يوم في «الإمارات اليوم»

يخوض صحافيو «الإمارات اليوم» مغامرة يومية للوصول الى مقر الصحيفة، تحاصرهم فيها شاحنات عملاقة تجر مقطورات، ويقطعون طرقا غابت عنها الصيانة منذ سنوات في منطقة القوز الصناعية «3». ووسط غابات من مداخن الاسمنت يصفّون سياراتهم، قاصدين مبنى «المجموعة الإعلامية العربية»، لتبدأ مجازفة يومية ثانية، ولكن من نوع آخر في البحث عن مواد صحافية تصنع عددا جديدا ومتميزا من «الإمارات اليوم». يبدأ السيناريو اليومي متكرراً مثل شريط سينمائي، بوصول رئيس التحرير سامي الريامي، مبكرا، ولا يجد أحدا من اسرة التحرير.. فيتجه الى مكتبه الزجاجي ذي الباب الذي لا يغلق، وقبل ان يبدأ قراءة الصحف اليومية، يبادره مدير عام التحرير باسل رفايعة بعبارته الصباحية الشهيرة «صباح الخير.. كيف حالك..

طمني عليك»، ثم يتصفحا سوياً صحف اليوم. وبعد دقائق، يلحق بهما رفيق الجرجاوي نائب مدير التحرير الذي ترتسم على وجهه يوميا علامات الضيق، من طول المسافة والازدحام المروري الذي يغلق الطرق من الشارقة الى القوز، ليدخل ثلاثتهم في نقاش حول الزحام المروري الخانق، والجدوى من «سالك». تكتمل الجلسة بالشاب العصري رمزي رجب المدير الفني، وقبل ان يجلس يبحث عن اقرب طاولة ليضع عليها اجهزة الهاتف المحمول التي يملكها، وعجز الجميع عن حصرها، وخلفه محمد عبيد مدير تحرير طبعة أبوظبي، وهو بالمناسبة منافس رمزي في هواية حمل «الموبايلات».

ومع وصول رؤساء اقسام الجريدة.. يبدأ الاجتماع اليومي لمجلس التحرير، وكالعادة يكون رئيس قسم المحليات عبدالله بني عيسى هو الفريسة الاولى الذي توجه له الملاحظات، واحيانا الانتقادات، اذا ما حملت احدى صفحات قسمه خطأً ما، لكن سرعان ما يلطِّف رئيس التحرير «ابوسعيد» الجو، ويشيد بصفحات المحليات ويصفها بالمتميزة. ويتدخل مدير عام التحرير «ابوناصر» بعبارته المعتادة «المحليات قاطرة الجريدة» ولا نقبل إلا بتميزها.

في جو اسري، تذوب فيه حساسية المناصب، يتبادل اعضاء مجلس التحرير النقاش حول مشكلات المواطنين والمقيمين، ويرسمون الخطوط الرئيسة للعدد الجديد، والتي يدونها بدوره سكرتير رئيس التحرير مهند الحافي. وبانتهاء مجلس التحرير، يبدأ سامي الريامي رحلة كتابة مقاله اليومي، وبين الحين والآخر يقاطعه رنين هاتفه المحمول الذي يعلمه سكان الامارات وما حولها، ولا يخفيه عن احد، وغالبا ما يكون المتصل قارئا يعاني مشكلة ما، ومهما كانت بساطة المشكلة، فإنه لايمانع في نشرها، حتى لا يرده خائباً

.3 نداءات

وخارج مكتب رئيس التحرير، يقف باسل رفايعة ليطلق اولى نداءاته، فله ثلاثة نداءات شهيرة كل يوم، الاول «سكيك يا اخوان»، طالباً أخباراً لنشرها في زاوية سكيك «جلابة المشاكل» التي يعدها يوميا وتنشر في الصفحة الاخيرة.

وفي وقت الظهر، يخرج من مكتبه ليطلق نداءه الثاني «وين الاولى» ويجمع باسل أفكار المحررين، ويجعل منها قصصا غير تقليدية، واحيانا يجعلها مجنونة، ويفاجئ بها رئيس التحرير، فيعلو صوته ضاحكاً «ياريال.. حرام عليك، شو هالأفكار المجنونة»، ولا ترى القصة طريقها للصفحة الاولى إلا بكلمة الريامي «زين .. زين». أما النداء الثالث لباسل فيطلقه مع اقتراب عقارب الساعة من الخامسة عصرا، مخاطباً رؤساء الاقسام «وين الصفحات.. متأخرين يا اخوان.. بنفوت في الحيط اليوم».. ويعود لمكتبه مردداً «الله لا يوفقكم»، مثيراً حالة من الضحك بين جميع المحررين.

صالة التحرير

في قسم المحليات يبدأ عبدالله بني عيسى يومه بالبحث هاتفياً عن محرري قسمه، ليجد محمد فودة محرر الشرطة يبحث عن قصة قتل او سرقة من العيار الثقيل، وأحمد الانصاري الذي يلاحق المسؤولين عن مترو الانفاق في هيئة الطرق، بينما يطارد وجيه السباعي مسؤولي الحدائق وسلامة الاغذية والنفايات في بلدية دبي. وتصل نور صيام حاملة تحقيقات النيابة واحكام القضاء في جرائم القتل والسرقة والاعتداءات، وخلفها سوزان العامري قادمة من الشارقة وفي حقيبتها الخضراء اخبار البلدية وشرطة الانجاد، ويتبعهما مصباح امين الذي يشكو دوما من التكتم على المعلومات في وزارة العمل.

ومن مواقع الحرائق تعود بشاير المطيري، حاملة خلفيات وتفاصيل تنفرد بها عن الصحف، ونكتشف انها اقتحمت النيران دون اية اعتبارات لطبيعتها الأنثوية، ودائما يستشيرها الزملاء في القضايا المتعلقة بإدارة الجنسية والإقامة. اما أحمد عاشور، فيقضي يومه بين المستشفيات، لدرجة ان زملاءه يلقبونه بالدكتور، ويبدو انه اقتنع باللقب، لذلك يأتي للصحيفة بعد الظهر، كأنه قادم لعيادته الخاصة، وهو دائم التنافس مع بشاير على احتلال الصفحة الأولى. وفي قسم المحليات، ثلاثة محرري ديسك يعملون في الظل لرسم الصورة النهائية للصفحات، محمود السمان المدقق في كل كلمة تمر تحت يديه، وقصي اللبدي الذي يداعب جميع المحررين كل يوم قائلا «زعلان منكم»، واحمد الشامي الذي يلدغ المسؤولين في الزاوية اليومية «مع الاحترام».

ويتبقى أحمد المزاحمي الذي قاربت اذناه على التورم، من سيل مكالمات الشكاوى الهاتفية التي يتلقاها كل يوم عبر الخط الساخن هو وزميلته فاتن حمودي. وفي قسم الاقتصاد، نرى حسام عبدالنبي محرر اخبار البورصة، الذي يبقى غارقا كل صباح بين الارقام، ويتلون وجهه بالاحمر تارة والاخضر تارة اخرى مع المؤشر العام للبورصة. والى جانبه، يجلس جورج فهيم المهتم باقتصاديات السياحة والطيران، وسامح عوض الله المتابع للطفرة العقارية، وقرارات دائرة الاراضي والاملاك.

اما محمد عثمان وأحمد الشربيني فهمهما اليومي، هو متابعة اسعار السوق، خصوصا اسعار الدجاج والبيض، ويتلقف صهيب كمال «محرر الديسك» تقارير الاقتصاد ليضع لمساته الاخيرة عليها. وفي الوقت الذي يعاني فيه محررو المحليات والاقتصاد الامرين في البحث عن الاخبار، ويدخلون في صراعات يومية مع المسؤولين، تجلس محررات قسم المنوعات «الوردي» في عالم آخر، ينعمن بالراحة والسكينة، ويحررن اخبارا عن احدث خطوط الموضة والملابس والاحذية.

وبينما يتعالى صوت محرر المحليات احمد عاشور، في صالة التحرير، وهو يتحدث عن اصابة 1500 شخص بالسرطان سنوياً في الدولة، تتحدث ندى الزرعوني في قسم المنوعات عن حقيبة جديدة، سعرها 1500 درهم فقط، او فستان سواريه مرصع بالالماس. وتتابع زميلاتها شيماء هناوي وروضة السويدي وعلا الشيخ اخبار الاكسسوارات النسائية، ووصفات الطعام. ولايخلو القسم من العنصر الرجالي، فمحمد عبدالمقصود يهاتف نجوم الفن في الدولة، باحثا عن حوار متميز، ويعكف زياد عبدالله على نقد فيلم سينمائي جديد. ويتولى حازم سليمان رئيس قسم المنوعات، ونائبه ابراهيم جابر رسم الصورة الاخيرة للصفحات المخملية، ليتلقاها منهما علي العامري مدير تحرير الثقافة والمنوعات مطلقا عبارته الترحيبية «هلا بالنمور.. هلا بالاسود، أطرقوا هالصفحات». وفي جزيرة منفصلة، يجتمع رفاق كفاح الكعبي رئيس القسم الرياضي «شفاه الله»، يعدون قصصاً تثير الزوابع في الوسط الرياضي كل صباح.

فهذا خالد صديق الذي لا يترك صغيرة في نادي النصر الا واحصاها، ومنصور السندي وسيد مصطفى مفجرا القضايا في اتحاد الكرة، واسامة السويسي الذي تقطعت انفاسه بين ناديي الشارقة وحتا. وتنتهي الكرة تحت يدي أحمد ابو الشايب وحميد نعمان ومحمد الحتو اللذين يتوليان الصياغة النهائية لصفحات الرياضة. ولا تتوقف اتصالات كفاح الكعبي بقسمه من المانيا التي يعالج على ارضها، وكلما واجه محررعقبة يرد عليه «أقول.. خلي روحك رياضية، والحلو ليه زعلان.. اشرب شاي سيلان». ويعيش اعضاء قسم الدوليات بعيدا عن ارض الامارات يقودهم خالد محمود الذي لا يسلم كل صباح من تعليقات الزميل السوداني عوض خيري، فهو يصر على ان السودان غني بالاهرامات، الأمر الذي يرفض خالد تصديقه.

وعلى مقربة منهما يبحر ماهر وزياد وحسن ومكي بين صفحات الانترنت، بحثا عن جديد عالم السياسة. وفي ابوظبي، هناك فريق آخر يقوده الكاتب عادل الراشد، ويضم احمد عابد واحمد هاشم ومجدي كساب وعمر حلاوي وعلاء فرغلي من المحليات، وامل منشاوي وعبير عبدالحليم من الاقتصاد، وجميعهم يطوفون الامارة، بحثا عن قضايا وهموم الناس، ليرسلوها الى محمد عبيد في دبي، ليتولى بدوره وضع الصورة النهائية لطبعة ابوظبي. وفي الشارقة، يقضي محمد جرادات يومه في البحث عن حالات انسانية تحتاج الى مساعدة، اما غراس تاج الدين مراسلة العين، فهي مهمومة دوما بمشكلات الطلاب وآلام الموظفين.

الساعات الأخيرة

وفي نهاية اليوم تدخل الصفحات إلى قسم التنفيذ، لتخضع لمشارط ثائر وسامر وماهر وجمال وسارة ومها والخطيب وفايز وأبو داوود و«الزول» ياسر، وتنتقل منهم الى ايادي قسم التدقيق اللغوي، وتخضع لتفحص أحمد إبراهيم رئيس القسم، وفواز وياسين وعلاء وأحمد صالح ومعاوية والشافعي ومحمد اسماعيل. وفي الخطوة قبل النهائية، تنتقل الصفحات إلى يد رفيق الجرجاوي، ليبدأ رحلة تفحص وتدقيق وتمحيص، ويترقبه رؤساء الأقسام ولسانهم يدعو ان تمر الصفحات من تحت يديه سالمة دون اعتراضات.

وتختتم الصفحات رحلتها، في يد سكرتارية التحرير محمد نعمان وصفاء النعيمي وعمران السكران ومعن البياري، وحديثا مصطفى كامل ليمهروها بتوقيعاتهم، قبل ان تنتقل الى مدير التحرير، ثم إلى قسم الانتاج، بين يدي أسامة الجمل وأبو بكر وعرنوس وسارة وعثمان، ثم إلى المطبعة. ومع اقتراب الساعة التاسعة والنصف مساء، أو يزيد أحيانا.. تتجه الانظار نحو مكتب باسل رفايعة، في انتظار عبارة ليلية تعني انتهاء يوم طويل وشاق من العمل، الكل ينتظره حين يرتدي جاكت بدلته، ويعلو صوته على سلم الجريدة «تصبحون على خير يا اخوان».

تويتر