الظاهري عاصر ثلاثة قرون
يجمع مصبح بن عبيد الظاهري (113 عاماً) هوايات ومهناً عـدة، أبـرزها ولعـه بالصحافـة واشتغاله بها، فهو أول مَنْ امتهن هـذه المهنـة في الدولة، وأول مـن أسّس صحيفـة. وعلى الرغم من تقدمـه في السن، فإنـه لايزال محتفظاً بصحته الجسدية والذهنية.
تعلّم الظاهري، المولود في عام 1896 في العين، الكتابة والقراءة والحساب على يد الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان الأول، عم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس الدولة. وإضافة إلى كونه رائداً في الصحافة، برز بفطرته تاجراً ذكياً، وكان أول مَنْ أسّس بناية مكوّنة من طابقين مبنية من الطين، وأول مَنْ بنى مقهى شعبياً في العين.
يروي الظاهري الذي شهد ثلاثة قرون لـ«الإمارات اليوم» أهم محطات حياته، إذ تعلّم قراءة القرآن الكريم أولاً، قبل أن يبدأ تعلم الكتابة والقراءة والحساب على يد مَنْ تربى في كنفه الشيخ خليفة بن زايد الأول، في مرحلة مبكرة من عمره، كان خلالها يتنقل بين مدينة أبوظبي وواحة البريمي. واستفاد كثيراً من العلماء الذين كانوا يتردّدون على منزل خلف بن عتيبة، أحد كبار تجار اللؤلؤ في عهده، كما استفاد من مجالسته الشيوخ في تنمية مهارة التجارة، فكان أول من شيّد محال تجارية مـن الطين. وهـو أول مَـنْ أسّس بنايـة تجاريـة مـن الطين، ومغسلة للثياب، في وقت كانت أداة الغسيل فيه الطين والماء، وأول مَنْ امتلك مقهى شعبياً، كان في ذلك الوقت ملتقى ثقافياً وترفيهياً للسكان، واشتهر من خلاله ببيعه «النخي والشاي والقهوة»، التي كان يجلبها بكميات كبيرة من دبي مُحمّلة على ظهور الجمال.
أما فكرة صحيفة «النخي» التي أسّسها الظاهري في ،1934 فكانت بسيطة للغاية، إذ لاحظ ضعفاً في الإقبال على شراء «النخي»، وهو نوع من الحبوب يُعرف في دول عربية باسم الحمص المسلوق، فأحضر ورقة من الكرتون ودوّن عليها فوائد «النخي» بأسلوب شيق، مركزاً على فوائده الصحية، وعلّقها على واجهة المقهى، فقرأها كل من مر بها، حتى لفت انتباههم، وحظيت المعلومات عن النخي باهتمام الرجال، فزادت المبيعات على نحو كبير، ما شجعـه على كتابـة نسخ عـدة عـن النخي وتوزيعها، وزاد عددها في البدايـة على 10 نسخ في الأسبوع، وعُدّت تلك الورقة بمثابة أول صحيفة اقتصادية في الإمارات.
وقال: «طورت التجربة لاحقاً، فبدأت بكتابة الأخبار والمعلومات عن المواليد والوفيات والأعراس وأحوال الطقس، وحتى حالات الطلاق في مناطق العين، فضلاً عـن أخبار وصول القوافل التجارية التي تأتي من أبوظبي ودبي والشارقـة، وظروف الطريق من العين إلى أبوظبـي ودبـي، وفي مرحلة متقدمـة أضفت أخباراً كنت أسمعها من إذاعتي صوت العرب، ولندن».
وكان الظاهري يبدي اهتماماً لافتاً بالمقهى، فحرص على تزويده بجهاز أسطوانات غنائيـة وموسيقيـة «البشتختة»، قبل أن يضيف الراديو إلى محتوياته. وشكل أول عهد له بجهاز الراديو قصـة طريفـة، إذ شاهـده للمرة الأولى في يدي جـندي بريطاني أتى إلى المقهى، فسأله عن الآلة الغريبة الشكل، وما أن بدأ بتشغيله حتى دُهش، ومن معه، في المقهى من الصوت المنبعث منه، عندها بدأ بعض الزبائن يكبرون ويستعيذون بالله من الشيطان الرجيم، إذ ظنوا أن الجهاز مسكون بالجن، وفرّ بعضهم من شدة الخوف، لكنه أعجب بالجهاز، وطلب إلى الجندي أن يبيعه إياه، فوافق واشتراه بـ25 روبية، وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت.