إعطاء الزكاة للمتسولين

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

 

ورد إلي سؤال عن إعطاء الزكاة للمتسولين، فأجبت بأن: الزكاة لا تصح إلا لمصارفها الثمانية المبينة في آية الصدقة }إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل{ فإذا أعطيت لغير هؤلاء الثمانية لم تصح ووجب على المزكي إخراجها ثانية؛ لأنها لم تصادف محلاً مستحقاً. ومع ذلك فمن أعطاهم الزكاة وهو لا يعلم بحالهم صحت زكاته عملاً بالظاهر، فإن الشرع مبني عليه، وهو لا يقدر على أن يكتشف بواطن الأمور.

 

ولا ريب أن  هؤلاء المتسولين منهم الصادق ومنهم الكاذب، فمن ظن كذبه تعين تعزيره بما يراه ولي الأمر، لأن التسول من غير حاجة ماسة حرام شرعاً، ولا يجوز التسول إلا في ثلاث مسائل بينها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : «إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة:  رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها، ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله، فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش ــ أو قال سداداً من عيش ــ ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا ــ أي العقل ــ من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة، فحلّت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش ــ أو قال سداداً من عيش ــ فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت، يأكلها صاحبها سحتاً» كما أخرجه مسلم.  ومعنى كونها لا تحل، أنها تحرم عليه، بل هي وبال عليه، فإن المسألة كد يكد بها الرجل وجهه، ويأتي يوم القيامة وليس على وجهه مزعة لحم، وذلك تشهيراً به؛ لأنه لم يعف نفسه في الدنيا، فكما أراق مُحيّا وجهه في الدنيا جوزي بتساقط لحم وجهه في الآخرة، والحديث دليل على حرمة التسول من غير حاجة، فليتق الله أولئك المتسولون، ويقنعوا بما أعطاهم الله، ولا يسألون الناس تكثراً، وليعتزوا بدينهم ويرضوا بقسمة الله في هذه الحياة الفانية وينافسوا في أعمال الآخرة الباقية، وليعلموا أن اليد العليا خير من اليد السفلى.

 

وما تقوم به الدولة من منع ظاهرة التسول هو أمر يدعو إليه الإسلام، لحماية المتسولين أنفسهم من عذاب الله تعالى، وحماية المجتمع من أذاهم، فإن منهم من يلحف في المسألة، ولعله يحلف أيماناً كاذبة، ويحرج غيره، وليس هذا من شأن المسلم الذي يتعين عليه الاستعفاف حتى ولو كان فقيراً أو مسكيناً ذا متربة، فقد أثنى الله تعالى على المتعففين خيراً، ولفت أنظار الموسرين إليهم ليسدوا خلتهم وهم في كمال عفتهم كما قال سبحانه }للْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيــلِ اللَّهِ لا يسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفلافِ تَعْرِفُهُم بسيماهم لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ{ وقد جاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري، أن أهله شكوا إليه الحاجة، فخرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسأله لهم شيئاً، فوافقه على المنبر، وهو يقول: «أيها الناس، قد آن لكم أن تستغنوا عن المسألة، فإنه من يستعفف يعفّه الله، ومن يستغن يغنه الله، والذي نفس محمد بيده ما رُزق عبد شيئاً أوسع من الصبر، ولئن أبيتم إلا أن تسألوني لأعطينكم ما وجدت» كما أخرجه ابن حبان وغيره، هكذا كان صلى الله عليه وسلم يريد لأمته الخير، فليكن هؤلاء كذلك.. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.


* كبير مفتين في دائرة الشوون الإسلامية في دبي 
تويتر