مع التحية..

 
قدمتُ قبل بضعة أيام محاضرة بعنوان «التسامح عبر الفنون» في جامعة «مور للفنون والتصميم» في مدينة فيلادلفيا الأميركية، جاء في مقدمتها الآتي: 

 

في يوم من أيام مهرجانات دبي للتسوق جلستُ في مقهى بأحد مراكز التسوق بدبي، ثم لاحظتُ زوجين أوروبيين ينظران إليّ، وكلاهما يحاول دفع الآخر للتقدم نحويّ والتحدث إليّ! لم أعرهما أي اهتمام وتجاهلتهما، لكنهما بقيا يحدقان فيّ! فرفعت يدي إليهما بأن يأتيا نحوي ولاحظتُ الخوف بادياً على ملامحهما وهما يتقدمان! قال الزوج: «سيدي، هل أنت لوكال؟»، أجبتهُ: «نعم، أنا إماراتي بمعنى أصح من لوكال». قال: «سيدي نحن سائحان من اليونان وسنغادر غداً ونود أخذ صورة تذكارية مع أحد السكان الأصليين من الإمارات» (حلوة هذه السكّان الأصليين!). قلت له: «عزيزي، بإمكانك بكل بساطة أن تطلب هذا مني دون تردد! لماذا أنت وزوجتك مترددان من هذا الطلب البسيط، وكأنكما تشاهدان فيلم زومبي»؟! قال اليوناني: «لقد حذرنا الدليل السياحي الأجنبي من مجرد التّقرب من أحد الإماراتيين، لأنهم قوم متعجرفون متكبرون مغرورون....إلخ»! أشرّت إليه بالتوقف وقلت بتعجب: «ماذا تبقى؟ أشرار!»، فقال: «تقريباً نعم، بل يقال إنكم ترحلون أي أجنبي بكل بساطة إن أخطأ ولو خطأً بسيطاً». على الفور طلبتُ إلى أحد العاملين في المقهى بأن يلتقط لنا صورا أنا و الزوجين،  ثم طلبت إليهما مرافقتي إلى قرية التراث، حيث تقام  فعاليات فنية تراثية عدة، وقام السائحان بالتقاط صور كثيرة مع العديد من الإماراتيين من راقصين وحرفيين وغيرهم، واشتركا أيضاً في الرقص في لوحة شعبية، وقبل أن أغادر سألتهما: «هل تريانا أشراراً الآن؟» في دولة الإمارات توجد نحو 200 جنسية، ولكن رغم هذا التنوع الكبير والتعدد الثقافي، فإننا نشترك جميعاً في حضور الأنشطة الفنية، فمن خلال الفن بمختلف أشكاله نعبر الحدود التي تُفتح تلقائياً للفنون من دون تأشيرة دخول. إلى نهاية المحاضرة...

 
في العاصمة واشنطن ركبتُ قبل أيام قليلة حافلة سياحية لأخذ جولة في معالم المدينة السياحية؛ كان الدليل السياحي عجوزاً، أذهلني بمخزونه الهائل من المعلومات التاريخية والحقائق والأرقام الدقيقة لتواريخ الأحداث باليوم والشهر والعام، وكذلك حديثه الدقيق عن المعالم والمباني السياحية والنصب التذكارية لرؤساء الولايات المتحدة جعلني أشعر بأنني استمع إلى محاضر أكاديمي. وكنتُ على موعد قبل أيام لإلقاء محاضرة في جامعة«جونز هوبكنز» في واشنطن، وفجأة رأيت الدليل السياحي العجوز، سألته:«ماذا تفعل هنا؟»، قال: «ماذا تقصد؟ أنا البروفيسور المتقاعد تشارلز سبنسر عميد كلية العلوم السياسية سابقاً! أما عن عملي السياحي فهو جزئي فقط». 

 

لكم أن تتخيّلوا الفرق بين من يعمل دليلا سياحيا لدينا ولديهم! مع التحية.


 

salem.humaid@yahoo.com

الأكثر مشاركة