فيليب تريسي.. نحّات القبّعات الراقية
قبعات تريسي أثارت اهتمام العالم. فوتوز دوت كوم
يُعد مصمم القبعات الايرلندي فيليب تريسي أحد أهم وأشهر مصممي القبعات الراقية في العالم، ويحمل لقب النحات السيريالي، بقبعاته الخاصة بالسهرة والخروج اليومي المصنوعة يدويا في مشغله الشهير في العاصمة البريطانية لندن، كما يعتبر مصمم قبعات عروض الأزياء الشهيرة، حيث يتعاون مع مصممي الأزياء العالميين في تصميم قبعات خاصة بمجموعاتهم، منهم كارل لاغرفيلد، وفالينتينو، وألكساندر ماكوين، محققا بذلك نجاحا عالميا، لموضة قد لا تكون دارجة خارج بلاده، سوى في حالات ارستقراطية خاصة جدا.
ولد فيليب تريسي في 26 مايو عام 1967 في قرية صغيرة تُدعى آسغراغ في مقاطعة غالواي غرب ايرلندا، وكان والداه يمتلكان مخبزا، حيث ترعرع مع إخوته السبعة في منزل صغير على بعد خطوات من كنيسة القرية التي قد تكون السبب الطفولي الأول الذي جعله شغوفا بالتصاميم والقبعات المزينة والاحتفاء بالجمال المكلل، وهي الفترة التي بدأ خلالها في صنع القبعات للعبة شقيقته، والتي كان يصنعها من الريش الذي كانت تقطعه والدته في أثناء إعداد الدجاج والبط للطهي.
ويذكر تريسي في أحد اللقاءات «كانت والدتي تمتلك الدجاج والأوز، والبط، فكانت بذلك جميع عناصر صنع القبعة موجودة في منزلي»، وقال «في طفولتي، كنت شغوفا بمتابعة حفلات الزفاف التي كانت تقام في الكنيسة، لقد كانت بالنسبة إلي النظير لعروض الأزياء، وكان من المدهش رؤية كل تلك الفساتين والملابس الأنيقة الفخمة، خصوصاً أننا لم نكن نعيش هذا النوع من الفخامة في بيئتنا».
خياطة
بدأ تريسي الاهتمام بالخياطة منذ كان في الخامسة من عمره، وكان يراقب بدهشة آلة الخياطة التي كانت تمتلكها والدته، والتي كان لا يسمح له بتاتا بلمسها، «كنت مبهورا بتلك الآلة ذات الإبرة سريعة التحرك القادرة على ربط الخامات ببعضها، وكنت أستخدمها في الخفاء حين كانت والدتي تذهب لإطعام الدجاج، وهي الفترة التي لم تكن تتعدى الخمس دقائق، والتي كنت خلالها أحمل تلك الآلة التي كانت تزن الكثير، وأبدأ الخياطة، وكنت أقع في ورطة كبيرة حين تكتشف والدتي ذلك». كان تريسي يخيط فساتين للعبة شقيقته «لم تكن اللعبة تهمني بشيء، كل ما أردته هو صنع الفساتين لها، كان الأمر سهلا جدا بالنسبة لي، كنت أقوم بأخذ قياس ما تحت الصدر عند التفصيل قبل أن أعرف معنى ذلك».
اهتمام تريسي بالخياطة لم يكن شأنا منزليا فقط، بل كانت مدرسته تخصص دروسا لتعليم الخياطة للبنات فقط، أما الذكور فكانو يتعلمون النجارة التي لم تعني تريسي أبدا، وفي إحدى المرات طلب نقله الى حصص الفتيات لتعلم الخياطة وعن هذا قال «كانت مدرستي صارمة جدا، ومجرد تذكري لرد فعلها الآن، فأنا أجزم بأنها كانت على وشك ضربي على رأسي، على الرغم من أن كل ما قالته لي حينها هو، حسنا».
تشجيع
سواء كان ذلك بسبب تمتع لعبتها بمجموعات كبيرة من الملابس، أو لإيمانها بموهبة تريسي، إلا أن شقيقته كانت المشجعة الوحيدة من عائلته له، على الرغم من عدم تدخل البقية سلبا أو إيجابا في موهبته، وفي عام 1985، انتقل تريسي لدراسة الأزياء في العاصمة دبلن، بينما كانت صناعة القبعات هواية يقوم بها بشكل ثانوي لتتماشى مع الفساتين التي كان يصنعها خلال الفصل الدراسي ويوضح تريسي «لم يكن هناك من أحد يحظى بالوقت الكافي لصنع القبعات، لأنها كانت مدرسة أزياء، إلا أنني وخلال دراستي، وصلت إلى مرحلة أصبحت فيها أهتم بالقبعات وصنعها بشكل أكبر من الأزياء»، ليقضي ستة أسابيع مع صانع القبعات اللندني ستيفن غونز ليتعلم منه الحرفة، وحين جاء وقت مقابلته لجنة قبوله في دورة في الكلية الملكية للفن في لندن عام 1988، أعرب تريسي عن شغفه بصنع القبعات، بينما شاءت الصدفة، وجود مخططات للكلية لإطلاق مساق في صنع القبعات.
تخرج
صنع تريسي لمشروع تخرجه مجموعة مميزة من القبعات المعروفة باسم «آسكوت هات»، والتي عادة ما تلبس في سباقات الخيول وأحداثها، التي تشتهر بتسابق النساء على ارتداء أغربها وأكثرها جمالا، سواء بالقصة أو اللون أو الفكرة، حيث قام بصنعها لمتجر «هارودز» الشهير في لندن، وهي المجموعة التي أثنت عليها مديرة الأزياء في المتجر كلير ستابز، ملقبة تريسي «بالصانع العظيم المقبل للقبعات البريطانية»، ولم يتوقف تريسي عند هذا الحد، بل قرر غزو صحافة الأزياء بقبعاته الغريبة، متجها إلى مدير الأزياء لدى مجلة «تاتلر» ميشيل روبرت، ومحررة الأزياء في المجلة «إيزابيل بلو»، التي لم تكن قد رأت سابقا، تصميما أو دقة أو حرفية عالية في التنفيذ كتلك التي قدمها لها تريسي، «لم أشعر بقصة أو ملمس كهذا من قبل، هذا شيء كبير».
صداقة
كانت قبعات تريسي محل اهتمام بلو، التي كانت على وشك الزواج، الأمر الذي جعلها تبحث عنه ليصنع لها قبعة زفافها، والتي اتخذت من أجواء القرون الوسطى فكرة لزفافها، ويتذكر تريسي قائلاً «أردت استيحاء فكرة القبعة من مسرحية تعود لفترة الثلاثينات كان اسمها «المعجزة التي كانت فيها السيدة ديانا كوبر» الأمر الذي ارتأيت أنه قد يكون مناسبا للزفاف، وكنت محظوظا، فلقد «كانت آخر سيدة يمكن أن ترتدي التقليدي من خمار من التول، أو التزين باللؤلؤ في يوم زفافها».
شانيل
استدعي تريسي إلى باريس للقاء المصمم الرئيس لدار شانيل آنذاك كارل لاغرفيلد، وهو لم يزل في الـ 23 مـن عمـره، «كنـت لا أزال شابا تخرج للتو من الجامعة، لم أكن أعلم ما إذا كان علي أن أناديه بسيد لاغرفيلد، أو أي شيء آخر، كنت خائفا تماما من كل ذلك السيناريو، إلا أن إيزي كانت كما هي تماما، بل طلبت بكل هدوء فنجانا من الشاي لكلينا». لم يصنع تريسي بعد تلك الجلسة، قبعات المجموعة الجديدة لشانيل، بل اعتمد لاغرفيلد فكرة أساسية في مجموعته تلك القبعة البيضاء الشبكية الشبيهة بالفقاعة المزينة بالشيفون الأسود الحريري، والتي كانت تزين رأس إيزي في ذلك اللقاء.
لم تكن القبعات في ذلك الوقت شكلا رائجا من أشكال الموضة، «لقد كانت فكرة القبعات مرتبطة بالنساء كبيرات السن، بينما كان ذلك جنوناً بالنسبة إلي، فللجميع رؤوس، ما يعني إمكانية أن يرتدي الجميع القبعات، وأن يشعروا بشعور جيد فيها، ما جعلني أفكر في تغيير تلك الفكرة». وبالإضافة إلى شانيل، تعـاون تريسي مع عدد من المصممين مثل فالنتينو، وجياني فيرساتشي، وإلكساندر ماكوين خلال عمله مع دار جيفنشي، بينما كانت دراسته للأزياء عاملا مثريا لعمله، «ساعدتني دراستي للأزياء في التعامل مع المصممين، لأنني أفهم كيفية تموج الفستان وحركته على الجسد، إلا أن ما لم أفهمه خلال دراستي، هو ربط الموضة بالملابس، فالموضـة ليسـت كـذلك، إنها أمـر أكـثر إثارة وإمـتاعا من ذلك، إنها مشـاعر ومزاجات، وليست صناعة للفساتين فقط».
عالم في شارع
بعد نجاح تريسي في مجـال صناعة القبعـات، انتقل من قـبو صديقتـه إليزابيـث بلـو، والتي يلقبـها بـ«إيزي» مفتتحا متجره الخاص إلى جوار منزلها عام 1994، كما افتتح مشغلا يبعد خطوات أخرى عن المتجر، و وجد شقة مقابـلة لهـذا الشـارع، ليقول «إن عالمي، لا يتعدى شارعي هذا»، عـلى الرغم من أن تريسي صمم الكـثير من قبعات الخـروج اليومي منذ عام 1991، كمـا طور تشكيلات تباع في محـال تجارية عالمية ومنتشرة مثل «دبنهامز» و«ماركس وسبنسر»، إلا أن صميم ابتكاراته التي يفضل العمل عليها هي قبعات السهرة، بينما تتم عملية صناعة القبعات يدويا، حيث يقوم في البـداية بتجربتها وتعديلها باستخدام مادة القـش المرنـة والقابلة للطوي، ليبدأ المرحلة الحقيقية من صناعة القبعات التي يزخر بها مشغله الذي يضم فريق عمل من 15 شخصا، غارقين بالريش واللآلئ والشرائط والأقمشة الأنيقة، وإلى جانب ذلك كله، تأتي يـد تـريسي وأفكاره، بعيدا عـن الآلات عالية التقنية يقول «يداي هما أجهزتي وآلاتي».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news