ضعف الرواتب وقصور التعليــــــــــــم يعوقان توطين «الإعلام»
ألقى مواطنون خريجو كليات الإعلام ويعملون في مؤسسات غير إعلامية، بمسؤولية انصراف الكادر المواطن عن العمل في الصحافة بأنواعها المكتوبة والمرئية والمسموعة على عاتق القصور في مخرجات التعليم وعجز بيئة المؤسسات الإعلامية عن جذبهم للعمل، وعزا خبراء إعلاميون سبب عزوف المواطنين عن العمل في المؤسسات الإعلامية إلى فجوة مهنية أولاً، ثم معرفية.
وشكل رؤساء تحرير الصحف المحلية، أخيراً، لجنة أعدت مذكرة تتضمن جملة من التوصيات تتعلق بطرق استقطاب الكوادر المواطنة وتأهليها للعمل في المجال الإعلامي في كل قطاعاته وفروعه، وعرضتها على المجلس الوطني للإعلام الذي رفعها بدوره إلى رئاسة مجلس الوزراء.
وتقول خريجة جامعة الإمارات قسم الاتصال الجماهيري اختصاص صحافة سعاد الزعابي، إنها تقدمت بعد تخرجها بطلبات عمل إلى أكثر من مؤسسة اعلامية في مجال الصحافة والمطبوعات، ولم تجد فرصة عمل بسبب قلة خبرتها.
وأكدت سعاد أن رحلة بحثها عن وظيفة استغرقت نحو ست سنوات قبل أن تتمكن من الانضمام الى العمل في قسم الإعلام في واحدة من الدوائر الحكومية في إمارة دبي، لافتة إلى أن العمل في دائرة حكومية يختلف تماماً عن العمل في مؤسسة صحافية، لأنه يفرض على الموظف التقوقع ضمن موضوعات محددة تتعلق بعمل وأنشطة تلك الدائرة.
وقال خريج كلية الإعلام «فهد.م» إنه التحق عشية تخرجه بالعمل في واحدة من المؤسسات الصحافية المعروفة وعمل فيها سنوات عدة قبل أن يستقيل ويلتحق بقسم العلاقات العامة في دائرة حكومية، موضحاً أن الفكرة السائدة في المجتمع عن العمل الصحافي لا تشجع الصحافي المواطن على الاستمرار في العمل لأن دوره في نظر المجتمع لا يتعدى كونه مراسلاً لنقل الأخبار التي تحددها إدارات الإعلام في المؤسسات والهيئات المختلفة.
وأكد أن العمل في المؤسسات الصحافية صعب للغاية، بالإضافة إلى افتقار العديد من المؤسسات الإعلامية إلى الحوافز المهنية والمالية المطلوبة لاستقطاب الطاقات الاعلامية المواطنة.
وانتقد خريج آخر من كلية الاعلام، «م.أ» عدم وجود خطط لاستقطاب الكوادر الإعلامية المواطنة بنسبة معينة وبشكل سنوي، مؤكداً عدم وجود برنامج جاد لتعيين وتدريب خريجي كليات الإعلام، لافتاً إلى أن خريجي قسم الصحافة من كليات الاعلام يعانون ضعفاً في قدراتهم التحريرية بسبب دراستهم باللغة الإنجليزية التي لا تدربهم على الكتابة الصحافية باللغة العربية.
وأشار الى تقصير طلاب الإعلام في بناء أنفسهم ثقافياً، وعزوفهم عن القراءة والمتابعة المطلوبة، وتدريب الطلاب في مؤسسات غير إعلامية، مستغربا عدم فرض كليات الإعلام شرط التحاقهم بمؤسسات اعلامية، موضحاً أن الطلاب غالباً ما يقيمون علاقة شخصية مع إدارة المؤسسة التي يتدربون فيها، وبالتالي يسهل عليهم العمل فيها، كما أن وجود إداريين لا يحملون خبرات صحافية على رأس بعض الوسائل الإعلامية يجعلهم لا يقدرون أهمية استقطاب الكوادر المواطنة.
قصور التعليم
من جهته، تناول المنسق السابق لقسم الصحافة المكتوبة في كلية الاتصال في جامعة الشارقة الدكتور إبراهيم الحوسني، أسباب القصور في مخرجات التعليم، قائلاً «نفاجأ بأن الخريجين يجدون صعوبة في الانخراط في العمل الاعلامي نتيجة للاختلاف في التدريب الكتابي بين التدريب باللغة الانجليزية والتدريب بالعربية، مؤكداً أن الأسس الدراسية لتعليم أصول وقواعد الصحافة واحدة، غير أن الطالب يجد صعوبة في الكتابة بالعربية، خصوصاً أن مدة التدريب لا تتعدى فصلاً دراسياً واحداً.
وأضاف «هناك سبب آخر لتدني مستوى الطلاب وهو اختلاف مستوى المدرسين أنفسهم، إذ كان المدرسون في السابق يمتلكون خبرة صحافية مهنية الى جانب مؤهلاتهم الاكاديمية والتدريسية ولكن معظمهم اليوم ليس لديه خبرة صحافية، وهذا الأمر برأيي انعكس سلبا على مستوى الطلاب الخريجين».
وتطرق الحوسني إلى سهولة الانضمام الى قسم الصحافة المكتوبة، الامر الذي ينال برأيه من مستوى الطلاب التعليمي وبالتالي المهني، وقال «من يحصل من الطلبة على إنذار أو طرد من تخصص العلاقات العامة، غالباً ما يحول تخصصه الى الصحافة المكتوبة لأن القبول في قسم الصحافة المكتوبة يتم وفقاً لشروط أسهل بكثير من شروط القبول في التخصصات الإعلامية الأخرى وتحديداً قسم العلاقات العامة، الذي يشهد إقبالا كبيرا من الطلاب بسبب فهمهم الخاطئ لمعنى ودور تخصص العلاقات العامة من جهة، ورغبتهم في الحصول على عمل مريح وفرصة وظيفية مضمونة من جهة أخرى».
ولفت الحوسني إلى أن «توجه عدد قليل من الطلاب الى التخصص في الصحافة المكتوبة أدى إلى تساهل الجامعات في شروط القبول في تخصص الصحافة، وذلك في محاولة للجامعات لجذب الطلاب لدراسة الصحافة، حيث يقدر عدد الخريجين من قسم الصحافة المكتوبة سنوياً بـ10 طلاب مقابل 110 من قسم العلاقات العامة و25 من قسم الاذاعة والتلفزيون».
وأشار إلى أن هناك العديد من الطلاب المتميزين الذين يعملون على صقل مهاراتهم بالقراءة والكتابة والمتابعة، موضحاً انه من الخطأ التعميم بأن الطالب الإماراتي لا يجهد نفسه بالاجتهاد.
حب المهنة
ويتفق رئيس تحرير صحيفة «غلف نيوز» عبدالحميد أحمد، على وجود مشكلة في مخرجات التعليم ومشكلات التدريب، عازياً السبب في انصراف المواطنين عن العمل الصحافي والمؤسسات الاعلامية الى أمرين آخرين: الاول يكمن في تدني مستوى الأجور والرواتب والحوافز مقارنة بما هو متوافر في القطاع الحكومي أو في المؤسسات الاعلامية التابعة للقطاع الخاص، مع الأخذ في الاعتبار صعوبة المهنة ومشاقها، والثاني أن نسبة الترقيات الوظيفية وسرعة التدرج في وظائف القطاع الاعلامي أقل من نسبتها في القطاعات الاخرى، الأمر الذي لا يجذب إلا محبي المهنة للعمل في القطاع الاعلامي.
وأكد أن هناك خريجين من غير تخصص الاعلام انضموا الى صفوف الصحافيين متبوعين بحب المهنة، مشدداً على أن من يعمل في هذه المهنة يجب أن يبذل التضحيات، موضحاً أنه من الصعب أن نطلب من الجيل الجديد التضحية والعمل في المؤسسات الاعلامية مقابل راتب يصل إلى 15 ألف درهم في أحسن الأحوال، بينما يتقاضى خريجو الاعلام الذين يتوجهون للعمل بقطاعات حكومية أخرى راتباً يزيد على ذلك على الاقل 10 آلاف درهم». ويتذكر أحمد بداياته في حقل الإعلام «حين بدأت العمل في مهنة الصحافة في عام 1979 كان راتبي لا يتجاوز 4000 درهم وكان زملاء لي يعملون في مؤسسات غير إعلامية يتقاضون 7000 أو 8000 درهم».
وتناول أحمد مشكلات التعليم في كليات الاعلام، مطالباً بضرورة إضافة الجامعات إلى مساقات عملية محسوبة الدرجات وتمتد لمدة زمنية كافية لصقل مهارات الطالب، لافتاً الى إصابة الطلاب بصدمة بين ما يتلقونه من تعليم وما يعايشونه على أرض الواقع، ضارباً مثلاً بدراسة الاعلام في الجامعات الغربية حيث يلزم الطلاب بإجراء تحقيقات وحوارات صحافية تنشر في الصحف، مضيفاً أنه يطلب منهم إصدار صحف محلية يتولى الطلاب مراحل تأسيسها وإصدارها من الألف الى الياء.
خطة مقترحة
وأشار رئيس جمعية الصحافيين محمد يوسف إلى التوصية بتشكيل لجنة مختصة للإشراف على تنفيذ الخطة التي اقترحها رؤساء تحرير الصحف المحلية، حيث تتكون من ممثلين من جميع الأطراف المعنية مثل المؤسسات الاعلامية والمجلس الوطني للاعلام وجمعية الصحافيين، لافتاً الى تبلور مهام وأعضاء اللجنة والاعلان عن تأسيسها قريباً، حيث تكون وسائل الاعلام ممثلة لما يضعها في موقع الشراكة والمسؤولية بتحويل بيئة العمل في المؤسسات الاعلامية الى بيئة جاذبة للكادر المواطن من خلال تعديل الرواتب لتقترب أو تعادل ما يصرف من أجور في المؤسسات الحكومية الأخرى أو المؤسسات الاعلامية التابعة للقطاع الخاص. كما أشار إلى أهم المقترحات والتوصيات المقدمة الى جانب تعديل الحوافز والرواتب مثل توفير التأهيل العملي في المؤسسات الاعلامية للخريجين الاعلاميين، وضمان توفير حوافز مالية للطلاب خلال التدريب العملي.
وأوضح يوسف أن الخطة اعتنت بشريحة الخريجين من غير تخصص الاعلام الذين يملكون الامكانات والمؤهلات المطلوبة لامتهان الوظائف الاعلامية، مشيراً إلى ان كثيراً من اللامعين في مهنة الصحافة خريجون في تخصصات أخرى غير الاعلام، مؤكداً ضرورة الاهتمام بتلك الشريحة لاسيما أن هناك وظائف مساعدة في العمل الصحافي نهمل ذكرها على الرغم من أهميتها وهي كثيرة منها المنفذون والمخرجون والمصورون وتلك المهن في الغالب لا تحتاج إلى دراسات جامعية بل إلى دورات ودبلومات عملية متخصصة.
ونفى يوسف أن يكون الهدف الحالي هو توطين المهنة والمؤسسات الاعلامية، معتبراً أن ذلك أمر صعب ويستغرق سنوات طويلة من العمل المتراكم، لافتاً إلى أن الاحصاءات التقديرية لعدد العاملين في الوظائف الاعلامية تشير إلى 3000 عامل، مؤكداً استحالة توفير هذا العدد من المواطنين، موضحاً ان الجهود يجب أن تتركز حاليا في استقطاب أكبر عدد من المواطنين للعمل في المؤسسات الإعلامية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news