عادات اجتماعية تقيّد عمل المأذونة

عمل المأذونة الشرعية سيكون محاطاً بصعوبات كبيرة. (أرشيفية)

أثار قرار دائرة القضاء في أبوظبي تعيين أول امرأة في وظيفة مأذون شرعي في دائرة القضاء في أبوظبي، ردود فعل متباينة في الوسط القانوني، إذ أفاد مختصون بأن عمل المرأة في مجال المأذونية «يمكن أن يكتب له النجاح إذا اقتصر على المحكمة فقط، ولم تضطر إلى مغادرة مقره، لإبرام عقود زواج داخل البيوت، في أوقات متأخرة وداخل مجالس رجالية». مشيرين إلى أن «هناك معوقات اجتماعية عدة تفرضها التقاليد والعادات داخل الدولة، رسخت ذكورية هذه المهنة في أذهان أفراد المجتمع».

وكانت دائرة القضاء في أبوظبي أصدرت قراراً بتعيين فاطمة سعيد عبيد العواني (33 عاماً) في وظيفة مأذون شرعي في دائرة القضاء في أبوظبي، وحددت مقر عملها في ديوان المحكمة في أبوظبي، على أن تمارس عملها خلال ساعات الدوام الرسمي وفق الضوابط الشرعية ذات الصلة.

وقال الاختصاصي الأسري راشد المنصوري إن المرأة يمكن أن تؤدي عملها بأريحية دون معوقات، إذا قصرت نطاقه على المحكمة، حيث يحضر إليها أهل العروسين، وتأخذ الوثائق المطلوبة منهما، وتملأ بياناتهم وتعقد قرانهما وفق الأصول الشرعية، مشيراً الى أن «عدد الزيجات التي تجري داخل المحاكم قليل جداً، وتتم الأغلبية داخل البيوت».

ويرى المنصوري أن «عمل المأذونة خارج نطاق المحكمة غير مقبول اجتماعياً، لأنه سيعرضها للاصطدام بمجموعة من المعوقات الاجتماعية التي لن تستطيع أن تتكيف معها بسهولة، خاصة أن طقوس عقد القران بين المواطنين ومراسمه، تتم في مجالس ذكورية لا تحضرها النساء، ومن ثم ستكون هناك نظرة اجتماعية ناقصة لوجود امرأة مأذونة تقوم بعقد قران وسط الرجال». مشيرا الى أن «أفراد المجتمع تعودوا على تعريف المأذون بالشيخ الذي يقرأ صيغة القبول والزواج بين الطرفين، ومن الصعوبة أن يتقبلوا فكرة وجود امرأة في مجلس رجالي تقوم بهذه المهمة».

ويتابع أن عمل المرأة مأذونة يتطلب منها أن تتمتع بالجرأة، واكتساب الخبرة في التعاطي مع بعض المواقف المحرجة التي قد تطرأ أثناء عقد القران. مثل التأكد من رضا العروس عن الزواج «إذ يحدث أحياناً أن تكون العروس رافضة للزواج ويخفي أهلها هذا الأمر عن المأذون». إضافة إلى أن هناك بعض مواقف تتطلب من المأذون التدخل لحل خلافات تنشب بين أهل العروسين حول المهر أو مؤخر الصداق أو ما شابه، لذا يجب أن تتمتع المأذونة بسلوك إيجابي في التعامل مع مثل هذه الأمور».

أما محمد الكمالي، من دار الافتاء في دبي، فقال إنه لا يتوقع نجاح التجربة داخل المجتمع «إذ سيكون عمل المأذونة محاطاً بصعوبات كبيرة، وإن كان عملها مقتصراً على المحكمة فقط». مضيفاً أن «عقد القران داخل المحاكم لا يلقى استحساناً من معظم العائلات في الدولة، لأنهم يفضلون قدوم المأذون إلى البيت لعقد القران. وهذا بالتأكيد لن تستطيع المرأة أن تقوم به لأسباب كثيرة، أهمها صعوبة دخولها مجالس الرجال لعقد القران، وصعوبة وجودها ليلاً خارج المنزل».

ويرى المأذون أحمد جمال أن المجتمع لن يتقبّل المرأة بسهولة للخصوصية التي يتمتع بها إذ إن  90% من الزيجات تتم داخل البيوت وليس داخل المحاكم، كما أن عمل المأذون يتطلب بعض المهارات مثل القدرة على إدارة الحوار بين أطراف الزواج وإقامة الخطبة الشرعية قبل عقد القران، مشيراً إلى أن وجودها بين الرجال، من أكبر الصعوبات التي ستواجه عمل المرأة في هذا المجال، كما أن وظيفة المأذون لا تقتصر على ساعات الدوام الرسمي، إنما تتم معظمها بعد أذان المغرب داخل بيت العروس.

ويضيف أن «هناك خلافات ونزاعات تحدث أثناء عقد القران، ويقع على عاتق المأذون التدخل والتوفيق بين الطرفين والإصلاح، والعمل على التوصل إلى حلول وسطى ترضيهما، مما يساعد على إتمام الزواج. وهو ما يتطلب من المرأة أن تقوم بحهد مضاعف لإثبات ذاتها في هـذا المجال».

وتابع أن الناس درجت على أن يمسك المأذون يدي الزوج وولي أمر العروس لإتمام عقد الزواج، وإن لم يكن هذا الفعل من الركائز الأساسية للزواج. ولكن مع وجود المرأة سيصبح أمراً غير مقبول اجتماعياً».

ويرى المأذون الشرعي عبدالله الرحمن المهدي أن هناك تحديات تواجه عمل المرأة مأذونة شرعية، أبرزها تغيير الصورة النمطية عن ذكورية المأذون والخبرة العملية والعلمية في توثيق العقود وعقد القران بين الأفراد، إضافة إلى صعوبات اجتماعية أخرى يتطلب من المأذون أن يتكيف معها.

وقالت أول مأذونة شرعية فاطمة العواني في تصريحات صحافية أخيراً إن المجتمع الإماراتي يتقبل وظيفتها الجديدة، وإنها لم تلحظ على الإطلاق أن هناك عدم تقبل من المجتمع لعمل المرأة في هذا المجال، مضيفة أن المرأة سبق أن اقتحمت مجالات عمل عدة من قبل.

وتضيف أن تعيينها أول مأذونة شرعية جاء ضمن الاهتمام بضرورة اشتراك المرأة في عملية التطوير الشاملة التي تشهدها دائرة القضاء في أبوظبي حالياً. «وهو ما يعني أنني دخلت في اختبار صعب وتحد لإثبات الذات. ومن ثم لا بد من العمل بكفاءة كبيرة لأنجز ما أسند إلي من مهام بكفاءة، باعتباري تجربة فريدة ستكون مقياساً للأداء لمن يأتين من بعدي».

وأشارت إلى المجتمعات العربية تحتاج بصفة عامة إلى سواعد أبنائها كافة للبناء والتنمية، ولا أرى أن هناك فرقاً بين عمل المرأة في مهنة ما، فقد أثبتت العديد من النساء نجاحاً باهراً فيما أسند إليهن من مهام، اعترض عليها البعض في بادئ الأمر، وسأكون بعون الله عند حسن الظن لأثبت أن عمل المرأة مأذونة شرعية لا يختلف عن عمل الرجل في مثل هذه المهنة».

ويعدّ قرار تعيين العواني مأذونة شرعية، الأول من نوعه الذي يخول المرأة بأن تعقد زواجاً في تاريخ الإمارات والمنطقة، والثاني على مستوى العالم والدول الإسلامية بعد مصر.

وفاطمة العواني حاصلة على بكالوريوس الشريعة والقانون من جامعة الإمارات عام  2000 وهي متزوجة ولها طفلان.

وكانت دائرة القضاء في أبوظبي أعلنت قبل بضعة أشهر عن تعيين أول وكيلتي نيابة على مستوى الدولة، وتبع ذلك تعيين المحامية خلود الظاهري أول قاضية في تاريخ الإمارات.

تويتر