الـســـــــحـور.. مـن قـرع الطـبـول إلى رنة «الموبايل»
مسحراتي في أحد أحياء بيروت.
عرف المسلمون وجبة السحور في شهر الصوم من السّنة النبوية، وارتبطت بطقوس الصوم، وشهر رمضان الفضيل، لنيل البركة والتقرب إلى الله عز وجل بالعبادة، وتفادي العوارض الصحية الناجمة عن الشعور بالجوع والعطش، وقد ارتبطت سنة السحور في مختلف الدول الإسلامية بمهنة «المسحراتي»، الذي يتكفل بإيقاظ الناس لتناول الوجبة الأخيرة قبل أذان الإمساك بالطواف على بيوتهم، وقرع الطبول، وإنشاد التسابيح والابتهالات النبوية، وترديد الأدعية والأناشيد الإسلامية، وبعض الفلكلور العامي، نظير أجر رمزي، أو بعض الأطعمة، إلا أن هذه المهنة بدأت تتلاشى شيئاً فشيئاً بعد ظهور وسائل الإعلام المختلفة، التي زاحمتها لتحل محلها، وتصبح مقتصرة على بعض المناطق الشعبية والريفية.
وسائل الإعلام
تقول فريدة محمد، ربة منزل، «دأبت على تناول وجبة السحور هدياً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان منذ طفولتي، حتى أصبحت مع مرور الوقت عادة لا يمكنني الاستغناء عنها في هذا الشهر الفضيل»، وتكمل «أحرص على استغلال فترة السحور في قراءة بعض آيات القرآن الكريم والصلاة، إلى جانب تناول الطعام، حيث تكمن البركة في توقيته»، وتعلق فريدة قائلة «يكمن الاختلاف بين سحور اليوم والأمس في التوقيت، الذي أصبح قبيل الفجر بساعتين فقط، وقد ساعدت وسائل الإعلام المختلفة على تأخير سنة السحور، وهو أمر مستحب، فضلاً عن غياب المسحراتي الذي كان يتكفل بعملية إيقاظ الناس لتناول السحور لتحل محله وسائل الإعلام ورنات المنبه والموبايل».
حرص
لم تعاصر شمة العامري، طالبة، المسحراتي وعرفته من خلال وجوده في «بعض الأدوار الهامشية في المسلسلات، وفي صفحات الجرائد والمجلات التي تحكي قصصه ودوره في رمضان»، وتقول «عودتني أمي أنا وإخوتي على تناول وجبة السحور يومياً في شهر رمضان الكريم، وعلى الرغم من أهمية تناولها متأخراً، إلا أن توقيت ذهابنا إلى المدرسة يعوق ذلك، حيث نضطر إلى تناوله في منتصف الليل ثم ننام لننهض باكراً إلى المدرسة»، وتعلق «أشعر بأن تناول وجبة السحور يعينني كثيراً على إكمال يومي الدراسي في شهر رمضان الكريم من دون مشقةٍ وتعب، أو شعور بالإعياء».
وكذلك الحال بالنسبة لشقيقتها شذى، حيث تقول «يتلاشى شعوري بالتعب والمشقة في المدرسة إذا ما تناولت وجبة السحور، التي تمدني بالطاقة والنشاط والحيوية»، وتكمل «ويحدث العكس في حال تفويتي لوجبة السحور، حيث يبدأ التعب جلياً عليّ في آخر اليوم الدراسي»، وهذا ما أكدته حمدة إسحاق، طالبة، قائلة «ينتابني شعور بالتعب والإرهاق إذا ما فوتت تناول وجبة السحور، وأصبح حينها عاجزة عن تأدية مهامي وواجباتي على أكمل وجه، وكذلك الحال إذا ما تهاونت في كميتها أو نوعها»، وتكمل «الأمر الذي يسهم في التأثير في نشاطي، حتى تناول وجبة الفطور».
وجبة مهمة
على الرغم من أن حصة جاسم، طالبة، تدرك أهمية تناول وجبة السحور جيداً، إلا أنها لا تتناولها باستمرار، وتقول «الساعات الطويلة التي نقضيها في المدرسة، فضلاً عن مثيلتها في تأدية الواجبات، والاستذكار، والاستعداد للامتحانات، تجعل من الصعب عليّ النهوض في ساعات الليل المتأخرة لتناول وجبة السحور باستمرار»، وتضيف «الأمر الذي يؤثر في نشاطي وحيويتي في هذا الشهر».
وتقول أمل المفتول، موظفة، «على الرغم من حرصي على تناول وجبة السحور، إلا أنني لا أستطيع تأخيرها كما يستحب، فطبيعة عملي كموظفة تتطلب مني النهوض مبكراً»، وتؤكد «يترك السحور أثراً إيجابياً في صاحبه، حيث يمنحه الحيوية والنشاط، حتى وجبة الفطور».
خير وبركة
يقول المفتي الأول والمشرف على موقع فتاوى الإنترنت في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي، الشيخ الدكتور علي مشاعل «يستحب للصائم أن يتسحر لما روى عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «استعينوا بنوم النهار على قيام الليل، وبأكل السحور على صيام النهار»، كما قال صلى الله عليه وسلم «تسحروا فإن في السحور بركة»، ويؤكد مشاعل «وقد صح أن النبي تسحر هو وزيد بن ثابت - رضي الله عنهما - فلما فرغا قام النبي إلى الصلاة فقيل لأنس كم كان قدر ما بينهما قال قدر ما يقرأ الرجل 50 آية»، ويتابع مشاعل ان «البركة موجودة في وقت السحور، ووجبة السحور من طعامها وشرابها، وهذه البركة تمتد لتجعل الاستيقاظ مبكراً، والصوم مباركاً والنفس مباركة كذلك، لهذا أمرنا النبي بأن نتسحر، وأمره سنة وهدي وخير»، ويكمل «وهدي النبي دائماً في الطعام لقيمات تقيم صلب الجسم لتقويه وتمده بالطاقة والنشاط من دون أن تشكل ثقلاً أو تخمة عليه»، وهنا يؤكد «يكون السحور مما تيسر من الطعام، شريطة ألا يكون ثقيلاً يؤدي إلى العطش، أو دسماً يتعب الجسم، ويلحق الأذى بالمعدة، فيشغل الصائم عن الصلاة والعبادة المطلوبة في رمضان، بل خفيفاً نافعاً، كالتمر واللبن، فالإكثار من الطعام داء ومرض، ومشقة وتعب».
ويضيف مشاعل «ويستحب تأخير السحور إذا تحقق بقاء الليل، كما يستحب تعجيل الفطور إذا تحقق غروب الشمس»، ويعلّق «ويعتبر تفويت السحور تفويتاً لخير وبركة ورحمة، وصلاة بعض الركعات تقرباً إلى الله، والدعاء والتسبيح له، وقراءة القرآن الكريم، كما قد تفوته أجر صلاة الفجر جماعة، فيضيع بذلك على نفسه الثواب والأجر الكبيرين».
الحلويات مفيدة
وتقول رئيسة قسم التغذية في مستشفى أم القيوين اختصاصية التغذية، آمنة سالم ضاحي، إن وجبة السحور تعتبر من الوجبات الرئيسة في رمضان؛ لأنها تعين الصائم على تحمل فترة الصيام عن الطعام من الفجر حتى المغرب، وتكمل «تكمن بركة السحور في إمداد الجسم بالطاقة والحيوية، فتمنع حدوث الإعياء، وتفادي الصداع، وتخفيف الشعور بالعطش والجوع، ومنع الكسل والخمول، وتنشيط الجهاز الهضمي».
وتؤكد آمنة «يجب أن تكون وجبة السحور معتدلة في محتوياتها حتى تمنح وتزود الجسم بالطاقة التي يحتاجها، وأن تحتوي على كربوهيدرات بطيئة الامتصاص كالحبوب والبذور، والألياف بطيئة الامتصاص كذلك كالنخالة ، والذين يعملون على إطلاق طاقة بشكل بطيء خلال ساعات الصيام، فيعملون بذلك على منع الإحساس بالجوع لمدة 6-7 ساعات».
وتكمل أن «وجبة السحور يجب ان تحتوي على منتجات ومشتقات الحليب، التي تعمل على ترطيب القناة الهضمية، وتعزيز جهاز المناعة، وبالتالي الوقاية من الأمراض، فضلاً عن احتوائها على البروتين الحيواني، والكالسيوم المفيد للعظام، وفيتامين (أ)، والفواكه والخضراوات ذات المحتوى العالي من الماء كالخيار، والخس، التي تساعد بدورها على احتفاظ الجسم بكمية من الماء فتقلل بذلك الشعور بالعطش، كما تحتوي على فيتامينات وأملاح معدنية مفيدة لجسم الإنسان، إلى جانب ضرورة تناول كميات وفيرة من السوائل كالماء والعصائر، لتفادي الشعور بالعطش خلال فترة الصيام».
وتنوّه آمنة إلى «ضرورة الحرص عن الابتعاد في وجبات السحور عن الدهون والوجبات السريعة والمقالي التي تعمل على الحرق السريع للسكر، فتجلب الشعور بالجوع، والأطعمة المالحة والمخللات التي تحتوي على بهارات كثيرة لتجنب العطش»، وتضيف «الحلويات العربية كالبقلاوة والكنافة والشوكولاته مفيدة جداً، حيث تحتوي على سكريات سريعة الامتصاص، والمشروبات التي تحتوي على الكافيين المدر للبول، الذي يفقد الجسم السوائل التي يحتاجها خلال فترة الصيام»، وتؤكد آمنة «ضرورة تأخير السحور لتجنب حرق الجلوكوز في الدم سريعاً، وبالتالي نتجنب الشعور بالجوع».
تاريخ المسحراتي
ظهرت مهنة المسحراتي منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان بلال بن رباح رضي الله عنه أول مسحراتي في التاريخ الإٍسلامي، وكان الرسول يقول «إن بلالاً ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم»، الذي كان يتولى أذان الفجر، وقد انتشرت مهنة المسحراتي بين الدول الإسلامية المختلفة، إلا أنها بدأت تتلاشى شيئاً فشيئاً بعد ظهور وسائل الإعلام المختلفة، واقتصرت على بعض المناطق الشعبية والريفية، الأمر الذي اضطرها إلى الانتقال إليها في محاولةٍ منها للبقاء، ومواجهة الانقراض، من خلال الإذاعة والتلفزيون، كما فعل الشاعر المصري الكبير فؤاد حداد الذي كتب «المسحراتي»، الذي اختص بالحارة المصرية، وانتشرت أشعاره بصوت الراحل سيد مكاوي. الشاعر جمال بخيت، المصري الأصل كذلك، وكتب «مسحراتي العرب» لينتقل به من الحارة المصرية إلى الحارة العربية، ونشره كديوان شعر باللغة العامية، لتختاره إذاعة «صوت العرب» هذه السنة لتنقله إلى المستمعين بصوت الشاعر نفسه، وبمشاركة الفنانة حنان ترك، أما الألحان والأداء الغنائي فهو للفنان التونسي الكبير لطفي بوشناق.
ومنذ ما يزيد على 10 سنوات درجت طريقة حديثة في لبنان لدعوة الناس إلى السحور، وذلك من خلال مكبرات توضع على أسقف السيارات، وتصدح بالأناشيد الدينية، وتطوف في الأحياء وتأخذ بعض الأماكن محطات وقوف مؤقتة لها ثم تكمل مسيرها.
نداء
يردّد المسحراتي مجموعة من الأدعية والأشعار العامية والنداءات، ومنها:
اصحى يا نايم وحّـد الدايم
وقول نويت بكره ان حييت
الشهر صايم والفجر قايم
اصحى يا نايم وحد الرزاق..
رمضان كريم اصحى يا نايم
وحد الدايم السعي للصوم خير من النوم
اصحى يا نايم يا نايم اصحى وحد الرزاق