أسمهان
|
|
لا نعرف إن كانت هذه هي أسمهان أو نسخة شبيهة، تتقاطع مع الأصلية في بعض المفاصل والمحطات، وتفترق عنها في كثير من التفاصيل. لكن هذا ليس مهما، مادام العمل دراميا لا وثائقيا. لكن أكثر من نصف الحلقات انقضى، ونحن نعيش في كل ليلة تلك الوقائع والصراعات المكرورة التي تضخّ مللا وسأما كبيرين. ففي كل حلقة، لا بد من سفر أسمهان من الشام إلى مصر أو العكس، ولا بد من افتعال مشكلة مع شقيقها فؤاد، ولا بدّ من غضب الزوج الأمير في الجبل والسويداء، إلى أن تنتهي الحلقة على أمل برؤية أسمهان الفنانة والمغنية، وهو ما لم يتبلور حتى منتصف المسلسل بعد.
نصف المسلسل انقضى، وأسمهان تنخرط في العمل السياسي، وتناقش وتحاور في العمل العام، إلى حد جعلها شخصية مناضلة، خصوصا بعد تلك الحوارات مع الزوج الأمير، ثم تتويج ذلك بالحوار مع البريطانيين حول استقلال مصر والتحالف معهم ضد النازية وما إلى ذلك. كان يمكن لمشكلاتها مع أخيها فؤاد أن تحل في حلقة أو اثنتين، وكذلك الأمر مع الزوج الأمير، تمهيدا للدخول إلى عالم أسمهان الفني، الذي خبا انتظارنا له طوال نصف شهر.
نحن ندرك أن الخلفية الاجتماعية والثقافية والسياسية أمر ضروري وحيوي لمسلسل كهذا، ولكن هذه الخلفية ليست مطلوبة لذاتها وبالتفاصيل، لئلا نجد أنفسنا أمام كتابة تاريخ لطائفة أو إقليم جغرافي معين، وهو ما لا يتوخاه مسلسل يتناول مسيرة فنانة مغنية في مرحلة تاريخية ما. لقد انخرط مسلسل «أم كلثوم» في مساره الطبيعي منذ اللحظة الأولى، أي قبل أن تدخل أم كلثوم القاهرة.
وفي القاهرة لم يخرج المسلسل عن سياقه العام، إلا ليضيء لحظة تاريخية محددة هنا أو هناك، كان لها ارتباط وثيق بمسيرة الفنانة نفسها. ومن الواضح أن منتجي مسلسل أسمهان، وجدوا أنفسهم أمام مسيرة فنية فقيرة. فأسمهان لم تكن تلك الفنانة التي تركت وراءها إرثا غنائيا كبيرا، ولم تكن مسيرتها حافلة بالعطاء الفني، وهو ما دفع بأصحاب المسلسل إلى كتابة تاريخ جبل العرب، وصراعهم مع الفرنسيين.
وهو ما جعل من الصراع العائلي(ثيمة) يومية في المسلسل أيضا ، إلى الحد الذي جعل الكثير من المشاهد موسومة بالضجر. ناهيك عن تلك النبوءة الساذجة بموت أسمهان غرقاً! ثمة فرق بين أن نكتب مسلسلا وثائقيا لمرحلة تاريخية ما، وبين أن نصوغ عملا دراميا، له تاريخه ووقائعه، ولكنه ملتزم بالعمود الفقري الرئيس، وهو هنا أسمهان.لا نستطيع القول إن المسلسل لم ينحرف عن مساره، ولم يخرج عن سياقه. ولكن هذا الخروج لم يكن ضروريا أو فنيا، بمقدار ما كان بحثا عن مادة تملأ الفراغ الكائن في مسيرة أسمهان الفقيرة.
لم تكن أسمهان في حاجة إلى 30 ساعة درامية، وإلا لاحتاجت مدام بوفاري إلى 100 ساعة أو تزيد، وهي التي احتاجت خمس ساعات فرنسية فقط! فهل أصبحت طقوس رمضان الفنية تقتضي مسلسلا من 30 حلقة بالضرورة، أيا كانت القصة وشريطها الزمني الحقيقي؟
damra1953@yahoo.com
|