه كما قالوا، وقد خالف في هذا السادة المالكية، فلم يجيزوا النية بعد الفجر لفرض ولا نفل قياساً للنفل على الفرض، ولعموم حديث: «لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل»، غير أن الخلاف في هذا فيه سعة للناس.

وتحصل النية بالعزم القلبي على الصيام وإن لم يتلفظ بها، لأن النية لغة القصد والإرادة، فإذا تحقق ذلك ولو بأكلة السحر أو شربته بنية السحور، فإن من لازم ذلك ما تسحر إلا ليصبح صائماً، غير أن التلفظ بالنية أنفى للشك فيها ولهذا استحبه بعض أهل العلم لكونه يعين على العبادة باطمئنان، وقياسا على الحج الذي ثبت فيه الجهر بالنية.* كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي

تويتر