«الوطني»: لابد السماح لأئمة المساجد ممارسة الرقية الشرعية
قانونيون يطالبون بإدراج نص قانوني اتحــادي يجرّم المشعوذين ومن يقصدونهم
طالب خبراء قانونيون بتشريع نص قانوني خاص في قانون العقوبات الاتحادي الصادر 1983، يجرّم أفعال السحر والشعوذة، وعدم تضمينها تحت المادة 399 من القانون، مؤكدين لـ«الإمارات اليوم» أن تلك المادة لا تلبي تطورات الجريمة وتأثيرها في شريحة مجتمعية يتم التغرير بها. في الوقت الذي طالب فيه مستشارون قانونيون بنص صريح في القانون يجرّم الشعوذة والسحر، وتوقيع عقوبة على الأشخاص الذين يلجأون إلى من يمارس تلك الأعمال، لما لها من تأثير وخطورة على المجتمع.
طرق بديلة
|
فيما رفض رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية في المجلس الوطني الاتحادي، سالم بالركاص العامري، فكرة معاقبة الضحية، على اعتبار أن ضحية المشعوذ تستوي حالته مع ضحية اللص، وتالياً لا يمكن توقيع عقوبة على شخص مسروق. بينما طالب رئيس لجنة التوطين في المجلس الوطني الاتحادي، حمد الرحومي، بالسماح لأئمة المساجد المعتمدين من قبل وزارة الأوقاف بممارسة الرقية الشرعية، كما كان معمولاً بها في السابق، تيسيراً على الناس الذين تكلفهم جلسة واحدة مع دجال أو مشعوذ مبالغ مالية تصل إلى 30 ألف درهم، وهم مشعوذون يأتون إلى الدولة أحياناً لممارسة مثل هذه الأعمال فقط.
وتفصيلاً، طالب محامون ومستشارون قانونيون بإضافة نص قانوني خاص في قانون العقوبات الاتحادي يجرّم أفعال السحر والشعوذة، وعدم إبقائها تحت بند الاحتيال في المادة 399، مقترحين أن يتم تضمين مادة في القانون تنص على مساءلة الأشخاص الذين يلجأون إلى من يمارس تلك الأعمال، لما لها من تأثير خطر على المجتمع.
وأكد المحامي والمستشار القانوني عبدالله الدعيفس ضرورة إيجاد عقوبة بحق الشخص الذي يلجأ إلى الذين يمارسون أعمال السحر والشعوذة، خصوصاً عندما يكون قصده الضرر بالآخرين، وذلك للقضاء على هذه الأفعال «المشينة»، على حد وصفه. وقال إن «قانون العقوبات لم يتضمن نصاً قانونياً صريحاً عن واقعة ارتكاب جريمة السحر والشعوذة»، مبيناً أنه «في حال وقوع تلك الجريمة تحيل النيابة العامة المرتكب إلى المحكمة عن تهمة الاحتيال بموجب المادة (399) من قانون العقوبات، الامر الذي يعني أن مرتكبي تلك الجرائم لا يفلتون من العقاب، إذ استخدم المشرع الإماراتي تلك المادة وجعلها تشمل كل طرق الاحتيال، ومن بينها جريمة السحر والشعوذة».
واعتبر دعيفس ان «تضمين مادة تجرّم أعمال السحر والشعوذة في قانون العقوبات يكون رادعاً»، موضحاً ان «تعريف المجتمع بوجود مادة تجرم هذا الفعل يشكل بحد ذاته رادعاً لمن يقوم بذلك». وأيد أن يُشرع قانون خاص يجرم السحر والشعوذة، مضيفاً انه لابد من وضع مادة قانونية تشرح وتصف هذه الجريمة وآلية العقوبة فيها. وقال إن «المشرع قرر في المادة 399 من قانون العقوبات معاقبة مرتكب جريمة الاحتيال بالحبس أو الغرامة، وعقوبة الحبس قانوناً طبقاً للمادة 69 من قانون العقوبات هو وضع المحكوم عليه في إحدى المؤسسات العقابية للمدة المحكوم بها وهي لا تقل عن شهر ولا تزيد عن ثلاث سنوات، إضافة إلى أن المشرع عاقب على الشروع في ارتكابها بالحبس مدة لا تزيد على سنتين أو بالغرامة التي لا تزيد على 20 ألف درهم».
وأكد دعيفس أن معاقبة من يرتكب هذا الجرم مرة واحدة من الممكن ان تفي بالردع، مضيفاً في الوقت ذاته أنه «لابد من أن يشمل النص القانوني (في حال تكرار الجرم) العقوبة»، متابعاً أنه «في حال نتج عن عمل السحر والشعوذة ضرر، جسمانياً أو عقلياً، أو أحياناً الوفاة، فما العقوبة عند حدوث ذلك»، معتبراً أن وجود نص خاص يجرم هذا الفعل يعتبر أفضل.
وأيد دعيفس تشديد العقوبة على الشخص الذي يعتاد على هذه الأفعال، مشيراً إلى انه في حال كان شخصاً حاول الشروع في الجرم، فيمكن وضع عقوبة تنص على وضعه تحت المراقبة، مشدداً على خطورة اعمال السحر والشعوذة على المجتمع، إذ تزيد من البغضاء والحقد، وتساعد أصحاب النفوس المريضة على الضرر بأفراد المجتمع الآخرين من دون دراية.
ادعاء العرافة
وقال المستشار القانوني والمحامي سعيد الغيلاني، إن «قانون العقوبات الاتحادي الصادر عام 1983 لم يفرد عقوبة مخصصة بممارسة السحر والشعوذة، وإنما ادرجها تحت بند الاحتيال، مشيراً إلى أنه إذا كان الساحر أو المشعوذ ادعى العرافة والكهانة أو العلم بالغيب أو كشف المستور أو مارس أعمالاً ومظاهر خادعة من قبيل كتابة الطلاسم والتمائم والتعاويذ، وباشر عمل (الاحجبة) التي يدعي انها تفرق وتقرب بين الناس، أو أنه أطلق لحية مثلاً وارتدى زي رجال الدين، وادعى قدرته على الشفاء من الأمراض، أو جلب الفال والرزق، وهمه من وراء ذلك الحصول على مقابل مالي، انطبقت عليه جميع أركان جريمة الاحتيال التي جرمها قانون العقوبات الاتحادي في المادة 399».
وأوضح الغيلاني أنه «لمواجهة النقص التشريعي في بعض الحالات التي لا يطلب فيها الساحر والمشعوذ مقابلاً مالياً، ويدعي أنه أداها لوجه الله، أو أنه حصل على منفعة خاصة يتعذر إثباتها، فإنه يطبق قانون العقوبات الدبوي (الذي كان يطبق في دبي عام 1970)، الذي أورد عقوبة خاصة لكل من مارس السحر والشعوذة أو الكهانة أو تظاهر بذلك بالسجن مدة لا تزيد على سنة أو الغرامة المنصوص عليها في المادة 309 من ذات القانون». وبين أنه إذا انحصر العمل الذي يقوم به الشخص تحت بند الرقية الشرعية أو التداوي بالأعشاب الواردة في الهدي النبوي فلا تقوم أي جريمة في حقه.
طرق احتيالية
بدوره، أكد المحامي والمستشار القانوني علي مصبح أن جريمة الاحتيال مطابقة لجريمة السحر والشعوذة، كون الساحر أو المشعوذ يستعمل أو يستعين بالطرق الاحتيالية التي تنطلي على الشخص العادي، للتوصل إلى الاستيلاء على أموال الضحايا أو الاشخاص الذين يعتقدون أنهم مرضى أو يستعملون تلك الاعمال في تفرقة الأشخاص أو ادعاءهم انهم يربطون شخصين بعلاقة حب دائمة ومستمرة، وباستعمال طلاسم وأدوات وأشياء تدخل في النجاسة بمعظمها، وذلك باستعمال صفة غير صحيحة، كأن يدعي أنه أحد مشايخ الإسلام، أو أنه من أولياء الله الصالحين، وأنه لا يبتغي المال من هذا الفعل، وأن لديه القدرة على عمل أي شيء بحجة أنها من القرآن أو السنة، ويدعي التقوى والورع، وذلك كله لكي يخدع الأشخاص المجني عليهم أو الضحايا لتسليمه مبالغ طائلة».
وقال مصبح إنه في قوانين بعض الدول يطلق على الساحر «المحتال والمشعوذ»، موضحاً أن بقاء جريمة السحر والشعوذة تحت بند الاحتيال في قانون العقوبات الاتحادي تكفي إلى حد ما تطبيقاً للعقوبة، مفضلاً في الوقت نفسه أن يفرد المشرع نصاً خاصاً يجرّم تلك الاعمال، ويتشدد في أعمال السحر، كأن تكون جناية تصل إلى الإعدام في حال استخدام ما يسمى «السحر الأسود» الذي يعد أشد أنواع السحر، وبالتالي تكون العقوبة بقدر الفعل.
وبين مصبح أن تشريع مادة خاصة، تعطي المحكمة سلطة تقديرية بالتشديد أو تخفيف العقوبة، كما في بعض الدول الخليجية التي تصل فيها عقوبة الساحر إلى الإعدام، مشيرا إلى أن نص مادة الاحتيال كافٍ للوضع العادي للأمور، وان يكون المتهم تم القاء القبض عليه دون ان ينشر سحره بشكل خطر، وأن تكون هناك سلطة تقديرية للمحكمة في العقوبة.
واعتبر مصبح أن أعمال السحر والشعوذة من الجرائم الخطرة جداً على المجتمع، وقال إن ضحاياها عادة أشخاص شبه مرضى، واحياناً تؤدي تلك الأعمال إلى قتل الشخص المعني بالسحر أو يدمر حياته. وأوضح أن الشخص الذي يلجأ إلى السحر والشعوذة هو مريض نفسي، أو أنه يفتقر للوازع الديني، وبالتالي هو ضحية لهؤلاء المشعوذين، ولو كانت هناك عقوبة للشخص الذي يلجأ اليهم فلن يقوم بالإبلاغ عنهم في حال تم الاحتيال عليه، وذلك افلاتاً من العقوبة، فيظل الساحر حراً طليقاً دون ضبطه والقبض عليه، لاسيما أن هذه الجرائم معظمها لا يتم اكتشافه إلا بعد وقوع الضحية في الفخ الذي نصبه له هذا الساحر أو المشعوذ، فهو في النهاية ضحية ومجني عليه، والأولى ان يحتاج إلى توعية وتثقيف وعلاج طبي من السبب الذي جعله يتوجه اليهم، وفي النهاية فالثقافة الدينية والإعلامية لها أكبر الأثر في توعية وتثقيف ضعاف النفوس.
فداحة الجرم
وأكد المحامي والمستشار القانوني عبدالله حاجي، ضرورة إعادة المشرّع النظر في العقوبة المقررة لمرتكبي جريمة السحر والشعوذة، كونها لا تتناسب مع فداحة الجرم التي ينتج عنها، مشيراً إلى أن عقوبة الحبس أو الغرامة المنصوص عليها في المادة 399 من قانون القوبات الاتحادي غيـر كافية لـردع مرتكبي هذه الجرائم.
وقال أنه لابد من إعادة النظر في هذه العقوبة، ومن الصواب أن يفرد المشرع عقوبة واضحة بنص قانوني صريح لهذه الجريمة، نظراً لما تسفر عنه من أضرار بالغة بالمجتمع، لافتاً إلى أن تلك الجرائم من الجرائم المتكررة، خصوصاً في المجتمعات التي يقل فيها الوعي الفكري والثقافي.
وبين حاجي أن لوسائل الإعلام دوراً مهماً في الحد من الجريمة وآثارها على المجتمع، مشيراً إلى أن جرائم السحر والشعوذة تتعدد آثارها الضارة مادياً ومعنوياً وجسمانياً، وتستلزم حماية المجتمع منها إيجاد نص عقابي خاص لتلك الجرائم.
كما أكد ضرورة مساءلة الأشخاص الذين يلجأون إلى من يمارسون مثل تلك الأعمال، مبيناً أن هناك فئات متعلمة ومثقفة تلجأ إلى أولئك الأشخاص، الأمر الذي يدل أيضاً على ضعف الوازع الديني، فالساحر أو المشعوذ لا يمكنه خدمة الناس، ولو كان يستطيع خدم نفسه وأصبح غنياً من دون الحاجة إلى المال بالاحتيال، لكنه يستخدم الشعوذة ليس فقط للاستيلاء على المال، وإنما على النفس والعرض أيضاً.
تحركات حكومية
لكن رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية والعمل في المجلس الوطني الاتحادي، سالم بالركاض العامري، أبدى رفضه لفكرة أن «يسن تشريع لمعاقبة المترددين على المشعوذين والدجالين»، مضيفاً أنه «هل يمكن أن يعاقب المسروق على جريمة سرقة وقعت في بيته مثلاً، إذ إن الذين يلجأون إلى الدجالين يعتبرون ضحايا وبحاجة إلى الشفاء، ويتعلقون بأي بصيص أمل يساعدهم على الشفاء».
وأضاف أن «المشعوذ مثل اللص، وتالياً لا يستقيم أن نقرر عقوبات على المجني عليه، فالأولى أن يعاقب اللص، والدولة لديها إمكانات كبيرة يمكنها أن تركز على المشعوذين وملاحقتهم والوصول إليهم، وتالياً تطبيق العقوبات عليهم، فيفترض أن الدجال أو المشعوذ من غير أبناء الدولة يطبق في حقه الإبعاد عن أراضي الدولة». وقال إنه ليس هناك أي مانع لطرح تعديل المادة 399 من قانون العقوبات الاتحادية في جلسات المجلس خلال الدور القادم لأعمال المجلس.
وتابع أن «أجهزة الدولة المختلفة معنية بمتابعة تحركات هؤلاء المشعوذين، والبحث عنهم، وتخليص المجتمع من شرورهم، فبعض الضحايا يكونون من المغرر بهم، فبعض الناس يوهم الضحية بقدرات هذا الدجال أو المشعوذ على علاجه، وهنا نحتاج إلى برامج توعية أكثر من حاجتنا إلى تطبيق عقوبات على الضحايا».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news