أميركا تخطط لاستخدام المال العـــام في إنقاذ البنوك.. وبريطانيا تستهدف المضاربين
بولسون وبرنانكي اجتمعا إلى أعضاء من «الكونغرس» أول من أمس لوضع خطة لحل مشكلة الأصول المصرفية المتعثرة. أ.ف.ب
اتخذت السلطات في الولايات المتحدة وأوروبا خطوات جذرية لاستعادة الثقة بأسواق المال المتعثرة أول من أمس، فاقترحت أميركا استخدام المال العام في امتصاص الديون المتعثرة المرتبطة بالرهون العقارية، وضيقت بريطانيا الخناق على عمليات البيع على المكشوف لأسهم البنوك.
وكان أثر هذه الخطوات فورياً وملموساً فارتفعت سوق الأسهم الأميركية بأكبر نسبة مئوية في يوم واحد منذ ست سنوات، ما أدى لارتفاع الدولار وأسعار النفط، بينما انخفض سعر الذهب، وانتعشت أيضاً أسواق الأسهم الآسيوية.
صندوق طوارئ ويعتزم وزير الخزانة الأميركي، هنري بولسون، ورئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي) بن برنانكي العمل خلال العطلة الأسبوعية مع الكونغرس لوضع خطة لحل مشكلة الأصول المصرفية المتعثرة التي تخنق النظام المالي. واجتمع الاثنان مع زعماء الكونغرس مساء أول من أمس، لكنهما لم يتحدثا مباشرة عن تأسيس صندوق لهذا الغرض بعد الاجتماع.
وكان اثنان من المساعدين في الكونغرس قالا إنه يجري بحث فكرة إنشاء مثل هذا الصندوق. وقال بولسون للصحافيين «تحدثنا عن أسلوب شامل يتطلب تشريعاً للتعامل مع الأصول غير السائلة في القوائم المالية للمؤسسات المالية».
وقال رئيس لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب النائب الديمقراطي عن ماساتشوستس، بارني فرانك «إن حكومة الرئيس جورج بوش تعتزم إرسال اقتراح للكونغرس الأميركي للتعامل مع الأصول المتعثرة التي تعاني منها أسواق المال العالمية المضطربة».
وبعد لقاء كبار مسؤولي الحكومة، قال فرانك «سيكون تفويضاً ـ وقد لا يكون كياناً ـ بل تفويضا لشراء الأصول المتعثرة».
وأضاف للصحافيين «إن هناك خوفاً أن إنشاء كيان رسمي قد يستغرق وقتاً طويلاً». واستطرد «يوجد إجماع تقريباً على أنه سيصدر تشريع لإيجاد مثل هذا التفويض». وكان فرانك بين كبار أعضاء الكونغرس الذين التقوا بوزير الخزانة بولسون وبن برنانكي ورئيس لجنة الأوراق المالية والبورصات، كريستوفر كوكس، في اجتماع مسائي غير معتاد في مكتب رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي في الكونغرس الأميركي.
وإذا تأسس الصندوق فسيماثل صندوقاً أنشئ لتصفية الديون المعدومة جراء أزمة المدخرات والقروض في أواخر الثمانينات، ما كلف الدولة 400 مليار دولار من المال العام آنذاك. وقال الشريك المؤسس العضو المنتدب لشركة «ساليانت بارتنرز» في هيوستون، هاج شيرمان «اعتقد أنه سيبدأ في توفير أرضية لقيم الأصول ويسمح للمؤسسات بالعمل من خلاله بطريقة منظمة، فلن تضطر (المؤسسات) للارتماء في أحضان طالبي الشراء لتجنب الانهيار».
البيع على المكشوف وفي بريطانيا فرضت هيئة الخدمات المالية حظراً لمدة أربعة أشهر على بيع أسهم المؤسسات المالية على المكشوف، وأصدرت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية أمراً استثنائياً أمس حظرت بموجبه عمليات البيع على المكشوف لعدد 799 سهماً بالقطاع المالي وذلك في محاولة لحماية المستثمرين والأسواق. وسينتهي مفعول هذا الأمر قبل منتصف الليل يوم الثاني من أكتوبر وربما يتم تجديده لفترة 10 أيام أخرى إذا اقتضت الضرورة، ولا يجوز لقرار اللجنة أن يستمر أكثر من 30 يوماً. ويقضي الأمر بأن يفصح مديرو استثمارات المؤسسات عن مبيعاتهم من الأسهم على المكشوف لبعض الأوراق المالية المتداولة.
ويتعين على المستثمرين في الوقت الحالي الكشف عن مراكزهم الدائنة الكبيرة. كما خففت اللجنة بصفة مؤقتة القيود لتمنح الشركات مزيداً من المرونة لإعادة شراء السهم. كما بدأ المدعي العام لنيويورك، أندرو كومو، تحقيقاً موسعاً في احتمالات إبرام صفقات غير قانونية من خلال البيع على المكشوف لأسهم مؤسسات وول ستريت، مثل «مورجان ستانلي» و«جولدمان ساكس».
وخلال التعاملات أول من أمس انخفضت أسهم «مورجان ستانلي» بما يصل إلى 42% وجولدمان ساكس 25% استمراراً للخسائر الكبيرة التي منيت بها في الأيام الأخيرة، ماحية عشرات المليارات من الدولارات من قيمتها السوقية، لكن أسهم المؤسستين ارتفعتا في التعاملات الالكترونية بعد الإغلاق الرسمي للبورصة عقب أنباء تحرك الحكومتين الأميركية والبريطانية. وكان المستثمرون بدأوا يطرحون التساؤلات عما إذا كان نموذج بنوك الاستثمار سيختفي وذلك بعد انهيار «ليمان براذرز هولدنغز» وخطة بيع «ميريل لينش» لـ«بنك أوف أميركا» هذا الأسبوع.
البحث عن اندماج وقالت مصادر مطلعة على مجريات الأمور «إن بنك الاستثمار مورغان ستانلي يجري محادثات للاندماج مع بنك واكوفيا الأميركي، وفي الوقت نفسه يبحث إمكانية أن ترفع مؤسسة الاستثمار الصينية، وهي صندوق الثروة السيادية الصيني، حصتها في «مورغان ستانلي» لتصل إلى 49% من 9.9%، وكان الصندوق الصيني اشترى الحصة في ديسمبر الماضي. وبدأت المباحثات مع «واكوفيا» مساء الأربعاء باقتراح طرحه الرئيس التنفيذي لواكوفيا، روبرت ستيل، على الرئيس التنفيذي لـ«مورغان ستانلي»، جون ماك، وبلغ بعد ذلك مرحلة ذات طابع رسمي.
بل دارت تكهنات أن «غولدمان ساكس»، أقوى بنوك الاستثمار، ربما يسعى للبحث عن شريك، ومن المحتمل أن يتم ذلك من خلال شراء أحد بنوك التجزئة. واستمرت محادثات أخرى أول من أمس قد تسفر عن مزيد من الاندماجات الكبرى في القطاع المصرفي.
فقد قالت مصادر مطلعة على الوضع «إن بنك واشنطن ميوتيوال الأميركي العملاق للمدخرات والقروض، الذي تحاصره خسائر الرهون العقارية، واصل استكشاف كل الخيارات المتاحة، مثل الاستمرار في المحادثات مع المشترين المحتملين أو زيادة رأس المال».
ومع ذلك، فقد أدت أنباء عن عدم توصله بعد إلى خطة لحل مشكلاته إلى تراجع أسهمه عن بعض المكاسب التي حققتها في وقت سابق في التعاملات الالكترونية بعد إغلاق البورصة.
وقالت المصادر إن المشترين المحتملين، مثل «جيه.بي. مورغان تشيس» و«ويلز فارغو»، لم يتقدموا بعد بعروض رسمية رغم استمرار المفاوضات مع أطراف عدة أبدت اهتمامها بالبنك، من بينها أيضاً بنك «اتش.اس.بي.سي» ومجموعة «سيتي غروب».
ويرزح القطاع المصرفي العالمي تحت وطأة ديون ترتبط بالرهون العقارية قيمتها مئات المليارات من الدولارات، أصبحت قيمتها أقل من القيمة الأصلية بسبب أثر ركود سوق الإسكان الأميركي وما أعقبه من أزمة ائتمانية.
وفي الأسابيع الأخيرة تدخلت الحكومة لإنقاذ ثلاث من المؤسسات المالية العملاقة هي «ايه.اي.جي»، عملاق صناعة التأمين، و«فاني ماي» و«فريدي ماك»، عملاقا صناعة الرهن العقاري.
ثقة مهزوزة لكن التحركات الرسمية لحل الأزمة لم تفعل شيئاً يذكر لاستعادة الثقة بأسواق الأسهم العالمية إلى أن ظهرت أول من أمس أنباء تضييق الخناق على البائعين على المكشوف وإمكانية وضع خطة لامتصاص الديون المتعثرة.
وبعد أن كان مؤشر داو غونز الصناعي منخفضاً نحو 150 نقطة، تحول اتجاهه وارتفع 410 نقاط. وتحول أيضاً تجاه أسهم مؤسسات مصرفية، مثل «واكوفيا»، و«واشنطن ميوتيوال»، من خسائر هائلة إلى مكاسب بنسبة 59% و49% على الترتيب.
ومع ذلك، فقد انخفضت أسهم مؤسسات الائتمان الاستثماري بفعل المخاوف من مستوى سحب الأموال من الصناديق، وانخفض سهم «ستيت ستريت كورب» 9% عند الإغلاق متصدراً الأسهم الهابطة في هذا القطاع، بعد أن بلغ انخفاضه في وقت سابق خلال التعاملات 55%.
وارتفعت حدة التوتر في صناعة الصناديق منذ انخفضت قيمة أسهم أحد أقدم وأكبر صناديق سوق النقد الأميركية دون السعر الذي دفعه المستثمرون في شرائها يوم الثلاثاء. وقال رئيس شركة «تريم تابس انفستمنت ريسيرش»، التي تتابع تدفقات الأموال من الصناديق الاستثمارية وإليها، كونراد غام «نحن نشهد كمية كبيرة من الذعر، وليس صغار المستثمرين فقط هم المذعورون بل المحترفون أيضاً».
وقالت صحيفة «وول ستريت غورنال» «إن الحكومة الأميركية قد تهيأ تأميناً لصناديق الاستثمار في أسواق النقد يماثل التأمين الذي يحكم الآن الودائع المصرفية».
وقد أنفقت السلطات الأميركية حتى الآن أو تعهدت بإنفاق 900 مليار دولار على دعم النظام المالي وسوق الإسكان، وربما تحصل السلطات على جانب كبير من هذا المبلغ إذا لم تنخفض أسعار الأصول عن المستويات التي هبطت إليها.
وجاء الحظر على البيع على المكشوف في بريطانيا بعد أن طبقت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية قواعد يتعين بمقتضاها أن يسلم البائعون على المكشوف والمتعاملون السماسرة الأسهم بنهاية ساعات العمل يوم تسوية الصفقات أي بعد البيع بثلاثة أيام. وقال رئيس «مورغان ستانلي»، جون ماك، لموظفيه في اجتماع إنه يعتقد أن السلطات الأميركية بدأت تفهم المخاطر التي يمثلها البائعون على المكشوف». وفي بادرة على تزايد لعبة إلقاء الاتهامات، دعا المرشح الجمهوري في انتخابات الرئاسة، جون مكين، إلى استقالة رئيس لجنة الأوراق المالية والبورصات كوكس. بوش: تدخل الحكومة ضروري لحل الأزمة المالية
في أول تعليق له على الأزمة منذ تدخلت الحكومة الأميركية بخطة إنقاذ قيمتها 85 مليار دولار لشركة التأمين «إيه.آي.جي» هذا الأسبوع، أبدى الرئيس الأميركي جورج بوش قلقه للاضطرابات التي تجتاح الأسواق المالية، وقال إن إدارته «مستعدة لاتخاذ خطوات أخرى لتعزيز الأسواق وتحقيق استقرارها».
وقال أمس «إن تدخل الحكومة ضروري لحل المشكلات التي تجتاح الأسواق المالية»، ووصف الوضع بأنه «لحظة محورية لاقتصاد أميركا».
وأضاف بوش، في أعقاب الكشف عن خطط لمعالجة أزمة الرهون العقارية التي تثقل كاهل المؤسسات المالية «يتعين علينا أن نتحرك الآن لحماية القوة الاقتصادية لبلدنا». واستطرد «بالنظر إلى حالة عدم الاستقرار في الأسواق المالية اليوم والأهمية الحيوية لتلك الأسواق للحياة اليومية للشعب الأميركي فإن تدخل الحكومة ليس فقط مبرراً بل هو أساسي أيضاً». وفي وقت سابق، أعلن مجلس الاحتياطي الاتحادي عن خطوات منسقة مع خمسة من البنوك المركزية الكبرى في العالم لضخ 180 مليار دولار من السيولة في أسواق النقد العالمية، الأمر الذي بث بعض الطمأنينة في نفوس المستثمرين وخفض أسعار الفائدة في سوق النقد إلى 2% من 8.5%. وفي مؤشر على حجم الطلب على السيولة، قال بنك إنجلترا المركزي إنه تلقى طلبات في عملياته في السوق المفتوحة للحصول على 202 مليار جنيه إسترليني «365 مليار دولار»، رغم أن المبلغ المعروض كان 66 مليار جنيه إسترليني فقط.
|
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news