«الاتحادية العليا» أكدت أنها تقدر وفقاً لسعة المنفق.. وأحكامها وقتية

أزواج يشكون «المبالغة» في تقـدير النفقة لمطلقاتهم

«المحكمة» تراعي حال الزوجة والأولاد بعد الطلاق. تصوير: إريك أرازاس

اعتبر أزواج مطلقون أن «هناك مبالغة في احتساب قيمة النفقة الشهرية»، التي تقضي بها المحاكم للمطلقات الحاضنات، لافتين الى أنها لا تتناسب مع دخولهم. وقالوا إن النفقات التي تطالبهم المحاكم بتسديدها لمطلقاتهم تضع عليهم أعباء مالية تجعلهم متعثرين، لافتين إلى أن استقطاع نسبة كبيرة من رواتبهم لا يمكنهم من تلبية متطلباتهم المعيشية.

وأكد أزواج أن مطلقاتهم يتعمدن المبالغة في طلباتهن، مطالبين بمراجعة قانون الأحوال الشخصية في مسألة تقدير النفقة الشهرية، بما يتناسب مع مقدرة الأزواج.

وأكد محام أن هناك آباء يتحايلون على القانون، لتقليل قيمة النفقة لمطلقاتهم وآبنائهم منهنّ، مثل محاولة إثبات تورطهم في مشروعات تجارية وهمية، خاسرة، في الوقت الذي ينفقون على أبنائهم من زوجاتهم الأخريات ببذخ.

وخلال عام 2010 بلغ إجمالي حالات الطلاق على مستوى الدولة 3459 حالة، بحسب تقرير للمركز الوطني للإحصاء في الدولة.

ويبين التقرير أن عدد شهادات الطلاق بين زوج مواطن وزوجة مواطنة بلغ 1486 شهادة طلاق، وبين زوج مواطن وزوجة غير مواطنة 583 شهادة طلاق، وبين زوج غير مواطن وزوجة مواطنة 112 شهادة طلاق، وبين زوج غير مواطن وزوجة غير مواطنة 1278 شهادة.

وأكدت المحكمة الاتحادية العليا في أحكامها في قضايا الأحوال الشخصية بشأن النفقة على مبدأ قانوني أنه يراعى في تقدير النفقة سعة المنفق، وحال المنفق عليه، والوضع الاقتصادي زماناً ومكاناً، شريطة ألا تقلّ عن حدّ الكفاية لتأمين ما يلزم للمنفق عليه، مؤكدة أن تقدير النفقة وحال من تجب عليه يسراً وعسراً هو مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة، لها أصلها الثابت بالأوراق.

نفقات المعيشة

قال المواطن (أبومحمد) إنه طلق زوجته منذ سنوات، وله منها ثلاث بنات، وانتهت علاقتهما بالطلاق، فرفعت دعوى قضائية ضده، وقضت لها المحكمة بنفقة شهرية بمبلغ 9700 درهم، في حين أن راتبه الإجمالي يبلغ 20 ألف درهم، يخصم منه 9300 درهم لسداد ديون بنكية، ولا يتبقى من راتبه شيء، مضيفاً أنه قدم جميع الأوراق الثبوتية التي تؤكد التزاماته البنكية من قروض أخذها قبل زواجه من مطلقته، لكن المحكمة لم تعتد بها وقضت بالنفقة المذكورة.

ولفت إلى أن حكم النفقة الصادر بحقه لم يراع أبناءه الآخرين، إذ إنه متزوج بأخرى، ورزق منها بستة أبناء، يدرس أكبرهم في المرحلة الثانوية، مضيفاً أنه لا يتمكن حالياً من توفير نفقات المعيشة لهم بعد توزيع راتبه بين النفقة والبنك، داعياً إلى إعادة النظر في قوانين الأحوال الشخصية، خصوصاً في شأن تقدير النفقة وفقاً لسعة المنفق.

وقال المواطن (سالم .أ)، إنه انفصل عن زوجته قبل سنوات، وقضت لها المحكمة بالبقاء في سكن الزوجية الذي وفره بعد عناء شديد واستدانة من البنوك، حيث كانت حاضنة لطفلين منه، وقد احتسب لها نفقة شهرية قدرت بـ5000 درهم، ثم رفعت قضية أخرى طالبت فيها بزيادة النفقة، لتزيدها المحكمة إلى 5500 درهم شهرياً، لافتاً إلى أنه لم يتم مراعاة حجم راتبه في ذلك الوقت، إذ لم يكن يتبق منه سوى 900 درهم بعد خصم الديون البنكية، وقد رفض الالتماس الذي قدمه لخفض النفقة.

وأكد أهمية الأخذ في الاعتبار مستوى الدخل المالي للزوج عند احتساب النفقة، والنظر كذلك إلى حجم الديون المترتبة عليه نتيجة القروض التي حصل عليها لتأثيث بيت الزوجية، وذلك حتى لا تتأثر حياته بعد الطلاق، إذ إن من حقه أن يكون قادراً على الانفاق وتدبير نفقات معيشته بشكل جيد، خصوصاً إذا كان متزوجاً بأخرى.

أقساط شهرية

قال مواطن آخر، رفض ذكر اسمه، إنه تزوج أجنبية ورزق منها بأبناء، ثم قرر الانفصال عنها بعد خلافات عائلية نشبت بينهما، فأقامت عليه دعوى قضائية تطالبه فيها بالنفقة، وهو ما التزم به، إلا أن المحكمة قضت عليه بشراء سيارة خاصة لها لتسهيل تنقلاتها، مضيفاً أنه ليس لديه القدرة المالية لتحقيق هذا المطلب، خصوصاً أن عليه ديوناً مستحقة للبنوك، إضافة إلى أقساط سيارته الخاصة.

وفي تفاصيل قضية نظرتها المحكمة الاتحادية العليا، شرح موظف أنه يتقاضى 5000 درهم راتباً شهرياً، وقدم المستندات الدالة على ذلك، كما أنه يقيم في شقة يدفع لها 40 ألف درهم، إلى جانب مستلزمات الحياة والظروف الاقتصادية. وأضاف أنه مدين بأقساط شهرية لسيارة اشتراها، وقد احتسب لزوجته وولده منها نفقة شهرية قيمتها 3000 درهم.

ورأت هيئة المحكمة أن تقدير النفقة أقيم على أسباب سائغة، إذ ثبت لديها أن الزوج له دخل آخر، كما أنه لم يقدم الدليل على وجود ديون أو التزامات عليه، رافضة طعنه ضد حكم النفقة.

معيار النفقة

قال القاضي في المحكمة الاتحادية العليا، المستشار أحمد عبدالحميد، لـ«الإمارات اليوم» إن للمحكمة معياراً في تقدير النفقة، وهو احتساب قيمة الدخل الكلي للزوج، وليس راتبه فقط، إذ قد يكون لديه أراض وبنايات سكنية أو مشروعات تجارية وغيرها، وتالياً يتم احتساب الدخل الإجمالي، وتخصم منه الديون بما يقدمه من أدلة وأوراق ثبوتية تطمئن لها المحكمة، وهو ما يسمى في القانون «مدى يسار الزوج».

كما يؤخذ عند الحكم بالنفقة أيضاً حال المنفق، وما يتحمله من نفقات، سواء على زوجة أخرى وأولاد آخرين، أو على الوالدين إن كانا يقعان في دائرة من تجب النفقة لهم عليه، وكذا الديون المستحقة عليه، وتقوم المحكمة باحتساب النفقة وتقديرها، آخذة في اعتبارها هذه الأمور.

كما تراعي المحكمة حال الزوجة والأولاد بعد طلاقها وحضانتها لهم، إذ يُنظر إلى حاجتهم الضرورية، ومستواهم الاجتماعي الخاص بهم، فإن ثبت على سبيل المثال أن الزوجة كانت تُخدم في بيت أهلها، وكانت تُخدم في بيت زوجها، فلا يجوز شرعاً وقانوناً حرمانها من ذلك، وكذا الأمر إذا كانت تركب سيارة عند أهلها واستمر الحال عند الزوج فإنه ليس من المعقول أن تحرم من السيارة، وهو الحال في كل أحوال النفقة وبنودها.

وأكد القاضي عبدالحميد، أن المحكمة لا تقدر النفقة عشوائياً أو استنتاجاً، إذ لابد أن يكون لحكمها سند من القانون، وأن تتيقن من كل ذلك قبل أن تقضي بالنفقة، وإذا قضت خلاف ذلك فإن حكمها يكون معيباً، وتنقضه محكمة النقض إذا شابه أيّ عيب من عيوب التدليل أو قصور في التسبيب أو الاستدلال أو خطأ في تطبيق القانون، مضيفاً أنه طبقاً لقانون الأحوال الشخصية فإن محكمة النقض تتصدى للدعوى، ولا تحيلها بعد النقض، إذ تتصدى بنفسها للفصل في موضوع الدعوى، وإنزال حكم القانون الصحيح من خلال واقعة الدعوى، وما طرح فيها من أدلة ومستندات.

وحول لجوء بعض المطلقات من حين إلى آخر لرفع دعوى لزيادة النفقة، أكد القاضي عبدالحميد أن أحكام النفقة تعتبر وقتية، وتتغير بتغير حال الصغير، والزمان، وتغير حال المنفق، وفي هذه الحال فإن للمطلقة رفع دعوى جديدة بزيادة النفقة كلما تغير حال صغيرها، بدخوله مراحل تعليمية مختلفة، وما يستتبع ذلك من رسوم ومصاريف مدرسية، وما ينفق عليه من دروس خصوصية وتنقلاته وغيرها، وهو ما يزيد النفقة للحاضنة التي يكون من حقها أن تطالب بما يسدّ حاجة المنفق عليه، وتراعي المحكمة في هذا الأمر تغير الظروف والأحوال، فإذا وجدت الظروف أنها لم تتغير فإنها تقضي برفض الدعوى، أما إذا استطاعت المطلقة أن تقدم دلائل على تغير حال المنفق وزيادة معاشه، وكذا بالنسبة لاحتياجات الصغير الملحة، والضرورية، التي يلتزم بها الأب باعتباره وليّه المسؤول عن الإنفاق عليه وسدّ حاجاته، فإن المحكمة تقضي بتعديل النفقة، وفقاً لما تراه من واقع المستندات المطروحة، بعد الاطمئنان إلى صحة ما تدعيه الحاضنة، ولقاضي الموضوع السلطة التقديرية في ذلك.

مشروعات وهمية

من جانبه، أكد المحامي إبراهيم التميمي، أن شكاوى بعض الأزواج من المبالغة في أحكام النفقة التي تقدرها المحكمة لزوجاتهم المطلقات، في غير محلها، إذ إنها لا تكفي لاحتياجات المحضونين، خصوصاً مع غلاء المعيشة وكثرة احتياجاتهم، مضيفاً أن الأطفال إذا كانوا لدى والدهم سيكون مرغماً على الإنفاق عليهم من جميع النواحي، بما في ذلك العلاج المفاجئ والترفيه واحتياجاتهم الشرائية من ملابس جديدة في الأعياد والتي لا يشملها القانون ولا يتم الحكم بها إلا نادراً.

ولفت إلى أن المطلقة الحاضنة تضطر بعد استلام النفقة إلى تلبية طلبات كثيرة للمدارس وغيرها من الأمور، مثل أخذ الأولاد للألعاب والترفيه، ودفع أجرة النقل، مشيراً إلى أن كثيراً من الآباء يعتقدون أن النفقة هي عبارة عن قيمة فاتورة للأكل والشرب، دون النظر لبقية احتياجات المحضون.

ولفت إلى أن بعض الآباء يدعي أن ظروفه المالية صعبة، وتفاجأ بأنه يتزوج واحدة بعد أخرى، أو يقترض للزواج المتعدد، أو لشراء سيارات فارهة، بينما تجد أولاده يتضورون جوعاً.

وهناك من يصل راتبه إلى 100 ألف درهم ولا ينعم أولاده بحياة رغيدة، ويقوم البعض منهم بالإنفاق ببذخ على أولاده من الزوجة التي في عصمته ويتجاهل أولاده من مطلقته. ومنهم من يسكن مع زوجته التي هي على ذمته في أحسن الفلل، وأولاده من مطلقته يضيق عليهم في غرف صغيرة، في مناطق لا تليق بوضع والدهم الاجتماعي.

كما يقوم البعض باستدانة مبالغ طائلة بعد الطلاق للدخول في مشروعات تجارية وهمية خاسرة، ومن ثم يحرم أولاده من النفقة التي تتناسب مع الوضع الاجتماعي للأسرة. وبالنسبة لتوفير خادمة أو سداد أجرتها، فإن المستقر فقهاً وقضاءً أحقية الأولاد في الخادمة، خصوصاً أنه كان لديهم خادمة وخادمتان حين كانوا عند والدهم، ولكنه يريد حرمانهم من ذلك بعد الطلاق.

وبالنسبة لشراء السيارة، فمن النادر أن تحكم به المحكمة، إلا إذا وجدت من حال الأب أنه موسر، وأن راتبه مرتفع، ولديه سيارات يستخدمها هو وأولاده من الزوجة الأخرى، وفي معظم الأحيان يحكم ببدل مواصلات.

ويرى التميمي، أن القانون به قصور في تحديد النفقات التي يجب على الأب سدادها، مطالباً بتعديله مع النظر في حال الزوج الفعلية، وليس أولئك الذين يحاولون التهرب من الإنفاق على أولادهم، وينفقون ببذخ على أمور أخرى، معتبراً أن معظم الأحكام لا تنصف المرأة.

تويتر