العنف ضد المرأة يصل إلى الضرب وأحداث عاهة. أرشيفية

%95 مــن جرائم العنف ضد المرأة غير معلنة

كشف مدير مركز دعم اتخاذ القرار، الأمين العام لجمعية توعية ورعاية الأحداث، الدكتور محمد مراد عبدالله، أن 95% من جرائم العنف ضد المرأة لا يتم الإبلاغ عنها.

وقال عبدالله لـ«الإمارات اليوم» إن هناك إشكاليات في رصد حالات العنف التي تتعرض لها المرأة بسبب التكتم، وتفضيل الضحية الحفاظ على ما تعتبره كيان الأسرة حتى لو تعرضت لاعتداء جسدي.

وأضاف أن المركز أعد دراسة حول أشكال العنف التي تتعرض لها المرأة، ورصد أنواعاً عدة أسوأها على الإطلاق العنف الأسري الذي يمارس داخل نطاق العائلة من الأب أو الأخ أو الابن، ويشمل حرمان المرأة من زيارة الأهل والأصدقاء والتدخل في نوع اللباس على الرغم من احتشامه، والحرمان من حق اختيار شريك الحياة.

وأشار إلى أن هناك مظاهر أخرى للعنف حسب الحالات التي رصدت، منها العنف الجسدي الذي يتمثل في إيذاء البدن، وتكون آثاره واضحة وظاهرة للعيان، ويعد من أكثر الأنواع انتشاراً، لافتاً إلى أن من أشكال العنف الدفع والصفع واللكم والركل والحرق، مبيناً أن بعض الحالات تصل إلى الضرب المؤدي إلى الإجهاض.

عقدة نفسية

أفاد مدير مركز دعم اتخاذ القرار، الأمين العام لجمعية توعية ورعاية الأحداث، الدكتور محمد مراد عبدالله، بأن كثيراً من الدراسات أثبتت أن الطفل الذي يتعرض للتحرش يصاب بأعراض عدة، منها الاضطرابات السلوكية، التي تظهر في صورة أكل الأظافر والتبول غير الإرادي والشرود أو التدهور الشديد في المستوى الدراسي والاضطراب في النوم والكوابيس. وقال عبدالله، إن هناك آثاراً سلبية كذلك تنعكس على مستقبل الطفل الصغير حين يكبر سواء كان رجلاً أو امرأة، فيتوحد مع الجاني ويمارس الاعتداء على الأطفال كنوع من الانتقام، كما ظهرت حالات ميل إلى الشذوذ والعنف أو الانطواء.

وفي حالات النساء تصاب المرأة التي تعرضت للتحرش أثناء صغرها بحالة من الخوف والرهبة من الرجل عموماً، وتتولد لديها دائماً حالة خوف من المستقبل، وتصاب بعقدة تستمر لديها فترة طويلة، مؤكداً أن الأسرة تعد حصن الدفاع الأول من هذه الجرائم، ويجب على الآباء إدراك عواقب تعرض أبنائهم لهذه الجرائم.

وأضاف أنه يجب على الأسرة عند تعرض الطفل فعلياً للتحرش، مراجعة طبيب نفسي فوراً حتى يعمل على استرجاع التجربة المؤلمة، فلا تظل مخزنة في ذهن الطفل ونفسيته ويعاني معها طوال حياته.

وأوضح عبدالله أن العنف الجنسي - وفق الدراسة - أخطر أنواع العنف ضد المرأة بسبب عمق آثاره النفسية، ويتمثل في إجبار الضحية على ممارسة الجنس أو تقبله على غير رغبتها، لافتاً إلى أن من أخطر أشكاله الاغتصاب وهتك العرض.

ولفت إلى أن أسباب عدم الإبلاغ عن هذه الجرائم تتفاوت من امرأة إلى أخرى، أهمها على الإطلاق الخوف على السمعة والشرف، إذ يعتبر البعض أن مجرد الشكوى أو الإفصاح عن المشكلة يعد هتكاً لعرض الأسرة حتى لو تعرضت المرأة لعنف مفرط.

وتابع أن العنف اللفظي من الأنواع المتكررة، ويخلف أثاراً معنوية مدمرة ومحطة للكرامة، وإن كان لا يترك أثاراً على جسد الضحية، لافتاً إلى أنه يشمل التحقير والسخرية والإهانة والمعاكسات الوقحة.

وأكد أن هناك حاجة ملحة إلى توعية المجتمع بخطورة هذه الجرائم، خصوصاً أمام الأطفال، لأنها تخلف آثاراً سلبية، فالطفل الذي يرى أمه تتعرض للاعتداء أو الأذى يكرر ذلك عادة مع زوجته حين يكبر.

وحول الحالات التي يجب فيها الإبلاغ، قال عبدالله، إنه لا يوجد معيار محدد لذلك، لكن إذا تكرر العنف الجسدي فلا يمكن السكوت عليه حتى لا يؤدي إلى عاهة أو أذى مفرط.

وأفاد عبدالله بأن من الضروري إجراء دراسات متخصصة بطريقة حساسة تضمن الوصول إلى حجم هذا المشكلة في المجتمع، لأن هذه الظاهرة موجودة حتى في الدول المتقدمة الأكثر انفتاحاً، إذ يصعب رصدها لعدم الإبلاغ عن كل الجرائم التي تقع لأسباب مختلفة مثل الخوف من الجاني بسبب نفوذه أو قدرته على الإيذاء.

وأضاف أن العنف لا يشترط الإيذاء اللفظي أو البدني أو الجنسي فقط، لكن له أشكال أخرى حسب تعريف الإعلان العالمي لمناهضة أشكال العنف ضد المرأة، وهو «أي اعتداء ضد المرأة مبني على أساس الجنس، والذي قد يتسبب في إيذائها نفسياً أو جسدياً، ويشمل أيضاً التهديد والوعيد أو الضغط والحرمان التعسفي من الحريات سواء العامة أو الخاصة».

وأشار إلى أن من السائد في المجتمعات التقليدية المحافطة وجود سلوكيات تمثل بشكل غير مباشر عنفاً ضد المرأة، مثل تكرار النموذج المتسلط من الرجل الذي يحتكر صناعة القرار، ما يجعله يتمادى في توجيه عنف لفظي أو جسدي تجاه المرأة.

وأوضح أن هناك بعض الإشكاليات التي تصعب من مسألة إحصاء الحالات أو تحديد حجم الظاهرة، منها عدم القدرة على تصنيف بعض الممارسات، مثل تزويج الفتاة في سن مبكرة لا تمكنها من الاختيار السليم، وعنف امرأة ضد أخرى واستيلاء الأب أو الزوج على راتب زوجته أو ابنته، وإجبار المرأة على الخضوع لفحص العذرية، وهجر الرجل فراش زوجته، وإسكان الزوجة الجديدة محل القديمة، والتهديد بنشر أسرارها عبر الانترنت أو وسائل الاتصال الحديثة، والتحرش الجنسي سواء بالفعل أو القول، والضغوط التي يمارسها أرباب عمل على الموظفات.

وفي سياق متصل، قال الدكتور محمد مراد عبدالله في حواره مع «الإمارات اليوم» إن من الجرائم الخطرة التي عكف مركز دعم اتخاذ القرار على إعداد دراسات حولها «التحرش بالأطفال لما له من عواقب خطرة حالية ومستقبلية على الطفل الذي يقع ضحية لهؤلاء المنتهكين».

وأضاف أن دراسة حديثة أجراها المركز صنفت الطفل إلى قسمين: الأول فئة عمرية تراوح بين سنة وخمس سنوات، وهي ما نعتبرها الفئة الصامتة، التي لا تستطيع الكلام، وهؤلاء يقعون ضحايا عادة لأقاربهم أو من أشخاص يعيشون في محيط العائلة.

وأشار إلى أن الفئة الثانية، أطفال من سن خمس سنوات إلى 12 عاماً، وهؤلاء يتعرضون للانتهاك عادة من جانب غرباء، أو زملاء في الدراسة، وهذه الفئة تستطيع التعبير عن الجرائم التي تتعرض لها.

وأوضح عبدالله أن الدراسات العالمية تبدو دقيقة فعلياً وفق الحالات التي تابعها، إذ تفيد بأن 25% من جرائم التحرش بالأطفال تقع على الفئة العمرية الأولى من سنة إلى خمس سنوات، إذ يسهل إغراؤه في هذا السن بالحلوى أو الألعاب والهدايا، أو ربما يكون الاعتداء مصحوباً بتهديد أو ضرب أو عقاب يرهب الطفل في هذه السن الصغيرة، ويبعد تفكيره عن جريمة التحرش فتضيع معالمها، لافتاً إلى أن بعض الجناة يعمدون فعلياً إلى إيذاء الأطفال وربما قتلهم بعد الاعتداء عليهم.

وحذر مراد من فئة الخدم والسائقين داخل المنزل، مشدداً على خطورة بقاء الأطفال معهم من دون رقابة أو إشراف من الأم والأب، لذا من الضروري للغاية اختيار الخادمات بعناية فائقة وعدم إرسال الفتيات مع السائقين من دون مرافق مضمون.

وأفاد بأن هناك حالات لخادمات يعمدن إلى لمس مناطق حساسة في أجساد الأطفال، أو يخلعن ملابسهن أمامهم، مشيراً إلى أن بعض الأمهات يقعن في خطأ فادح بالسماح للخادمة بالدخول مع الأطفال إلى دورات المياه وتولي عملية الاستحمام وتغيير ملابسهم، سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً، معتبراً أن هذا إهمال كبير من جانب الأم يفقد الطفل إدراكة لحرمة جسده ويعرضه للانتهاك، مؤكداً أن من المهم تقليل الاعتماد على الخدم ووضع ضوابط يلتزم بها الخادم خلال تعامله مع أفراد الأسرة، وأن تكون إقامتهم في غرفة منفصلة كلياً عن المنزل وعدم احتكاكهم بالأطفال إلا في أضيق الحدود.

وذكر عبدالله أن بعض الآباء والأمهات لا يدركون أهمية الاطلاع ومتابعة كل ما يتعلق بتربية أبنائهم إلا بعد وقوع الكارثة، مؤكداً أن التحرش أو الاعتداء الجنسي على طفل يخلف آثاراً نفسية رهيبة، لذا فالوقاية مهمة للغاية قبل الدخول في دوامة تضر بالأسرة وليس الطفل فقط.

ولفت إلى أن من الضروري بث الثقة في الطفل مع أخذ الاحتياطات اللازمة، والتواصل معه دائماً، وتعويده على الكلام والتعبير بكل شجاعة، وعدم ترك الآخرين يتولون مسؤوليته، والحذر من الأقارب مثل الغرباء تماماً، وتدريب الطفل على الرفض منذ صغره فلا ينساق لمغريات من غريب أو قريب، وزرع فكرة الخصوصية فيه، وأن لجسده حرمه فلا يحق لأحد النظر إليه أو لمسه.

وأوضح أن المؤسسات التربوية مثل المدارس تتحمل مسؤولية كذلك، من خلال عدم ترك الأطفال أوقاتاً طويلة بمفردهم في المدارس، والتنبيه السريع إلى السلوكيات الخاطئة والسلبية.

وأوضح أن التحرش الجنسي يترك آثاراً سلبية جسيمة على الطفل، منها إحداث ما يعرف بالإفاقة الجنسية المبكرة لديه، ما يصيبه بنشاط جنسي زائد تتبعه غالباً تصرفات سيئة، فيتحول بدوره إلى متحرش أو معتدٍ.

الأكثر مشاركة