التربية مسؤولية مشتركة (16)
يتحدث كثير من الناس عن التربية ولا يحددون مفهومها الاصطلاحي، فيأتي الحديث عنها غير كامل، ولا يستطيعون بعدها تشخيص المشكلة التي يريدون حلها، فضلاً عن الوصول إلى النتيجة المطلوبة، فما هي التربية إذاً في مفهومنا العام؟
وقبل الإجابة عن السؤال نحدد ما ذا نريد من التربية؟ هل نريد من التربية أبناء وبنات صالحين فاعلين لا يعرفون الضياع السلوكي ولا الانحراف الخلقي؟ أم نريدهم فاعلين في المجتمع من غير نظر إلى استقامتهم الدينية والخلقية؟ الواقع أن هذين المفهومين يتردد صداهما في مجتمعاتنا، ولا ريب أن أحدهما هو المراد الأخص بالتربية في المجتمع المسلم، والثاني هو من لازم الآخر، وبهذا نستطيع أن نحدد المفهوم الصحيح للتربية، فنقول: إن التربية في الإسلام تعني السلوك الإسلامي القائم على معرفة المرء ربه وواجبه نحوه سبحانه ونحو نفسه ومجتمعه، فمعرفة الله تعالى تعني الإيمان به إيمانا جازما؛ لأن هذه المعرفة هي الغاية من خلق الكون، كما قال سبحانه: }اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا{ فإذا حصلت هذه المعرفة وجد الإيمان به سبحانه، فلا بد من غرسها في أفئدة النشء من بنين وبنات، وبذلك يثبت الإيمان في أفئدتهم وتستقيم فيهم فطرة التوحيد لله تعالى التي فطروا عليها،وكذلك غرس مهابة الله في قلوبهم ليعبدوه رغباً ورهباً، ثم يأتي بعد ذلك تربيتهم على أداء واجباتهم الدينية من صلاة وصيام فيعوّدون عليها في صغرهم ليعيشوا عليها ومعها في كبرهم، وفي المرتبة الثالثة تعليمهم الواجبات الاجتماعية من طاعة ولاة الأمر في غير معصية الله تعالى، والتعاون مع المجتمع على البر والتقوى، والتناصح عليهما سراً وجهراً، وفي المرتبة الرابعة غرس القيم الخلقية الذاتية والاجتماعية في أنفسهم وسلوكهم؛ من صدق في القول والفعل، وصبر على النفس والغير والأقدار والطاعات، وحلم عن الغير، وكرم في النفس، وإيثار للغير، ونصح لهم، ومحبة للآخرين، وتناصح معهم وغير ذلك، فإن هذه المكارم الأخلاقية هي غاية البعثة النبوية، فما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ليزكي الناس ويتمم مكارم الأخلاق وصالحها،فهي جوهر رسالته.
فمن الذي يقوم بهذه المهمة: أهما الوالدان؟ أم المدرسة؟ أم المجتمع؟ أم القنوات الفضائية والشبكات العنكبوتية؟ أم غير ذلك؟ الواقع أن هذه مهمة الكل للكل، فلا يمكن أن يحقق مقصودها أحد دون آخر، بل لا تتم إلا بتضافر الجهود، فإن الوالدين لو بذلا قصارى جهودهما في التربية إذا لم تساعدهما المدرسة بطاقمها المتكامل من مدرسين وطلاب وإداريين، لا يمكن أن يحقق الوالدان مبتغاهما في ذرية تكون قرة عين لهما، فإن ما يبذلانه في البيت يتبخر في المدرسة، وتأثير المدرسة أكبر... ولنا حديث آخر موصول
والله ولى التوفيق * كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء بدائرة الشؤون الإسلامية بدبي
|
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news