رواتب «الكبار» بعيدة عن آثار الأزمة

أفاد خبراء ومتخصصون في سوق العمل داخل الدولة، بأن أغلب الشركات التي بادرت بالإعلان عن إجرائها عمليات إعادة هيكلة وغيرها من الإجراءات التنظيمية والتصحيحية في أقسامها للتغلب على الآثار السلبية التي خلفتها الأزمة الاقتصادية العالمية، قد أحجمت عن تخفيض رواتب كبار موظفيها لتقليل النفقات، كبديل عملي لجأ إليه كثير من الشركات في القطاعين الحكومي والخاص في دول أخرى، تأثرت بالأزمة، علما بأن مكافأة أحد أعضاء مجلس إدارة محلي في أي من هذه المؤسسات يوازي رواتب نحو 200 عامل خلال عام، وكذلك الحال مع الرؤساء التنفيذيين ونوابهم والمديرين العموميين والتنفيذيين ونوابهم، والمستشارين والخبراء ومساعديهم.

وتكشف تقارير مالية عن العام الماضي قدمتها أخيرا، شركات مدرجة في هيئة الأوراق المالية والسلع، عن عدم تأثّر مكافآت أعضاء مجالس الإدارات في هذه المؤسسات بالأزمة المالية العالمية، على الرغم من انخفاض أرباحها قياسا بالعام السابق.

وتضمنت التقارير المشار إليها بنودا أخرى بخلاف المكافآت التي يتلقاها أعضاء مجالس الإدارات وكبار الموظفين، مثل مستحقات مالية لأطراف ذات علاقة، وأتعاب وبدلات أخرى قدرت بملايين الدراهم.

وفيما تشير تقارير 2007 إلى أن إجمالي مكافآت كبار الموظفين في نحو 89 شركة وبنكا وصل إلى نحو 377 مليون درهم، فإن تقارير العام الماضي، التي صدرت منذ أيام تشير إلى أن هذا الرقم مرشح للزيادة بحسب آراء خبراء ومتخصصين، علما بأن نحو 50 شركة أحجمت عن الإشارة إلى مكافآت أعضاء مجالس إداراتها في تقاريرها المالية، على الرغم من أن القانون يلزمها بالإفصاح عنها وعرضها على الجمـعية العـمومية لإقـرارهـا.

وفيما يشير التقرير المالي لإحدى شركات التأمين إلى انخفاض حجم الأرباح من 150 مليون درهم تقريبا، خلال العام 2007 إلى أقل من 30 مليون العام الماضي، إلا أن مكافآت أعضاء مجلس الإدارة بلغت مليوني درهم.

وقال مستشار أول إدارة الأزمات الدكتور إسماعيل الحوسني إن أغلب الشركات المحلية التي تأثرت بتداعيات الأزمة المالية العالمية بادرت بالبحث عن حلول سريعة، فبدأت عملية إصلاح وإعادة هيكلة بشكل هرمي مقلوب، لأنها بدأت بقاعدتها العمالية وأنهت خدمات موظفين وأوقفت إدارات كاملة عن العمل في الوقت الذي ظلت فيه قمة الهرم بعيدة عن إعادة الهيكلة والإصلاح.

وأضاف الحوسني أن «أية خطة استراتيجية من البدهي أن تبدأ بالوظائف القيادية، خصوصا إذا كانت هذه الوظائف تستحوذ على نسبة كبيرة من مخرجات المؤسسة، لكن الشركات اختارت الطريق الأسهل على الرغم من الآثار السلبية التي قد تنجم عن هذه الخطوات غير المدروسة».

ورأى رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة ورئيس غرفة تجارة وصناعة أبوظبي صلاح عمير الشامسي، أن الأزمة الاقتصادية أفرزت كثيرا من النتائج التي دفعت المؤسسات الاقتصادية داخل الدولة للتعامل معها بالأسلوب الذي يناسبها ويتلاءم مع عملها وطبيعة مشروعاتها، ورفض اعتبار تخفيض رواتب كبار الموظفين بديلا لإنهاء خدمات الموظفين الآخرين، مضيفا أن بعضا من الشركات كان لزاما عليها تخفيض عدد موظفيها بعد تقلص حجم مشروعاتها، من دون الاستغناء عن كبار موظفيها الذين يعدون إحدى ركائزها.

ولفت إلى احتمالية رفض بعض كبار الموظفين تخفيض رواتبهم، وتاليا ترك وظائفهم، وهو ما يعد خسارة للشركات.

وأكّد الشامسي أن المكافآت التي يحصل عليها أعضاء مجالس الإدارات والموظفين في الوظائف القيادية العليا يحددها القانون واللوائح الداخلية في هذه المؤسسات، وتخضع لقرارات جمعياتها العمومية.

وقال المستشار الاقتصادي والرئيس التنفيذي بمكتب سمو الشيخ محمد بن خليفة بن حمدان آل نهيان، ياسر الرواشدة إن هناك مبالغات كبيرة جدا في رواتب ومكافآت بعض كبار الموظفين وأعضاء مجالس الإدارات لابد من إعادة النظر فيها.

وعزا ذلك إلى غياب السقف أو الحد الأقصى للرواتب داخل الدولة في القطاع الخاص، وهو ما يجعل السقف الحالي متغيرا كلما قامت إحدى المؤسسات بتخصيص راتب خيالي لأحد موظفيها الكبار، حيث تقتدي بها مؤسسات أخرى لاستقطاب تخصصات مشابهة.

وأضاف أن القطاع الحكومي يعد أكثر تنظيما في هذه المسألة، حيث تحدد نظم ولوائح الخدمة المدنية الحد الأدنى والأعلى للراتب في مختلف الدرجات الوظيفية، مشيرا إلى ضرورة الموازنة بين الرواتب في كلا القطاعين باعتبارهما سوق عمل واحدة.

ودعا الرواشدة إلى إعادة النظر في قيمة ونسبة المكافآت التي يحصل عليها أعضاء مجالس إدارات الشركات كل ثلاث سنوات لتتواءم مع المتغيرات الاقتصادية المتوالية، خصوصا أن توزيع المكافآت حاليا يعود إلى قانون مضى عليه نحو 18 عاما طرأت عليها متغيرات هائلة جدا، في حين رفض فكرة تخفيض الرواتب في الوظائف القيادية كحل يسهم في التغلب على آثار الأزمة الحالية قائلا ان تخفيض رواتب كبار الموظفين في المؤسسات ليس الحل للخروج من الأزمة الحالية بل قد يكون من أسباب تفاقمها وتعقيدها، لأن تخفيض الراتب سيترك أثرا نفسيا سلبيا كبيرا في أداء الموظف القيادي، وتاليا سيكون أداؤه أقل كفاءة في الوقت الذي يجب أن يعمل فيه بكامل طاقته العقلية والنفسية».

ودعا الرواشدة إلى إيجاد نوع من التقييم الشامل لقدرات الموظف في الوظائف العليا على أساس الإنجازات والحلول التي قدمها لمؤسسته، والاستغناء الفوري عنه إذا كان دون الأداء المرجو منه في حال كان وافدا، وإعادة تدريبه وتأهيله إذا كان مواطنا.

واعتبر الخبير الاقتصادي محمد الميرغني، أن هناك مبالغة في المخصصات المالية لكبار الموظفين في كثير من المؤسسات المحلية في ظل الظروف الاقتصادية التي يعاني منها العالم أجمع حاليا، ما يدعو إلى إعادة النظر بها، مضيفا أن اللوائح الحكومية والخاصة تنص على سبيل المثال على منح المدير العام والمدير التنفيذي نحو 1000 درهم عن كل يوم إيفاد يقضيه خارج الدولة، بخلاف تكاليف سفره وإقامته وانتقالاته، إلى جانب توفير إقامة في أحد فنادق الخمس نجوم، خلال مهمة العمل في الدولة المرسل إليها، ما يعني أن مهمة عمل واحدة قد لا تمتد أسبوعا قد تصل تكلفتها إلى 100 ألف درهم.

وأضاف أن هذه النفقات وغيرها من المفترض أن يعاد النظر فيها، بحيث يتم توزيع الآثار على الجميع من دون قصرها على أشخاص بعينهم.

وأكّد الميرغني أن سوق العمل داخل الدولة تعاني من عدم التوازن في مسألة توزيع الأجور، خصوصا بالنسبة للوظائف القيادية، التي يشغل الأجانب معظمها، خصوصا من الدول الغربية، ولفت إلى أن الإغراءات المالية التي كانت تقدم لهذه التخصصات كانت مطلوبة في أوقات سابقة، بل كانت ضرورية عندما كانت الدولة في بداية مرحلة النهضة وتحتاج إلى استقطاب الخبرات النادرة من شتى أنحاء العالم، إلا أن الأوضاع الحالية تدفع باتجاه إعادة النظر في هذه المزايا مع استمرار الركود الاقتصادي العالمي، وقيام أكبر الشركات والمؤسسات الاقتصادية في العالم بتقليص عمالتها، وإنهاء مشروعات لها في بعض الدول.

وقالت رئيسة لجنة العمال في جمعية حقوق الإنسان الدكتورة مريم الأحمدي إن هناك فجوة حقيقية في الرواتب التي يتقاضها موظفون يقومون بالمهمات نفسها تقريبا، الفارق الوحيد بينهما أن أحدهما أجنبي والآخر مواطن. وأضافت أن شركة طيران وطنية على سبيل المثال تمنح موظفا 140 ألف درهم شهريا، في حين يحصل نظيره المواطن على أقل من 20 ألفا، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك.

ويحدد قانون الشركات رقم 8 لسنة 1984 والمعدل بالقانون رقم 4 لسنة 1990 مكافآت أعضاء مجلس الإدارة بنسبة من أرباح الشركة لا تزيد على 10٪ من صافي الأرباح بعد خصم المصاريف والنفقات التي تقرها الجمعية العمومية وبعد توزيع الأرباح على المساهمين بنسبة لا تقل عن 5٪ من رأس المال.

وتنص المادة السابعة من القرار 32 لسنة ،2007 بشأن ضوابط حوكمة الشركات المساهمة العامة ومعايير الانضباط المؤسسي الصادر عن هيئة الأوراق المالية والسلع على تحديد مكافآت أعضاء مجالس الإدارات.

كما يلزم القرار الشركات بضرورة أن يتضمن النظام الأساسي للشركة طريقة تحديد مكافآت أعضاء مجلس الإدارة، ويجوز أن تكون هذه المكافآت راتبا محددا أو بدل حضور الاجتماعات أو مزايا عينية، أو نسبة معينة من الأرباح.

تويتر