إجازات إجبارية من دون راتب لتقليل النفقات

يحق للموظف تقديم شكوى ضد المؤسسة إذا رفض الإجازة الإجبارية.                 أرشيفية

وجدت شركات ومؤسسات خاصة طريقة جديدة لخفض نفقاتها تتمثل في إجبار موظفيها على الحصول على إجازات طويلة من دون راتب، أو تعديل عقود عملهم، أو إجبارهم على القيام بمهام أخرى كنوع من التحايل غير المبرر لدفع موظفيها للاستقالة.

وقال موظفون وخبراء عمل داخل الدولة لـ «الإمارات اليوم» إن هناك شركات حققت خلال فترة ما يسمى «الأزمة الاقتصادية العالمية» أرباحاً كبيرة. لكنها ركبت موجة الأزمة لزيادة أرباحها على حساب موظفيها. كما لجأت شركات أخرى لفرض شروط متشددة في عقود العمل الجديدة، لضمان الاحتفاظ بموظفيها في ظل ظروف العمل الجديدة.

وردت وزارة العمل بأن منح الموظفين إجازات من دون راتب يعد قانونياً في حال تم بقبول ورضا الموظفين، مضيفاً أن الموظف الذي يرفض الإجازة الإجبارية من دون راتب من حقه اللجوء لإدارات علاقات العمل، والتقدم بشكوى ضد المؤسسة.

وأكّدت الوزارة أنها لا تعترف بأي بنود يتم تسجيلها في عقد العمل تكون مخالفة لقانون العمل، خصوصاً البنود المتعلقة بحقوق العامل، لافتة الى أن شرط المنافسة الذي تسجّله الشركات في عقود العمل يعد قانونيً، مادام مقيداً بمدة محددة.

وتفصيلاً، قالت علياء الحسيني مستشارة مبيعات في إحدى شركات مجموعة شهيرة، مقرها الرئيس في دولة خليجية، وتنتشر فروعها في الإمارات، إن الإدارة أنهت تعاقدها مع شركة النظافة التي تتولى مهمة تنظيف محال الملابس في المولات الرئيسة، وألزمت الموظفين العاملين في هذه المحلات ـ على اختلاف درجاتهم ومستوياتهم ـ بالقيام بمهام التنظيف، وهو ما رفضه الموظفون في البداية، لكنهم قبلوا به تحت التهديد بإنهاء خدماتهم.

وأشارت علياء إلى أن متوسط المبيعات اليومي في أحد محال بيع ملابس الأطفال، التابعة للشركة، يصل الى نحو 40 ألف درهم، على الرغم من كل ما يقال حول «الأزمة»، بل على العكس فحجم المبيعات والأرباح في تزايد نظراً للعروض التي تقدمها الشركة، وانخفاض تكلفة الاستيراد من دول المصدر.

واعتبر مدير عام شركة «طنب الكبرى» للمقاولات إبراهيم الخوري، أن أية إجراءات يتخذها صاحب العمل مع الموظفين بحجة «تداعيات الأزمة» تخضع لضمير صاحب العمل فقط، حيث لا توجد قواعد قانونية تمنع ذلك، مضيفاً أن صاحب العمل يضع الشروط التي يريدها في العقد الداخلي من دون تدخل من أي جهة.

رواتب

وزاد أن هناك شركات خفضت رواتب عمالتها، وأخرى وضعت شروطاً جديدة في عقود العمل. لكنها حالات معدودة لم تصل إلى حد الظاهرة. ولفت إلى أن هناك شركات أخرى زادت رواتب موظفيها.

وأكّد أحمد المولي (موظف في وكالة سيارات كبرى في أبوظبي) أن الشركة خفّضت رواتب الموظفين بنسبة تراوح بين 20 و30٪ بعد تدني عمليات البيع، في حين لم تزد الرواتب أو تمنح الموظفين أية حوافز مالية عندما وصلت المبيعات لأرقام قياسية خلال العام الماضي. وتساءل «لماذا تدعونا الشركات لمشاركتها في انخفاض أرباحها، وتتجاهل وجودنا عند زيادة الأرباح».

فيما قال الموظف في أحد الفنادق الكبرى في الشارقة خالد سلمان، إنه فوجئ عند تقديمه إجازة الصيف لمدة شهر بمدير الفندق يطلب منه الحصول على إجازة اعتيادية براتب لمدة شهر، والحصول على إجازة إجبارية دون راتب لمدة شهرين آخرين. وأخبره أن هذا الوضع فرضته ظروف الأزمة في ضوء انخفاض الحركة السياحية، وأن هذا أفضل الحلول الراهنة لمواجهة تداعيات الأزمة من دون اللجوء لإقالة موظفين، خصوصاً أنه من المتوقع عودة النشاط للقطاع السياحي قريباً. وأفاد إسماعيل بدرالدين، وهو مهندس متخصص في بناء الارتفاعات الشاهقة، بأن شركة المقاولات التي يعمل فيها طالبته بالحصول على إجازة من دون راتب لمدة ستة أشهر مع 10 من زملائه، بدلاً من الاستغناء عنهم جميعاً، على الرغم من أن معظمهم يعملون في تخصصات فنية نادرة، مثل بناء الأبراج السكنية والتجارية الشاهقة. وأضاف «سأسافر هذا الأسبوع إلى السعودية للبحث عن وظيفة أخرى هناك، بسبب استحالة العيش من دون راتب هذه المدة الطويلة في الدولة، خصوصاً أن لدي أربعة أبناء يدرسون في مراحل التعليم المختلفة».

شروط صعبة

أما سحر عزت فتقول إن كثيراً من شركات القطاع الخاص تتعمد وضع شروط صعبة للعمل مستغلة ظروف الأزمة المالية، وقلة فرص العمل المتوافرة. وعلى سبيل المثال، فقد اشترطت شركة الدعاية والإعلان التي أعمل لديها، ألا أعمل في أي شركة منافسة في الدولة في حال تركت العمل في الشركة قبل مرور عامين على الأقل. كما وضعت شرطاً غريباً يتمثل في أن أتحمل تكاليف الإقامة وتكاليف التأمين الصحي، إذا تركت العمل قبل مرور ثلاث سنوات. وتابعت «قدمت استفساراً لوزارة العمل قبل توقيع العقد، فأكدت أن من حق الشركة أن تشترط ما تريد في عقد العمل الداخلي وليس للوزارة حق الاعتراض على البنود الواردة فيه».

ومن جانب آخر، قال مستشار أول إدارة الأزمات الدكتور إسماعيل الحوسني، إن لجوء الشركات لهذه الأساليب في التعامل مع تداعيات الأزمة لابد أن يكون قائماً على أسس وخطط استراتيجية متكاملة، وليس إجراءات فورية كنتيجة مباشرة لانخفاض الأرباح. وأكّد أن تخفيض الرواتب أو إرغام الموظف على الحصول على إجازة من دون راتب، قد يدفعان الكفاءات النادرة للهروب من سوق العمل والبحث عن فرص بديلة، وتالياً ستكون خسارة الشركة مضاعفة. وأضاف أن أغلب الشركات المحلية التي تأثرت بتداعيات الأزمة المالية العالمية بادرت بالبحث عن حلول سريعة، فبدأت عملية إصلاح وإعادة هيكلة بشكل هرمي مقلوب، لأنها بدأت بقاعدتها الأساسية من العمال والموظفين وظلت قمة الهرم بعيدة عن إعادة الهيكلة والإصلاح. ورأى الحوسني أن أية إجراءات تستهدف إعادة النظر في تكاليف التشغيل لمؤسسة ما يجب أن تكون شاملة وذات أسس وتضع في اعتبارها المدى الزمني الذي يمكن أن تتغير فيه هذه التداعيات.

فيما رأى رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة، ورئيس غرفة تجارة وصناعة أبوظبي صلاح الشامسي أن الأزمة الاقتصادية أفرزت كثيراً من النتائج التي دفعت المؤسسات الاقتصادية داخل الدولة للتعامل معها بالأسلوب الذي يناسبها. وقال إن ظروف الشركة قد تحتم عليها تخفيض رواتب موظفيها بدلاً من إنهاء خدماتهم، كمرحلة مؤقتة حتى تعود الأمور إلى طبيعتها، والموظف يبقى صاحب قرار الاستمرار أو البحث عن فرصة عمل أخرى، طبقاً للإجراءات القانونية.

وقال القائم بأعمال وزارة العمل حميد راشد بن ديماس السويدي إن منح الموظفين في بعض الشركات إجازات من دون راتب كنوع من إعادة الترتيب لأوضاعها نتيجة تأثرها بالأزمة الاقتصادية أو لأي سبب آخر، يعد قانونياً من كل الأوجه، في حال كان ذلك بقبول ورضا الموظفين، مضيفاً أن الموظف الذي يرفض الإجازة الإجبارية من دون راتب من حقه اللجوء لإدارات علاقات العمل في الإمارة التابعة له والتقدم بشكوى ضد صاحب العمل، حيث تقوم الوزارة باستدعاء صاحب العمل وبحث الشكوى وإلزامه بإعادة الموظف لعمله. وأكّد المدير العام أن وزارة العمل لا تعترف بأية بنود، يتم تسجيلها في عقد العمل، مخالفة لقانون العمل، خصوصاً البنود المتعلقة بحقوق العامل، مضيفاً أن شرط المنافسة الذي تسجله الشركات في عقود العمل يعد قانونياً، لأنه إجراء تتخذه الشركات لمنع الموظف من استغلال المعلومات التي كانت بحوزته لدى شركة منافسة، على أن يكون ذلك لمدة محددة.

عقد جديد

وحول تخفيض رواتب الموظفين، قال إن تخفيض الراتب يحتم على الشركة إبرام عقد جديد مع الموظف يحتوي على الراتب الجديد، بشرط أن يكون ذلك في حضور صاحب العمل والموظف، حتى يتأكّد الباحث القانوني في الوزارة من موافقة الموظف على تخفيض راتبه، وإذا رفض ذلك يتقدم بشكوى رسمية للوزارة، وفي حال قيام الشركة بإنهاء خدماته تحال المنازعة للمحكمة العمالية للبت فيها، والمحكمة فقط هي من يحكم ما إذا كان ذلك فصلا تعسفيا أم لا. وأشار بن ديماس إلى أن بعض الشركات لجأت إلى هذا الخيار كجزء من إجراءات عدة هدفها تقليل نفقاتها بدلاً من إنهاء خدمات موظفين لديهم التزامات مالية. وقال إن هذه الحالات لا تعبر عن ظاهرة، ومازالت في نطاق محدود جداً.

تويتر