قصائد النثر
ولا ننسى أن العرب حين أرادوا أن يعبروا عن شدة إعجابهم بالقرآن سمّوه شعراً، وهذه النظرة لا تخلو من تقديس للشعر باعتباره ديوان العرب، وعليه أن يظل كاملاً كما وصلنا وكما يتوجب علينا نقله للأجيال اللاحقة باعتباره «هويتنا»، بيد أننا بذلك نغفل تراجع الشعر وحلول الرواية محله في التوثيق.
لكن لقصيدة النثر عيوباً لا تلغيها صفتا الانتشار والشرعية فلا شيء يمنع قصيدة النثر وشعراءها من التعثر أحياناً والوقوع في مطبات معيقة ومخلة، وأخطرها الاستسهال فبنية قصيدة النثر وشغفها بالحرية يتيح الباب واسعاً أمام المتطفلين، وأمام هواة الطلاسم والألغاز ليقدموا ما ينتجونه باعتباره خلاصة الزهرة التي لا ينقصها سوى خبير العطور الشديد الأناقة والفوقية ليكتشفها.
والمشكلة الأخرى هي الوجه المعاكس، فبعض من يكتب قصيدة النثر يتميز بثقافة عالية وحضور فكري قوي، ولكنه لا يستطيع التفرقة بين القصيدة والنقد ويخلط بينهما فيقدم نصوصاً مليئة بالفكر العميق والفلسفة ولكنها بعيدة عن اللعب باللغة وطاقات المخيلة الشعرية.
يبقى أن تجارب كتجربة أمجد ناصر في «مرتقى الأنفاس» الذي يتناول لحظة سقوط الأندلس بلغة شديدة الفرادة، أو قاسم حداد في «أخبار مجنون ليلى» الذي أعاد رواية قصة عشق تكاد تشكّل خلفية لكل قصة حب عربية تقريباً، تثبت أن قصيدة النثر قادرة على تجاوز الحدث اليومي، وإعادة إنتاجه شعرياً لتقدم صورة أكثر شمولاً، وتوظف التاريخ لبناء ديوان كامل يخص قصيدة النثر بعد أن كانت تتهم دائماً بأنها لا تملك تقدمة أكثر من قصيدة كطلقة.
|
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news