نهاد ســيريس: أنا كاتب حر

نهاد سيريس: أهدوني طوق النجاة حين توقفت عن السباحة.                  من المصدر


ولد الروائي وكاتب الدراما السوري نهاد سيريس في مدينة حلب في سورية عام .1950 وظهرت ميوله الأدبية منذ الصغر فراح يؤلف مسرحيات من فصل واحد لتقدم على خشبة المسرح المدرسي.
 
سافر إلى بلغاريا لدراسة الهندسة المدنية فحصل على الماجستير عام 1976، ثم عاد إلى الوطن ليعمل مهندساً في مكتبه الخاص. بدأ نشاطه الأدبي الفعلي في بداية الثمانينات فألف عدداً من الروايات، «السرطان»، «رياح الشمال ـ سوق الصغير»، «الكوميديا الفلاحية»، «رياح الشمال ـ 1917 الجزء الثاني»، ولكن الرواية التي أصبحت محل النقاش في الأوساط الحلبية هي «حالة شغف»، «الصمت والصخب» التي تعرض لقمع السلطات لأنه رفض الاشتراك في الدعاية للزعيم ففرض عليه الصمت. الصمت هو صمت البطل بينما الصخب هو صخب الشارع الذي يهتف للديكتاتور، «خان الحرير»، التي تحولت لاحقاً تحولت إلى عمل تلفزيوني.

 

ويمكن القول إن مسلسل «الثريا»، وهو ثاني عمل تلفزيوني له أثار زوبعة بينه وبين الأكراد، إذ رأوا أن فحوى المسلسل يرصد أسطورة كردية، فيما نفى سيريس هذا الحديث ورأى انه من بناة أفكاره وخياله. أما في مجال المسرح فله «بيت الألعاب ـ صانع القوانين»، «ليل الضرة»، «البيانو»، عرضت مسرحيتا «ليل الضرة» و«البيانو» في عرض مسرحي واحد تحت عنوان: رجال ونساء، في المسرح القومي بمدينة حلب خريف عام 1999 إخراج فراس نعناع. وهو الآن يعيش ويعمل ويمارس الكتابة الأدبية في مدينته حلب،  وقال سيريس «عرض لي في 2007 وعلى الأرضية السورية مسلسل «الملاك الثائر ـ جبران خليل جبران» وقد عرض أيضاً هذا العام 2008 على إحدى الفضائيات اللبنانية، وهو مسلسل له وضع خاص بسبب تركيزه على الخلفية المسيحية لجبران، ما أدى إلى عرضه على مستوى منخفض وأيضاً بسبب قلة خبرة المنتجين في العمل والتسويق التلفزيونيين.

 

كما صدرت هذا العام في سويسرا الترجمة الألمانية لرواية «الصمت والصخب». أنا لست منقطعاً تماماً رغم أنني أقوم هذه الأيام بإعادة تقويم لتجربتي في الرواية وفي الدراما التلفزيونية، وربما أفضت هذه المراجعة إلى التقاعد المبكر». وقال سيريس «هناك جيل ريف الادب، وظهرت طبقة من الكتاب لم يكن همها غير الكتابة عن الفلاحين وعذاباتهم وجلدهم. اليوم تغير الحال فقد تبوأ كتاب المدينة المشهد الأدبي وبدأت تسود نكهة أدبية جديدة».

 

وحول الاسماء الشابة التي تطرح نفسها على الساحة الروائية قال سيريس «إن كل رواية جديدة هي قطعة أخرى في لوحة الفسيفساء هذه وليس من وظيفة الرواية الواحدة أن ترسم كامل اللوحة. الجيل الجديد مثل قبله يحاول أن يفهم ويرسم صورة للمرحلة التي يعيشها فهذا الجيل ابن مرحلته ومن الطبيعي أن يخرج إنتاجه راسماً عالمه. برأيي أن الروائي هو مؤرخ هذا العالم».

 

وأضاف «كنت يسارياً أما الآن فأنا ليبرالي النزعة، وهذا لم يعذبني على الإطلاق لا من القراء ولا من غيرهم بل ساعدني على ان أكون واقعياً، ولفت ذلك نظر القراء والمشاهدين، ففي مسلسل «خان الحرير» استطعت بسبب موقعي أن أقدم رؤية نقدية غير مألوفة للأوضاع الاجتماعية والسياسية في فترة الخمسينات. وتمكنت من ذلك لأنني غير قومي النزعة ولا أكرس أعمالي الأدبية والفنية للدعاية القومية والسياسية. إنني الآن كاتب حر من كل أشكال الالتزام الحزبي أو الايديولوجي، أكتب ما يحلو لي وأنقد ما أراه انحرافاً أو ما يعارض حق الإنسان في العيش بكرامة، ففي رواية «الصمت والصخب» تكلمت عن الاستبداد واستطعت بسبب حريتي أن أعرّي الاستبداد دون أن أقع مثل غيري في مديح المستبد العادل. إذا كان اليسار يؤمن بالديمقراطية. انظر إلى اليسار في أوروبا فستعرف الجواب. إن له صياغة خاصة للعالم والإنسان أكثر واقعية وإنسانية وأجد نفسي أقرب إليه. أما عن اليسار ذلك التوجه الذي كان سائداً في معظم القرن العشرين، فأنا أعتقد أنه تغير ومن يتمسك به حالياً فهو أكثر جموداً من اليمينيين. اليسار في الماضي كان يعبر عن التغيير أما اليوم فالليبراليون هم الذين يرفعون هذا الشعار.

 

وحول اتهام بعض من المثقفين الأكراد بأنه عرّب أسطورة كردية في مسلسل «الثريا» الذي أخرجه هيثم حقي، قال سيريس «أين هذه الأسطورة فلم يسمع بها أحد قبل مسلسل «الثريا» كل ما هنالك أن الكاتب المرحوم حسين راجي حكى لنا قصة إحدى نسيباته التي كانت ابنة أحد «البيكاوات» وقد أحبت حاصودياً كان يعمل عند أبيها وتزوجته خطيفة وهربت معه وسكنت في حلب في حي «الرمضانية» ووافق حسين راجي أن أحول هذه القصة التي تكررت مراراً في السينما المصرية إلى مسلسل تلفزيوني فجعلت أباها باشا تركياً وجعلت الزمن أيام الحرب العالمية الأولى وفترة انهزام السلطة العثمانية وتحول المسلسل كله إلى سجل لبداية التحرر والوعي وبداية الكمالية وغيرها». وحول الرقيب الداخلي الذي يشذب أو يعيد صياغة كتاباته أوضح سيريس «كنت أفكر بالطريقة التي بإمكاني التحايل عليه، ومع ذلك فأنا الآن أملك أعمالاً عدة رفضها الرقيب وهي موجودة في الادراج ولم يعد يهمني أن نشرت أو تم تصويرها أم لا، فأنا في طريقي إلى التقاعد والى نهاية الدرب. أعيش حياة مليئة بالسأم والملل.

 

 وعن الطريقة التي يستطيع فيها الأدب السوري  القفز إلى دائرة الضوء العالمية، قال سيريس «صدرت الترجمة الألمانية لرواية «الصمت والصخب» في سويسرا عن دار لينوس في بازل. لقد أهدوني طوق النجاة حين توقفت عن السباحة.

 

 جيل جديد

قال نهاد سيريس «إنه بعد رحيل محمود درويش ويوسف شاهين ونجيب محفوظ نحن على أبواب فتح المجال لجيل جديد. جيل مجدد يحترم هؤلاء ويتعلم منهم ويتجاوزهم، وأعتقد أن الجيل التالي ولد أثناء عمل درويش وشاهين ومحفوظ ومينة. لماذا الخواء؟ هل نسيت الآلاف من الروائيين والمخرجين والشعراء الآخرين الذين يعملون في هذه اللحظة وبعد وفاة الجيل السابق؟»

 

* تنشر بالتزامن مع جريدة «السفير»  اللبنانية

الأكثر مشاركة