شهرزاد في رمضان
سبق للكاتب الدرامي الكبير أسامة أنور عكاشة أن نوّه بأهمية مرجعية «الليالي» لشكل المسلسل الدرامي، ووجد النص الدرامي التلفزيوني «لا يختلف عن النص الدرامي في المسرح أو في السينما في كونه يعتمد قواعد درامية واحدة هي قواعد دراما أرسطو، ولكن الاختلاف يأتي من طول العمل، أي إذا قصر يصبح سهرة في التلفزيون، تأخذ تقريباً نفس حيز المسرحية، وإذا طال يأخذ شكل مسلسل من حلقات عدة، حسبما يقتضيه الموضوع، وهو تكرار لشكل ألف ليلة وليلة».
وفي جواب للكاتب حول إمكانية ترسيخ مرجعية في كتابة الحكاية التلفزيونية وفقاً لتقاليد الحكي عند شهرزاد؟ يقول «إن المسلسل الذي قدم في مصر هو فن مصري، استوحى في أصوله جذور القصص العربي في ألف ليلة وليلة، وهو لايزال حتى اليوم تنويعاً لها، فالأسلوب الذي يتم الحكي فيه، ومن ثم التوقف عند لحظة معينة، يجعل المشاهد ينتظر، بفضول إلى اليوم الثاني، هو تكنيك ألف ليلة وليلة، وهو الأصل المعمول به في العالم».
كانت شهرزاد تستعمل، بشكل حاسم، تقنية مؤثر «حبس الأنفاس»/ ٌىنن-بفَهمْ، الذي يحصل عند لحظة من التوتر العالي، تقطع فيها أحداث الحكاية، مما يثير المتفرج ويدفعه إلى انتظار موعد البث المقبل! غير أن بنية حكاية الليالي ليست أرسطوية إنما ملحمية، فهي لا تروي حكاية شهرزاد مع شهريار، إنما تروي أيضا حكايات شهرزاد الليلية، التي لا تكتفي، لكي تنقذ نفسها من الموت، بسرد كل حكاية إلى نهايتها، إنما تحكي، وهذا هو الأهم، حكاية أخرى في داخلها لا تنتهي حتى تبدأ حكاية جديدة، لا يختلف مسارها عن مسار كل الحكايات! أساس الحكي في «الليالي» يقوم على التداخلات السردية، التي تتحقق عبر توالد سرد الحكايات داخل بنية ملحمية، وهو توالد يتحقق عن طريق تسلسل كل حكاية لحكاية أخرى تحتوي بدورها حكاية أخرى إلى نهاية الألف ليلة قبل الليلة الأخيرة! لقد مشى الألماني «غوته» في السرد على خطى شهرزاد، واستعمل طريقة سردها لحكايات مختلفة بحيث «يتشابك حدث كل حكاية مع الحدث الآخر ويُنسّي الاهتمام بالحدث الأول الاهتمام بالحدث الآخر».
ويعترف الكاتب العظيم بأن سلطانة الحكي شهرزاد قدمت له فرصة إيجاد الحلول لمشكلات فنية، حتى في عمله الأهم «فاوست» كما علمته كيف يكتشف أن فن السرد وروعته يكمنان في ما يسببانه من«حب استطلاع» يستثار إلى حد جامح، لأن على الراوي أن يسعى إلى «تعليق السرد» بدافع الاستئثار «بانتباه» السامع/ المتفرج وشدّه! يكتب الناقد عدنان مدانات «من المعروف أن الصيغ الشائعة في كتابة نصوص المسلسلات الدرامية عندنا، تعتمد على تكرار الأحداث من حلقة إلى أخرى بطريقة لا تدفع المتفرج إلى متابعة جميع الحلقات، كي يفهم ما يحصل، ولن يفوته الكثير إذا ما غفل عن مشاهدة ثلث الحلقات على اقل تقدير»! الحكمة انه من دون العودة إلى «ألف ليلة وليلة» كمصدر سردي تسلسلي أساسي، لا يمكن لنا أن نؤسس لكتابة درامية جديدة للمسلسل. alzubaidi@surfeu.de |
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news