«أزمة وول ستريت» تؤجج حمى اندماج عالمية بين البنوك

  الأزمة أثارت أكبر تحولات في القطاع المالي الأميركي منذ الكساد العظيم. أ.ب 

اشتدت حدة الجهود التي تبذلها مؤسسات القطاع المالي في وول ستريت مع هبوط أسعار الأسهم الأميركية إلى أدنى مستوياتها منذ ثلاثة أعوام، ما أرغم البنوك الكبرى التي تتفاقم مشكلاتها على البحث عن شركاء للاندماج معهم، احتماءً من العاصفة التي تجتاح أسواق المال. ووسط أكبر تحولات في صورة القطاع المالي تشهدها الولايات المتحدة منذ الكساد العظيم، طفت على السطح أنباء اندماجات من بين أطرافها مورغان ستانلي، ثاني أكبر بنك استثماري أميركي، وبنك الادخار «واشنطن ميوشوال» وبنك الإقراض العقاري البريطاني «اتش.بي.أو.اس». وقال الشريك المدير بمؤسسة «هوسيك كابيتال مانغمنت» في سان فرانسيسكو، فرانك هوسيك «هذا مؤشر إلى التغيرات التي تهز أساس النظام المالي في عالم اليوم».

 

وجاءت موجة صفقات الاندماج المحتملة في أعقاب الخطوة المفاجئة التي اتخذها مجلس الاحتياط الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) بتقديم قرض استثنائي بقيمة 85 مليار دولار لإنقاذ مجموعة «إيه.آي.جي»، أكبر شركات التأمين في العالم، الثلاثاء الماضي، التي لم يكن لها أثر يذكر في تهدئة المستثمرين. ودعت مذكرة بحثية من بنك «يو.بي.اس» السويسري إلى «وقف الجنون» في وقت يبدو أن أسهم القطاع المالي الأميركي تعاني من سقوط حر، وهوت سوق الأسهم الأميركية 4.7% لتسجل أدنى مستوى منذ ثلاثة أعوام، وانخفض الدولار بينما ارتفعت أسعار الذهب والنفط.

 

وجاءت خطوة إنقاذ «إيه.آي.جي» لتتوج أسبوعاً من عمليات الإنقاذ والإفلاس في وول ستريت، وجهوداً من جانب البنوك المركزية في مختلف أنحاء العالم لإغراق النظام المالي بأموال للحيلولة دون توقفه عن الحركة. وكانت النتيجة تحولات أشبه بنتائج الزلازل، إذ اختفت بعض من أكبر الأسماء في وول ستريت، أما الفائزون فهم البنوك التي تملك السيولة الكافية لالتقاط ما يتبقى من المؤسسات المنهارة بأثمان بخسة.

 

وهوت أسهم مورغان ستانلي ومنافسه الأكبر غولدمان ساكس خلال التداول، بما يصل إلى 43% و27% على الترتيب، وذلك على الرغم من أن المؤسستين أعلنتا نتائج فصلية أفضل من المتوقع الثلاثاء الماضي. وقال نائب رئيس «ام.كي.ام بارتنرز» في كليفلاند، جون أوبرايان «الخوف هو من عليه الدور، يبدو الأمر كأن الناس يتفحصون الدفاتر ويقررون، هذا هو الهدف التالي المرجح الذي يمكن أن نراهن عليه بالشراء على المكشوف، وهذا ينشر الخوف باستمرار».

 

وغذّى انخفاض الأسهم شائعات أن بنكي الاستثمار الباقيين في وول ستريت قد يضطران للتحالف مع بنك تجاري من أجل البقاء. وقال مدير قسم الدخل الثابت لدى «كابوت ماني مانغمنت» في مدينة سالم بولاية ماساتشوستس، وليام لاركن «اتوقع أن «غولدمان ساكس» و«مورغان ستانلي» يجهزان شركاء، فهما لا يريدان أن يصبحا ضحية هذا الاسبوع».

 

وتسارعت الوتيرة بعد إغلاق الأسواق، وقالت صحيفة نيويورك تايمز إن بنك مورغان ستانلي يبحث الاندماج مع بنك واكوفيا الإقليمي. وقالت «إن الرئيس التنفيذي لـ«مورغان ستانلي» جون ماك، تلقى اتصالاً هاتفيا من واكوفيا أول من أمس، لكنه يبحث أيضاً خيارات أخرى». وقال محلل الأسهم ببنك بي.ان.بي. باريبا في نيويورك، دانييل شمبري «في هذا السوق كل شيء ممكن، يبدو الأمر كأن السوق تريد اختفاء نموذج البنوك الاستثمارية». وقالت مصادر مطلعة على الوضع إن بنك واشنطن ميوشوال، الذي تحاصره خسائر الرهون العقارية، عرض نفسه للبيع، وأن المشترين المحتملين هم بنوك «سيتي غروب» و«جيه.بي مورغان» و«ويلز فارغو» و«اتش.اس.بي.سي». وقال مدير المحافظ لدى «فيرغسون ولمان كابيتال مانغمنت» في بورتلاند بولاية أوريغون، رالف كول «كل شيء معروض للبيع في عالم البنوك هذه الايام».

 

 وامتد هوس الاندماج إلى قطاعات أخرى، إذ تجري شركة كونستليشن إنرغي الأميركية للكهرباء محادثات مع أطراف أخرى حول إمكانية الاندماج معها بعد انخفاض سهمها 58% هذا الأسبوع، بفعل مخاوف المستثمرين من أن تضر الأزمة الائتمانية بنشاطها. ومع انهيار الأسهم المصرفية، قال البيت الأبيض إنه قلق على الشركات الأخرى. وسعى المرشحان الرئيسان لانتخابات الرئاسة إلى انتهاز الأزمة لكسب أصوات الناخبين، فهاجم الجمهوري جون ماكين «ثقافة أندية القمار» في وول ستريت، وشدد الديمقراطي باراك أوباما على حماية المستثمرين من الأمهات والآباء.

 

وارتفعت كلفة حماية ديون «مورغان ستانلي» و«غولدمان ساكس» بما يعكس مخاوف المستثمرين من ألا يساوي ما بحوزتهم من السندات قيمة الورق. وقال خبير استراتيجيات الأسهم لدى «ميلر تاباك وشركاه» في نيويورك، بيتر بوكفار «حدة الأزمة الائتمانية والانكماش الائتماني تتصاعد، فالحركة في مورغان ستانلي في ضوء الأرقام (النتائج)، التي جاءت أفضل من المتوقع، محيرة».

 

 وقال المتحدث باسم «غولدمان»، لوكاس فان براغ، إن انخفاض أسهم مؤسسته «نتيجة خوف غير عقلاني بالمرة، وليس قائماً على أي عوامل أساسية». أما رئيس مورغان ستانلي التنفيذي، فوجه أصابع الاتهام إلى مراهنات المضاربين البائعين على المكشوف في أسعار الأسهم، وقال «نحن وسط سوق يتحكم فيه الخوف والشائعات، والبائعون على المكشوف يدفعون الأسهم للانخفاض». وفي أحدث مثال على تدخل السلطات من دون أثر يذكر، سعت لجنة الأوراق المالية والبورصة الأميركية للحد من عمليات البيع على المكشوف.

 

وقال نائب رئيس «ام.اف غلوبال» في نيويورك، اندرو برينر «يبدو كأن اللجنة تحركت متأخرة يوماً في ما يتعلق بهذه القاعدة، فمن الواضح أن «مورغان ستانلي» محط أنظار البائعين على المكشوف». وفي وقت سابق ظهرت علامات جديدة على الأزمة. فقد ارتفعت تكلفة الاقتراض بالدولار لأجل ليلة متجاوزة 10%، في ما يشير إلى عمق انعدام الثقة في سوق الإقراض بين البنوك.

 

 من ناحية أخرى، تسعى الحكومة الأميركية لتدبير 40 مليار دولار لدعم مجلس الاحتياط الاتحادي بعد انخفاض سهم أحد الصناديق الرئيسة في سوق النقد الأميركي دون دولار للسهم، في حدث نادر ربما يؤدي إلى إثارة الذعر بين صغار المستثمرين. وقد أنفقت السلطات الأميركية حتى الآن 900 مليار دولار على دعم النظام المالي وسوق الإسكان، وربما تحصل السلطات على جانب كبير من هذا المبلغ إذا لم تنخفض أسعار الأصول عن المستويات التي هبطت إليها.

 

«واشنطن ميوشوال» تعرض نفسها للبيع  
قالت مصادر مطلعة إن «واشنطن ميوشوال»، المؤسسة الأميركية العملاقة للمدخرات والقروض التي عصفت بها الخسائر العقارية جراء أزمة الائتمان العالمية، عرضت نفسها للبيع. وقال أحد المصادر «إن الشركة التي يوجد مقرها في سياتل كلفت غولدمان ساكس ومورغان ستانلي بإدارة مزاد للبيع، وإن من بين المشترين المحتملين «سيتي غروب» و«اتش.اس.بي.سي هولدنغز» و«جيه.بي مورغان» و«ويلز وفارغو». وقال مصدر ثان «إن البيع ليس وشيكاً أو مضموناً وإن الشركة تدرس بدائل أخرى». ورفض ممثلون عن «واشنطن ميوشوال» و«تي.بي.جي» وبنوك أخرى، التعقيب، أو لم يتسن على الفور الوصول إليهم.

الأكثر مشاركة