حاتم علي: ثلاثينية الحلقات تفقد الأعمال ثراء التكثيف الدرامي.تصوير: محمد شاهين
حاتم علي: «صراع على الرمال» يصحّح مسار الدراما البدوية
قال المخرج السوري حاتم علي إن مسلسل «صراع على الرمال» الذي أنتجه المكتب الإعلامي والمستمد أفكاره من خيال وأشار صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والمستمد أفكاره من وحي خيال واشعار سموّه، قد أعاد مسار الدراما البدوية إلى مسارها الصحيح بعدما كان يتم التعامل معها على أنها نمط درامي في مرتبة أدنى من نظيرتها التقليدية»، معترفاً في الوقت نفسه بأن الالتزام بعرض 30 حلقة من العمل أفقده أحد أهم عناصر العمل الدرامي وهو التكثيف، مضيفاً أن أحد اهم المكاسب الفنية لـ«صراع على الرمال» عربياً هو التغلب على المعضلتين الكبريين اللتين تعترضان تطورها وهما ضعف الإمكانات التقنية، وشح القدرات الإنتاجية.
مخرج «صراع على الرمال» الذي عرف كأحد أهم المخرجين العرب في العقد الأخير استهجن في حوار مطول مع «الإمارات اليوم» ما يقرأه على لسانه من تصريحات لم يقلها في صحف ومواقع إلكترونية، «أكثرها إزعاجاً بالنسبة لي تصريح مفترى على لساني يقول مؤلفه إنني أزعم بأنني سأقلب موازين الإخراج العربي، وآخر يؤكد أيضاً اعتزامي منافسة كبار المخرجين العالميين، وكلاهما تصريحان لا يصدران إلا عن مخرج أحمق، فضلاً عن أني لست مصاباً بهوس العالمية إن صح التعبير، والتي أعتبرها أكثر من مجرد إخراج عمل جيد يحصد جوائز مهرجانية عالمية أو يعرض في قناة غير عربية، بل هي إسهام حضاري مازلنا بعيدين عنه جميعاً كعرب في مجال صناعة الدراما لظروف عديدة تتعلق بمدى توافر أساسيات تلك الصناعة نفسها».
سقف مخيف
وأعرب حاتم علي أيضاً عن تخوفه من ارتفاع سقف توقعات الجمهور لمسلسل «صراع على الرمال» قبل بثه، مضيفاً: «الأمر هنا يتعلق بسلاح ذي حدين، أحدهما مخيف وقد يجعل المشاهد لا يقبل أي نتيجة سوى تقديم عمل شديد الإبهار من مختلف المناحي، وهو موقف لا تحسد عليه أسرة أي عمل درامي مهما كان مستواه الفني، لأن المحصلة النهائية مهما كانت مقبولة ستبدو أقل مما وُعِد به المشاهد، لذلك أعتقد ان هذا النوع من الدعاية الاستباقية المبهرة مضرة ومخيفة».
وأكد مخرج «صراع على الرمال» أن هناك مجهوداً إنتاجياً وتمثيلياً وفنياً غير عادي بُذِل في العمل الذي «يعد من الأعمال العربية النادرة التي لم تصطدم بمعضلة ضعف الإمكانات التقنية أو الإنتاجية»، مضيفاً «المختلف في الدراما التلفزيونية والسينمائية أنها تجسيد لخيالات وأفكار وتصورات لا تبدو مقنعة بالنسبة للمشاهد إلا في حال توافر هذين العنصرين - الإمكانات التقنية والإنتاجية - خصوصاً في ظل النظرة التي تعتبر الإخراج إعادة إنتاج حقيقي للنص وليس مجرد تحويل ميكانيكي للنص إلى صورة، تماماً مثلما التصوير في منظوري إعادة توليف أو كتابة للنص الأصلي».
وقال إن «صراع على الرمال»، ضيق الفجوة إلى حدودها الدنيا بين ما يطالعه المشاهد العربي في الإنتاج الدرامي الغربي على صعيد الصورة وتقنياتها وبين ما اعتاد عليه في السياق ذاته في الدراما العربية، مضيفاً: «توافرت في إنتاج «صراع على الرمال» خبرات عالمية من فنيي غرافيك وكومبارس مدرب وخيول عالمية وممثلين مهرة وأجهزة فنية حديثة يديرها فنيون محترفون، وبُذلت جهود كبيرة للوصول إلى أفضل صورة سواء إنتاجياً أو تقنياً، وهو أمر يمكن أن يلحظه المشاهد فضلاً عن الناقد الفني بسهولة، لا سيما وأن تواصل المشاهد العربي مع الإنتاج السينمائي والتلفزيوني الغربي جعله يطالب منتجي الدراما العربية بالقدر نفسه من الإبداع والإتقان والإبهار، وبشكل خاص على مستوى الصورة، متناسياً الفوارق الشاسعة في ظروف الصناعتين» .
مواسم موازية
ورفض حاتم علي التعليق على توقيت عرض «صراع على الرمال» على شاشة قناة دبي الفضائية والزج به خلال الموسم الرمضاني، مضيفاً: «جرت العادة أن توقيت عرض أي عمل درامي شأن يعود للجهة المنتجة له، وهو المكتب الإعلامي لصاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، لكني كنت اتمنى كسر ما يسمى بالموسم الرمضاني والسعي لتحويل العام كله إلى موسم رائج للأعمال الدرامية»، مثنياً على اتجاه بعض المحطات الفضائية إلى مواسم موازية أخرى، ومقاومتها لسائر الظروف التي تدفع باتجاه تكريس المنتَج الدرامي في شهر وحيد، وعلى رأسها سوق الدعاية.
وذكر ان «تقويم أي عمل درامي خلال شهر رمضان هو تقويم نسبي غالباً ما يخضع لاعتبارات غير فنية مثل ظروف المشاهدة وتوقيت العرض وجماهيرية القناة العارضة له، لذلك فإن الأعمال التي غالباً ما تلفت انظار الجمهور والإعلام والنقاد هي تلك التي تمتلك صيغة احتفالية صارخة، أما الأكثر عمقاً والتي تحتاج لمشاهدة متأنية، فقد تظلم في هذا السياق» .
تردّد
ولم يخفِ المخرج السوري تردده في قبول إخراج «صراع على الرمال» في البداية مضيفاً: «ترددي هذا كان منشؤه جهلي بالبيئة البدوية، ولأسباب تتعلق بطريقة الكتابة الدرامية، فالعمل مستوحى من خيال وأشعار صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، لكن النص مكتوب بالعربية الفصحى، وقام الكاتب السوري هاني السعدي بمعالجته ليناسب اللهجة البدوية، الأمر الذي يجعل العمل قريباً لما سُمِّيَ زوراً بالفانتازيا التاريخية، وانا شديد المعارضة لهذا النوع الذي يدعو لاختراق التاريخ بدلاً من قراءته».
ويستطرد: «موافقتي جاءت بعد أن وجدت لنفسي مبررات وحلولاً أولها محاولة إعادة تأصيل العمل من خلال تحويل الفصحى إلى حوار منسجم مع البداوة التي يتحدث عنها، وكذلك عبر تأصيل الأحداث وردها إلى زمان ومكان محددين، هما بداية القرن الثامن عشر في مكان بعينه على حدود شبه الجزيرة العربية، فيما تم تأسيس العناصر الأخرى من ديكور وملابس واكسسوارات وغيرها على أساس تلك المعطيات، وكان هذا هو القاعدة الأولية التي بُنيت على أساسها الخطة الإخراجية القائمة على محاولة تعميق الحكاية، والتطرق إلى أبعاد اجتماعية مختلفة لها، من خلال ميزانية كبيرة وُفرت للعمل، ومن ثم وجدت كل ذلك بمثابة مقدمات لتجربة إخراجية تسعى للتخلص من عيوب ما يسمى بالمسلسل البدوي والتي كانت تؤدي للتعامل معه فنياً على أنه يأتي في مستوى متأخر داخل مراتب صناعة الدراما العربية، إنتاجياً وفنياً وفكرياً، بمعالجات ضعيفة وموضوعات مكرورة».
ونفى حاتم علي ما أشيع عن أنه كثير التدخل في نصوص كتاب الأعمال التي يقوم بإخراجها، مؤكداً: «ليس من سلطتي كمخرج أن أستبعد أو أضيف مشاهد، بل ما أقوم به في حالة عدم اقتناعي ببعض التفاصيل أن أعيد كتابتها بأدوات المخرج، لذلك قد أغير من واقع مسؤوليتي الإخراجية لكنني لا أقدم أبداً على حذف مشاهد كتبها السيناريست، لأنني ببساطة شريك في العمل، ولست مشرفاً عليه».
براءة «فاروق»
وفي سياق مختلف، رد المخرج السوري عدم مواكبة السينما السورية لنهضة نظيرتها الدراما التلفزيونية إلى «فشل السينما السورية في إيجاد اسواق خارجية لها، بديلاً عن ضعف السوق الداخلية بسبب اقتصار تمويل الأفلام السينمائية على الدعم الرسمي عبر المؤسسة العامة للسينما التي تعاني من تردٍ شديد نتيجة ضعف الإقبال على الفيلم السوري داخلياً لأسباب عديدة منها الحالة المتردية لدور العرض نفسها، الأمر الذي أدى إلى تراجع المحاولات الخجولة لإنتاج أفلام سينمائية جيدة، في الوقت الذي نجحت فيه الدراما التلفزيونية السورية في إيجاد تسويق خارجي جيد لنتاجها».
وعن اتهام مسلسل «الملك فاروق» الذي عُرض على عدد من الفضائيات خلال رمضان الماضي بأنه محاولة لصالح أطراف معينة من اجل «تبييض» صورة الملك المخلوع لدى الشارع المصري، قال إن «العمل بالنسبة لي جزء من مجموعة أعمال أتناول خلالها شخصيات عامة بدءاً من الزير سالم، صلاح الدين الأيوبي، صقر قريش، وانتهاءً بالملك فاروق نفسه، وفي جميع كل تلك الأعمال كان هناك نهج وحيد التزمته من أجل إيجاد زاوية نظر جديدة ومختلفة تتناول هذه الشخصيات من دون إصدار أحكام أيديولوجية مسبقة، وإفساح المجال لها لتدافع عن نفسها، وهذا النمط في المعالجة هو الأجدى من وجهة نظري بالعمل الدرامي الذي ليس من سلطته أن يتهم أو حتى يدافع عن أحد، ولعل هذا التبدل والنمط المختلف في المعالجة هو ما أثار الانتباه إلى العمل الذي أعتبره محاولة بحث جادة في حقيقة وتفاصيل هذه الشخصية».
نشاط سينمائي
بعد توطيد مكانته في الدراما التلفزيونية العربية عبر أعمال سورية ومصرية، وأخيراً خليجية يعكف المخرج حاتم علي حالياً على أول مشروعاته السينمائية عبر ثلاثة اعمال شديدة التباين أحدها «تاريخي» مصري هو «محمد علي»، وثانيه اجتماعي مصري ايضاً هو «الولد»، فيما يعيد في الثالث للمشاهد العربي ذاكرة الأفلام السينمائية الموسيقية عبر عمل بعنوان «سيلينيا».
وحول فيلم «محمد علي» الذي تبلغ كلفته الإنتاجية 40 مليون جنيه مصري ويؤدي دور البطولة فيه الفنان يحيى الفخراني ويعود نصه للدكتورة لميس جابر قال حاتم علي : « على الرغم من ان العمل يتناول شخصية مؤسس الدولة المصرية الحديثة محمد علي باشا، إلا أنه يبتعد تماماً عن الصيغة التوثيقية للأحداث، لصالح التركيز على مفاصل محددة، وبالتحديد مذبحة القلعة الشهيرة التي أعدها للمماليك، ليتم طرح سؤال معاصر أخلاقي وسياسي مفاده: هل يجوز للحاكم أن يقوم بمثل هذا الفعل في سبيل توطيد نظام حكمه؟.
وحول فيلم «الولد» قال مخرج «صراع على الرمال»: «هو من تأليف بلال فضل وبطولة خالد صالح وغادة عبد الرازق وتوقع أن يكون فيلم «سيلينيا» الأكثر إثارة للجدل، حيث قال عنه: «هو فيلم سينمائي موسيقي من تأليف منصور الرحباني وأعد ألحانه منصور وعاصي الرحباني، وبطولة دريد لحام ومريام فارس وأيمن زيدان، ورفيق علي أحمد، ومونتاج نادر الأتاسي، وهو عمل نادر في جنسه في المكتبة العربية، ومأخوذ من عمل مسرحي قديم للرحابنة، فيما تمت إعادة كتابته بأسلوب سينمائي، كما تمت معالجة أغانيه لتصبح مواكبة للمقتضيات والتطورات التي طرأت على الأغنية المعاصرة، وإخراجها من حالة الغناء إلى أخرى درامية أكثر رحابة وشمولية، وصولا إلى فيلم غنائي استعراضي معاصر يخاطب شريحة أوسع من الجمهور، ويحوي مقاطع حوارية وتمثيلية تغني وتؤدي عبرها معظم شخصيات الفيلم في ظل تصميمات راقصة، وهو نمط مخالف لما تعارف عليه في الدراما العربية» .
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news