مطالبة بمختبرات أدلة لــ «الجرائم الإلكترونيـة»
طالب محامون وخبراء تزييف، باستحداث مختبرات متخصصة في الأدلة الجنائية للجرائم الإلكترونية، لتعين نتائجها القضاة للفصل في هذه القضايا في المحاكم، إضافة إلى تعيين خبراء في مجال تكنولوجيا المعلومات للاستعانة بهم في مثل هذه القضايا، متوقعين أن تشهد المحاكم خلال الفترة المقبلة زيادة في أعداد القضايا المرتبطة بمواقع الإنترنت الاجتماعية مثل «الفيس بوك» و«تويتر» وغيرهما، في ظل تصاعد وتيرة سوء استخدام بعض الأشخاص لهذه التكنولوجيا في توجيه الإساءة للآخرين عبر نشر صور خادشة أو توجيه عبارات سب وقذف.
وأضافوا أن الأحكام في هذه القضايا تصدر بناء على قناعة القضاة لعدم توافر الأدلة الجنائية المادية، داعين إلى تطوير القوانين والتشريعات لتشديد العقوبات بحق مرتكبي الجرائم الإلكترونية، وإنشاء نيابات متخصصة في هذه النوعية من الجرائم وتأهيل محققين متخصصين في هذا المجال.
وتفصيلاً، قال المحامي يوسف الشريف، إن «محاكم الدولة بدأت منذ وقت قريب النظر في عدد من القضايا المرتبطة بشبكة الإنترنت، إذ استغل أفراد المساحات المتاحة داخل الشبكة العنكبوتية في الاعتداء على خصوصية الآخرين سواء بنشر صور فاضحة لهم أو توجيه السب والقذف وخدش حيائهم»، مضيفاً أنه «ترافع أخيراً في قضيتين استخدم فيهما المتهمان البريد الإلكتروني للإساءة بآخرين ودانت المحكمة أحدهما بالحبس ثلاثة أشهر والإبعاد عن الدولة للتشهير بالمجني عليه إضافة إلى سبه وقذفه، مستندة هيئة المحكمة في حكمها إلى الرسالة الإلكترونية التي أرسلها المتهم إلى المدعي».
وأوضح أنه «عادة في مثل هذه القضايا ينكر المتهمون صلتهم بالواقعة ويحاولون إبعاد شبهة الجريمة عن أنفسهم بأن آخرين هم من قاموا بهذا الفعل وعلى المدعي إثبات صحة إدعائه»، لافتاً إلى أن «المحكمة تستعين بفنيين في مجال التكنولوجيا للتأكد من الأدلة المادية للجريمة لكن يتوقف الحكم على مدى قناعة المحكمة بتلك الأدلة»، مؤكداً أهمية توفير خبراء في مجال تكنولوجيا المعلومات للاستعانة بهم في المحاكم لتأكيد ونفي الأدلة المادية الإلكترونية عن المتهمين».
ويرى المحامي علي العبادي، أن «الأحكام في القضايا الإلكترونية تخضع في العادة إلى قناعة هيئة المحكمة ورؤيتها لما تحتويه أوراق القضية ومن ثم تقرر الإدانة أو البراءة وتقدير العقوبة العادلة بحق المتهمين في مثل هذه القضايا»، لافتاً إلى «أنه من الصعوبة إثبات أدلة الجريمة على المتهمين في القضايا الإلكترونية ، إذ ينكرون دائماً أنهم الفاعلون الحقيقيون وأن هناك آخرين ارتكبوا هذا الفعل مستغلين أسماءهم أو مواقعهم الإلكترونية الشخصية».
وتابع «أنه ترافع أخيراً في قضية سب وقذف عن طريق الهاتف، وأنكر المتهم خلالها أنه من ارتكب هذا الفعل وأن ابنه الصغير هو من فعلها من دون إدراكه بعواقب ذلك، وما كان من القاضي إلا الحكم بالبراءة وغلق القضية لعدم كفاية الأدلة المادية».
وأكد أن «زيادة هذه النوعية من الجرائم يستدعي استحداث مختبرات للأدلة الجنائية الإلكترونية وتوفير أدوات تكنولوجية وتقنية عالية قادرة على البت في الأدلة المادية لهذه النوعية من الجرائم، خصوصاً أن هناك بالفعل تطوراً كبيراً على مستوى عمليات القرصنة الإلكترونية، وبات من السهولة أمام أي شخص إمكانية الولوج لمواقع إلكترونية اجتماعية خاصة بآخرين واستغلالها بشكل سيّئ عبر توجيه كلمات أو نشر صور غير مرغوبة قد تتسبب في تورط أصحابها في مشكلات وملاحقات قضائية لاحقاً».
من جانبه، يقول الخبير في مجال التزييف والتزوير، يحيى الديب، إنه على الرغم من انتشار الجرائم الإلكترونية وتطورها بشكل متسارع خلال السنوات القليلة الماضية، فإنه لا يوجد حتى الآن مختبرات أدلة جنائية إلكترونية على مستوى الدولة والمنطقة العربية، مضيفا أن «استحداث تخصص الأدلة الإلكترونية مازال قيد الدراسة في معظم النظم الشرطية العربية في حين أنه أصبح مطبقاً في بعض الدول مثل أميركا وبريطانيا في ضوء انتشار أنماط الجرائم الإلكترونية على نطاق واسع على مستوى العالم».
وأكمل أنه «من الأهمية أن تكون هناك كوادر بشرية متدربة تدريباً عالياً على كشف الأدلة الجنائية في الجرائم الإلكترونية بحيث يتم الاستعانة بهم في إثبات أو نفي التهم عن الأشخاص المشتبه فيهم، ومن ثم يكون من السهولة إصدار الأحكام القضائية بحق المتورطين على سند ما يتم كشفه من أدلة لا يمكن إنكارها».
وأشار إلى أن «الجزء الكبير من عمل الأدلة الجنائية الإلكترونية المفترضة يتوقف على توفير كوادر فنية تعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات تكون قادرة على استخراج البيانات والمعلومات وتتبع خيوط الجريمة الإلكترونية وتحديد هوية المتهمين الحقيقيين، وذلك بالاستعانة بالأدوات التكنولوجية الممكنة».
وتطالب المحامية عائشة الطنيجي بتطوير قوانين وتشريعات تفصيلية تشدد العقوبات بحق مرتكبي الجرائم الإلكترونية وإنشاء نيابات متخصصة في هذه النوعية من الجرائم وتأهيل محققين متخصصين في هذا المجال، إضافة إلى إنشاء مختبرات متخصصة لتحديد الأدلة الجنائية الإلكترونية لتحديد هوية المتهمين الحقيقيين.
وترى أن هذا النوع من الجرائم المستحدثة تتطلب جهوزية عالية على مستوى أجهزة الشرطة والنيابات والمحاكم، لتضبط التصرفات الخارجة عن القانون في مواقع الإنترنت وحماية حقوق الضحايا في التقاضي وطلب التعويضات المادية عن الأضرار النفسية التي تلحق بهم.
تطوير التشريعات خلصت دراسة بعنوان «الجرائم الإلكترونية وسبل مواجهتها» صادرة في العام 2008 عن مركز بحوث شرطة أبوظبي أعدها الدكتور محمد البشري والمقدم إبراهيم محمد الهنائي، إلى أهمية العمل على تطوير التشريعات، وتعزيز قدرات العاملين في أجهزة نظام العدالة الجنائية بالقدرة التي تمكنهم من استيعاب طبيعة الجرائم الإلكترونية، ونظم الأدلة الرقمية اللازمة لاكتشاف ومعالجة مثل هذه الجرائم. وعرفت أن الجرائم الإلكترونية بأنها «الصفة الجامعة لمختلف أنماط الحاسب الآلي، جرائم الإنترنت، والجرائم الفضائية»، موصية بتطوير قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، خصوصاً قانون الجرائم الإلكترونية، مع التركيز على التشريع الجنائي الشكلي، وقواعد البيئة الرقمية اللازمة لإثبات الجرائم الإلكترونية. ونظراً لأهمية الطبيعة الدولية للجرائم الإلكترونية، اقترحت الدراسة تصوراً لاتفاقية إقليمية لمكافحة الجرائم الإلكترونية تتبناها الدولة، لتحقيق التعاون الإقليمي والدولي في مكافحة الجرائم الإلكترونية. |