الأطفال الشهود في حاجة إلـى مُحققيــــــــــــن متخصصين
طالب محامون الجهات القضائية بـ«تخصيص أعضاء نيابة في إجراء التحقيقات مع الأطفال من سن السابعة وحتى 14 عاماً، ممن تؤخذ إفادتهم على سبيل الاستئناس، دون أداء اليمين، بصفتهم شهوداً أو مجنياً عليهم في قضايا معينة»، مشددين على «أخذ شهادة الأطفال بعيداً عن أجواء النيابات والمحاكم»، معتبرين أن «التحقيق الخطأ قد يخلّف عقدة نفسية لدى الطفل، تلازمه طوال حياته».
وأكد رئيس نيابة ديرة الثانية، محمد حسين الحمادي أن «سؤال الشاهد الحدث (7-14 عاماً) يختلف عن سؤال الشاهد المميز، إذ يراعي المحقق طفولته بتوجيه أسئلة تتناسب مع سنه وعقله وحدود ذكائه، والابتعاد عن استعمال الشدة أو التخويف». وأشار قاضي جنايات دبي، سعيد بن صرم إلى أن «شهادات الأطفال كثيرة، خصوصاً في القضايا الواقعة على العرض».
وطالب المحامي علي مصبح بضرورة استجواب الطفل في قضية ما، بعيداً عن محيط النيابة، بغرض الوصول إلى نتيجة سليمة في التحقيق، ومراعاة شعور الطفل وعدم زرع الخوف والرهبة في قلبه، في الوقت الذي لم ينكر فيه مراعاة أعضاء النيابة الحاليين لذلك الأمر، غير أن «التخصص بات ضرورياً».
وأضاف مصبح أن «التحقيق مع الأطفال، شهوداً كانوا أو مجنياً عليهم في مقر سكنهم أو أي مكان بعيد عن النيابة يكسر روتين التحقيق، ويتقرب فيها المحقق من الطفل أكثر، واستنطاقه بسهولة»، معتبرا أن «تخصص المحقق في العلوم النفسية مهم مع تلك الحالات، كي لا يخلف التحقيق مع الطفل عقدة نفسية مستقبلاً، خصوصاً لو كان شاهداً على جريمة كبيرة مثل القتل أو الاغتصاب، أو مجنياً عليه بجريمة هتك عرض».
وضرب مصبح مثالاً على ذلك حينما كان يمثل الدفاع عن طفل عمره 11 عاماً، مجني عليه في قضية لواط، قائلاً «كان المجني عليه، يبكي في غرفة تحقيق النيابة ويعود ليجيب عن الأسئلة، ثم يبكي ويعود من جديد للإدلاء بأقواله»، متابعاً «كان ينظر إلى من حوله برهبة وخوف، على الرغم من تعاون أعضاء النيابة معه، ما دعاني إلى الاستغناء عن شهادته».
وقال المحامي يوسف بن حمّاد إن «التخصص سيحقق نتائج إيجابية في سير التحقيق، خصوصا باسلوب توجيه الأسئلة للطفل والتي تختلف عن تلك التي توجّه للبالغ، إذ تكون بسيطة جداً وغير مباشرة تتناسب مع قدراته العقلية وخبراته الحياتية». ورأى أنه «من الأفضل أخذ شهادة الطفل في أي مكان يوجد فيه، بعيدا عن النيابة، حتى لا يعلم الطفل أنه يدلي بشهادته، أمام جهة قضائية».
وأيده المحامي علي الصلالي بقوله «حينما يشعر الطفل بأنه يُساءل للأخذ بأقواله فإنه قد لا يقول الحقيقة، وقد يخبئ معلومات تكشف خيوط الجريمة».
وفي سياق ذي صلّة، أيّد المحامي ناصر مال الله «توفير محققين متخصصين لمباشرة إجراءات التحقيق مع الاطفال، لفهم نفسيتهم والدخول في عقليتهم لاستخراج ما فيها من معلومات أو أدلة تفيد القضية، دون إلحاق أي أضرار نفسية أو شخصية على الطفل».
من جانبه، أكد رئيس نيابة ديرة الثانية محمد حسين الحمادي أن «سؤال نيابة دبي للشاهد الحدث يختلف عن سؤال الشاهد المميز، إذ يتعيّن للأول احترام طفولته وسنه وسؤاله بأسئلة تناسبه، وتجنب إقحام المصطلحات والألفاظ الرنانة التي تحتاج إلى تفسير قبل أن تحتاج إلى جواب، والتي تخلّف توتراً وقلقاً».
ورأى الحمادي أنه «لا يعتبر استدعاء الطفل الشاهد، وسماع أقواله من قبل المحكمة أو النيابة العامة انتهاكاً لطفولته، طالما يتم التعامل معه بكل احترام وإنسانية واتخاذ الإجراءات القانونية التي تتناسب مع سنه وهُـيئت الظروف الملائمة عند أخذ أقواله»، معتبراً أن «الطفل يقدم خدمة جليلة لصالح القضية تحسب له لا عليه، وتساعد على تسلسل إجراءات التحقيق وإصدار الحكم الصحيح فيها، خصوصاً إذا كان هذا الشاهد الطفل مجنياً عليه، أو أن شهادته هي الدليل الوحيد في الدعوى».
وتابع «لكن شهادة الطفل لابد أن تعزز بأدلة أو قرائن قضائية حتى يعتد بها، فهي مقبولة قانوناً وليست مرفوضة ولكنها لا تكفي وحدها للإدانة، فهي تحتاج إلى بينة أخرى مستقلة لتأييدها وتعضيدها»، في الوقت الذي أكد فيه أنه «لايمكن أن توجه له جريمة شهادة الزور إذا أدلى عمداً بوقائع غير صحيحة، كونه لم يحلف اليمين القانونية، ويُسمع على سبيل الاستئناس».
والأمثلة القضائية كثيرة، منها وفق الحمادي «الاعتماد على شهادة الطفل في إثبات اعتداء الأب على الأم، أو إثبات دخول المتهم المنزل بغرض السرقة، وفي واقعة هتك العرض بالإكراه، فقد سبق أن اعتمدت النيابة العامة على أقوال مجني عليها بالغة من العمر سبع سنوات في إحالة متهم بالغ من العمر 60 عاماً إلى المحكمة جراء قيامه بتحسس جسدها أثناء تدريسها دروساً خصوصية، إذ تعززت أقوالها بقرائن أخرى طرحت في الدعوى». وأكد أن «للقاضي أو عضو النيابة الحرية والسلطة التقديرية في استدعاء الطفل لسماع أقواله دون أي قيود متى رأى أهميتها في الدعوى، وأن من شأنها إثبات أو نفي التهمة عن المتهم».
ومن الجانب القضائي، ذكر قاضي محكمة الجنايات في محاكم دبي سعيد بن صرم أن «ضرورة إفادة الطفل في التحقيقات تختلف من قضية إلى أخرى»، مدللاً بقوله إنه «يجب على القاضي الحصول على شهادة الطفل أثناء التحقيق في جريمة عقوبتها الاعدام، ولا يكون وجوبيا في حالات هتك العرض بالإكراه، التي يكون فيها الطفل مجنيا عليه، إلا في حال طلب دفاع المتهم تلك الشهادة».
وبحسب بن صرم، فإن «أكثر شهادات الأطفال تؤخذ في القضايا التي تقع على العرض، ويكون المجني عليها أقل من 14 عاماً، فيما يتعلق بقضايا هتك العرض بالإكراه».
وأوضح بن صرم أن «القاضي الجنائي قاض وجداني، باحث عن الحقيقة، لذا يمنحه القانون سلطات واسعة لسماع شهادة كل من يفيده في التحقيق، وإن كان طفلاً، غير أن أقوال الطفل (7-14 عاماً) لا يجوز إقامة الإدانة عليها وحدها، إنما أقواله تعزز دليلا آخر»، لافتاً إلى أنه «لو ملكت النيابة العامة أدلة أخرى تغنيها عن الاستماع لشهادة طفل على سبيل الاستئناس، فبالتأكيد أنها تستغني عن شهادته».
وفي مثال على شهادة الأطفال على سبيل الاستئناس، ذكر بن صرم أن «هتك شخص عربي الجنسية عرض طفلة مواطنة لم تبلغ الـ14 عاماً، بأن تحسس جسدها، أثناء غياب والدتها وشقيقتها في الغرفة الأخرى في المنزل، لتجريب جهاز تنظيف عرضه عليهم، كونه يعمل في شركة بيع تلك الأجهزة»، مشيراً إلى أن «شقيقة المجني عليها شاهدته أثناء عودتها إلى الغرفة، ما اثار فزعها وأبلغت عنه»، موضحاً أن «النيابة أخذت بأقوال المشتكية، شقيقة المجني عليها، وأيضاً شهادة المجني عليها على سبيل الاستئناس، كتعزيز للدليل الأول وهي رواية شقيقتها».
شهادة الطفل
يجوز سماع أقوال «7-14» عاماً على سبيل الاستئناس بغير يمين، وهذا ما نصت عليه المادة (91) من قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي رقم (35) لسنة 1992م وتعديلاته. ولا يحجب الشاهد الحدث (7- 14 عاماً) الذي يطلق عليه اسم ناقص التمييز، عن أداء الشهادة، وإنما يجوز سماع شهادته دون يمين على سبيل الاستئناس، أما الذي هو دون السابعة من عمره فإنه يطلق عليه اسم عديم التمييز، وبالتالي يحجب عن ممارسة إجراءات الشهادة ولا تقبل شهادته، فهو كالمجنون، وإذا سمعت أقواله، فلا اعتداد بها ولا على سبيل الاستدلال، فهي من الناحية القانونية فارغة من أي معنى أو قيمة.