حشمة

حمدان الشاعر

 

 

عندما يقرر سائح أو مقيم أو حتى مواطن إنجليزي زيارة هارودز، المتجر الشهير الواقع في وسط لندن، فإن رجال الأمن يباغتونه بالمنع إذا لم يكن يرتدي ما يليق من الملابس، خصوصاً إذا كانت الملابس قصيرة أو شبه عارية، وهذا ينسحب على العديد من المتاجر الكبرى التي تحرص على أن يكون لها زبائن ذوو مستوى اجتماعي يليق بمكانة المتجر ويحترم تقاليده. ولا يقف الأمر عند المتاجر فحسب، بل يتعداها إلى العديد من الدوائر الحكومية والجهات الرسمية، وهي حقيقة يعرفها الكثيرون، ولم يعترض عليها أحد في بلاد الديمقراطية الصرفة، لأنها في الأصل جزء من ثقافة المكان، وعليه كان احترام هذه الثقافة واجباً ومهماً.

 

خرج علينا أحد الكتّاب المحترمين يطالب بمنع مراكز التسوق في الدولة من ممارسة حريتها في فرض ثقافة المكان على الزبائن، ومصادرة هذا الحق لديهم، وترك الأمر مفتوحاً، بحجة عدم وجود معايير موحدة لمعنى الاحتشام، وهو أمر يبدو مستهجناً، لأن الغرب والشرق يتفق على ما هو مقبول وما هو مرفوض، وحتى السلوكيات منها ما هو مقبول ومنها ما هو مرفوض عقلاً وبداهةً، وهي سمة عالمية ليست بحاجة إلى تصنيفات أو مقاييس تبرر الرفض أو القبول.

والسؤال الأهم لماذا يصادر حقي بأن أنتمي لثقافة من هذا النوع وأن أبحث عن وسائل للحفاظ عليها، وهو أمر ليس متروكا للدولة فقط، بل هو حق مشروع يمارسه الإنسان حفاظاً منه على قيمه وعاداته؟

 

ثم لماذا يطالب بعضهم بأن تبقى مسألة النهي عن المنكر حصراً على الدولة، في حين أنها مسؤولية المجتمع بكل أفراده وشرائحه، لأن الإسلام جعلها مسؤولية تناط بولي الأمر وكذلك الفرد في أن يمارس حقه في النصح والإرشاد دون إفراط أو تفريط؟ فقلة الاحتشام تعكس استهتاراً بقيم المجتمع وثوابته ومفرداته، وتعزز من فكرة أننا مجتمع «خليط» بلا ضوابط وبلا أخلاق، وتدفع الغرباء نحو مزيد من اللامبالاة والعجرفة التي نشاهدها كل يوم، في حين أن قيمنا عامةً لها خطوطها الحمراء التي لابد أن تُحترم وتصان.

 

نحن هنا لا نطالب بإنكار المنكر أو تغيير الحال باليد. إنه الإنكار والتغيير باللسان والنصح، ودون ذلك ضعف في الإيمان لا يليق بنا.

 

المسؤولية المجتمعية تقتضي من كل فرد المطالبة بإصلاح الخلل والإرشاد والى شيء من الاحترام لهذا البلد ودينه وأعرافه الاجتماعية، بعيداً عن أية إرهاصات يزج بها، خلافاً لما يراد به من مفهوم النصيحة والدفع بالتي هي أحسن.

 

وكأن هارودز وزبائنه أكثر حرصاً منا على قيم اجتماعية عالمية تعترف بأن الاحتشام هو احترام للمكان وأهله أولاً وأخيراً.       ششش

 

 

hkshaer@dm.gov.ae

 

تويتر